فـي الوقت الذي أرسلت نتائج الإنتخابات يوم الثلاثاء أخباراً محبطة بالنسبة للديمقراطيين، سواء على مستوى ولاية ميشيغن أو كافة ارجاء البلاد، فإنها أحدثت أيضاً مجموعة من المشاعر المختلطة لدى الجالية العربية الأميركية فـي ديربورن وديربورن هايتس.
هنا كان الانتصار المدوي من نصيب المحامية مريم بزي التي حلَّتْ فـي المقدمة من بين لائحة طويلة عريضة مؤلفة من ١١ مرشحاً لمجلس ديربورن التربوي، حاصدةً ما مجموعه ٩٠٣٨ صوتاً، فكان وقع هذا النبأ العظيم كبيراً على الجالية. كما حلَّ فـي المركز الثاني الدكتور مايكل ميد، الذي حصل على ما مجموعه ٧٨٧٢ صوتاً.
ومثل بزي، حصل ميد على تأييد اللجنة العربية الأميركية للعمل السياسي «أيباك» وأظهرت الأرقام وجود دعم قوي له فـي شرق ديربورن، حيث يمثل العرب الأميركيون جزءا كبيراً من السكان الناخبين. أما المحامية مريم بزي، فليست عربية أميركية جادة فقط، ولكنها كانت أيضاً عضواً نشطاً ومشاركاً بفعالية وعلناً فـي جاليتنا كرئيسة لـ«ايباك» على مدى السنوات الأربع الماضية. هي لم تنزوِ ولم تخفِ جذورها العربية أو دينها الإسلامي. كما انها لم تتخلف عن حمل راية القيادة، حتى فـي قضايا شائكة يُطلق عليها عادةً «القضايا العربية المثيرة للجدل».
لكن الدعم لم يكن عربياً فقط، فقد قالت بزي انها تلقت دعماً عبر جميع شرائح المجتمع فـي ديربورن، مما يدل على أن الناخبين فـي هذه المدينة يزدادون ارتياحاً أكثر وأكثر فـي الإدلاء بأصواتهم للأميركيين العرب، طالما أنهم يحملون المؤهلات المطلوبة.
ويمكن القول ان هذه الإنتخابات والتي سبقتها أظهرت بشكل لا ريب فيه، ان ناخبي ديربورن من غير العرب عبروا مرة أخرى عن انفتاحهم وتقبلهم للآخر وأنهم باتوا ينظرون ليس إلى عرق وخلفـية المرشَّح الإثنية، بل إلى مؤهلاته العلمية وسعة خبرته ليقوم بالدور المطلوب لخدمة المدينة وسكانها.
اما بالمقابل فيبدو أن جاليتنا مازالت عالقة فـي الماضي، فـي منطقة الحماية العرقية المتقوقعة على نفسها، حيث نقوم إجمالاً بالتصويت، والى حدٍ كبير، لأي عربي على لائحة الإقتراع دون النظر الى مؤهلاته مقارنة مع غيره من غير العرب الذين يستحقون اصواتنا لأنهم الأكفأ فـي إدارة شؤون الناس. فعلى سبيل المثال لا الحصر، مرشح مجلس ديربورن التربوي أحمد هرهرة الذي حصل على ١٦١٨ صوتاً من دون تنظيم أي حملة أو الظهور فـي أي منتدى أو مناسبة انتخابية، أو طرح برنامج إنتخابي.
وقد يكون السيد هرهرة إنسان طيب ومناسب على الصعيد الشخصي وقد يكون أنسب المرشحين لهذا المنصب، لكنه غير معروف على الإطلاق. غير أن الأصوات التي حصل عليها فـي أقلام إقتراع شرق ديربورن،التي أدتبه إلى الفوز جاءت نتيجة «التصويت العرقي» من قبل العرب الأميركيين.
فالتصويت العرقي خاطئ سواء قام به العرب أو غير العرب. القادة والنشطاء فـي هذ الجالية أمضوا السنوات العشرين الماضية فـي إقناع ناخبي ديربورن وديربورن هايتس للإدلاء بأصواتهم للعرب والمسلمين المؤهلين. فلا ينبغي لنا ممارسة ما حاربناه ووقفنا ضده فـي الماضي من خلال التصويت اليوم فقط للعرب، بغض النظر عن مؤهلاتهم.
على نفس المنوال، يجب أن يفكر العرب الأميركيون ملياً قبل القفز إلى سباقات سياسية فقط من أجل طرح أسمائهم او الترشيح للشهرة السريعة. ففي حين أن هذا بلد حر، وليس لأحد الحق فـي أن يملي على الناس ترشحهم للمناصب العامة أو عدمه، لكن عندما يقرر أي شخص ان يضع إسمه على ورقة الإقتراع، فإنَّ هذا الترشيح تترتب عليه مسؤولية كبيرة.
المرشح لأي منصب، إذا كان عربياً فإنه سيتحول تلقائياً إلى وجه وممثل للجالية برمتها. وإذا لم يكن الشخص المرشَّح مؤهلاً أو اذا أدار حملة سيئة التنظيم ساذجة الأهداف، فإنَّ كل ذلك سوف ينعكس سلباً على المرشحين العرب الآخرين. بل أبعد من ذلك، عندما يقوم بعض العرب بالترشح ثم يخسرون لأنهم كانوا غير مستعدين، فإن ذلك قد يثبط عزائم غيرهم من العرب ويفقدهم الأمل فـي الترشح والفوز. هذا لا يعني أن على الناس الترشح فقط عندما يبدو ان الفوز ممكناً، ولكن ينبغي أن يعدوا العدة جيداً لحملتهم ويكونوا مهيئين للمنصب الذي يسعون اليه.
وبطبيعة الحال، إذا كان الناخبون فـي الجالية لا يقبلون على الاقتراع بأعداد كبيرة فسيخسر العرب الأميركيون المؤهلون، بالرغم من تنظيم حملات ذات مهنية واحترافـية عالية. وهذا ما حدث مع غنوة كركبا فـي ديربورن وزينب حسين فـي ديربورن هايتس. ويمكن أن تُعزى خسارة غنوة أيضاً إلى تشتت الأصوات العربية بين أربعة مرشحين على ثلاثة مقاعد، وهو عامل آخر يجب أن نأخذه فـي الإعتبار عندما تقدم الجالية مرشحين أكثر من المقاعد المتاحة.
وبناء على التحليل الديموغرافـي لدينا من الدوائر الانتخابية، تقدر «صدى الوطن» أن نحو ٢٥ بالمئة من الناخبين العرب الأميركيين المسجَّلِين فـي ديربورن صوتوا يوم ٤ نوفمبر.
وفـي الانتخابات التي تؤثر مباشرة على مدارسنا ومستقبلنا ومستقبل أجيالنا، هذا العدد اقل ما يقال فـيه أنه مخجل بل معيب، خصوصاً أن الإقبال الوطني يوم الثلاثاء كان بنسبة ٣٤ فـي المئة. وكجالية عربية أميركية وإسلامية تقع تحت المجهر الأمني والتجسسي ولوائح الإرهاب وحظر الطيران والتدقيق والتحقيق المستمر وتعاني من التنميط العنصري وانتهاكات الحقوق المدنية والهجمات الإعلامية، لدينا الكثير على المحك فـي كل إنتخابات تجري. فأقل الواجب هو أن نكون قدوة فـي ممارسة حقنا الطبيعي وتحمل مسؤولية المشاركة فـي التصويت وصنع المصير. لكن ان تكون نسبة الإقبال لدينا منخفضة ٩ نقاط مئوية عن نسبة المشاركة الوطنية، التي هي لتوها منخفضة، أمرٌ لم يعد مقبولاً.
وكان آخر سباق مثير للإهتمام يوم الثلاثاء حملة قاضي المحكمة التاسعة عشر فـي ديربورن. حيث نافس المحامي طوني غوريرو، القاضي الحالي مارك سومرز. وقد تميزت هذه الحملة بالسلبية والتشهير من قبل المعسكرين.
فـي السباق القضائي عادةً ينبغي أن يمتنع المرشحون عن المشاحنات الشخصية للحفاظ على نزاهة المحكمة والعاملين فيها. القضاة هم بمثابة خدام لمفهوم العدالة المقدس. لكن الهجمات المتراشقة الصادرة بغرض إشباع النزوات الفردية فـي هذا السباق تتناقض مع المثل العليا لنظام العدالة. وبغض النظر عما إذا كان المرشحان أنفسهما أو أنصارهما هم المسؤولون عن تلك الهجمات، لكننا نحن نعترض بشدة على أساليبهم الفظة هذه.
وكان أكثر الأدوار بروزاً فـي السباق القضائي دور رئيس بلدية ديربورن جاك أورايلي، ليس فقط من خلال تراجعه عن سومرز بعد دعمه فـي الماضي، بل من خلال تزعمه لحملة غوريرو عن طريق إرسال رسالتين إلى الناخبين مباشرة يهاجم فـيها بعنف غير مسبوق، القاضي الحالي. ولا شك ان فوز سومرز يمثِّل انتكاسة واضحة للنفوذ الإنتخابي لرئيس البلدية، الذي يتعرَّض لتوِّه للإنتقاد حول قضايا متعددة، ليس أقلها الإنتقال المُكلِف لمكاتب البلدية من مبناها التاريخي.
وتشير الأرقام إلى تفوق طفـيف لسومرز -(فاز بفارق ٨٥ صوتاً فقط) وذلك بسبب الدعم الكبير له فـي الجالية العربية خصوصاً بعد تأييد اللجنة العربية الأميركية للعمل السياسي «أيباك» له.
كما لا شك بأن «أيباك» أصبحت مفتاح الفوز فـي الإنتخابات بشكل عام فـي المدينة ولا سيما سباقات قضاة المحكمة فـي ديربورن، وخاصة عندما يكون السباق متقارباً. ففـي ثلاثة إنتخابات حامية سابقة، فاز كل المرشحين الذين دعمتهم «أيباك» وأحيانا بهوامش ضئيلة (ريتشارد وايغونياك فـي عام ٢٠٠٦ ومارك سومرز فـي عام ٢٠٠٨).
هذا يثبت ليس فقط أهمية دعم «أيباك» و«صدى الوطن»، بل يسلط الضوء أيضاً على الحاجة إلى الإقبال العالي على الإقتراع فـي هذه الجالية، وخصوصا عندما يتعلق الأمر بالسباقات المحلية، وليس فقط فـي الانتخابات الرئاسية.
أخيرا، كانت هذه الانتخابات هي الأولى من نوعها التي قامت خلالها «أيباك» فـي ديربورن ببناء تحالف واسع يشمل النقابات والجماعات الأخرى لضمان أن المرشحين المدعومين من قبلها يتمتعون بدعم واسع على نطاق المدينة. وهذا تجلى بوضوح بالنصر الحاسم فـي سباق مجلس ديربورن التربوي.
نأمل أنْ تكون الوحدة والعمل الجماعي بين كل قطاعات المدينة نقطة انطلاق للسباقات السياسية المستقبلية، وخصوصا عندما تطرح جاليتنا مرشحين مؤهلين وتخرج للتصويت بأعداد كبيرة.
Leave a Reply