خليل إسماعيل رمَّال
وهكذا جرت الإنتخابات نصف السنوية فـي أميركا فـي نفس الوقت الذي أُلغيت فـيه الإنتخابات النيابية فـي لبنان، «بلا قياس وتشبيه مع العالم الراقي»، عندما مدَّد نواب بلد خيال الصحرا لأنفسهم فـي جلسة عار وذُل وسَلب لإرادة وأصوات الناخبين الذين اعتراهم الخمول إلى درجة تطبيق مقولة زياد الرحباني فـي مسرحية «فـيلم أميركي طويل» عندما قال أحد مجانين (عقلاء) المصح العقلي الذي يرمز إلى «شبه الوطن»: الشعب «عم يستغل الزعما والزعما معتَّرين»! طبعاً، هؤلاء «الزعما» معتَّرون لانهم لم يسرقوا حلم ولحم ودم ومستقبل الشعب اللبناني بالكامل بعد! غاية هدا المقال ليس الحديث عن البلد السايب المدَّعي أن نظامه ديمقراطي برلماني لكنَّ تبيَّن بالدليل أنه أكثر الأنظمة رجعيةً وتخلُّفاً وقبلية وفوضى وارتزاقاً تابعاً للخارج بلا مواطنية ولا إحساس بالمسؤولية وبالانتماء إلى وطن مستقل عزيز الجانب يحمي أبناءه، حتى إذا حضرت أسباب منعته وكرامته عبر مقاومة عظيمة، نبتت لها «الفتافـيت» المرجعيونية و«الجعجعة التآمرية من دون طحين».
اكتسح الحزب الجمهوري مقاعد الكونغرس بشقيه مجلس النوَّاب والشيوخ وتحول بين ليلةٍ وضحاها الى أكثرية تشريعية بعد انتظار ٦ سنوات «من دون ضربة كف أو جلب المغتربين للتصويت كما يحدث فـي لبنان»، مما قد يؤدي إلى المزيد من التعقيد فـي علاقة الجهاز التنفـيذي مع التشريعي وقد يضع البلد كله على كف حكم «البطة العرجاء» (ليم ضاك)، لمدة سنتين متبقيتين من إدارة باراك أوباما. هذه الملاحظات هي على الهامش:
١- الفوز الجمهوري المُدوِّي الأحمر «وللمفارقة هو لون الشيوعية»، كان نتيجة الغضب من الرئيس الأميركي حيث أعرب ٥٩٪ من الأميركيين فـي استطلاع للرأي بأنهم غير راضين عن أداء أوباما وذلك عائدٌ بالدرجة الأولى إلى الماكينة الجمهورية التي «شيطنَتْه» بسبب التأمين الصحي الذي سُمي «أوباما كير» وبسبب فرضه ضرائب على الأغنياء، وصوَّرتْه بأنه عاجز ومتردِّد فـي السياسة الخارجية. هذا لا يعني أنَّ أوباما لم يساعد الماكينة السياسية الإعلامية الجمهورية من خلال أخطائه وتناقضاته وفرصه الضائعة إلى درجة أنَّ حتى الليبراليين فـي حزبه الديمقراطي لم يكونوا راضين عنه تماماً.
٢- نفس الناخبين الغاضبين من أوباما، كانوا أكثر مقتاً لأعضاء الكونغرس بسبب القوانين العقيمة وقلة إنتاجهم «ويحهم كيف لو رأوا إنتاج نواب لبنان«؟! وتسببهم بالوصول إلى الطريق المسدود «deadlocked». فقد أعرب ٦٠٪ فـي نفس الإستطلاع عن عدم رضاهم عن الكونغرس لكن الديمقراطيين أكلوا الضرب لأنهم فـي السلطة والجمهوريون كانوا أقلية وعادةً القاعدة تقول أنه فـي هكذا إنتخابات نصفـية يحِّل الغضب الساطع على من هم فـي الحكم «باستثناء لبنان طبعاً حيث لا يهم ماذا يفعل الحكَّام والمسؤولون».
٣- على صعيد ميشيغن كَسح الحمر مجلس النوَّاب فـي الولاية والحاكمية ووزارة العدل لكن مقاعد مجلس الشيوخ والنواب الاميركي بقيت فـي يد الديمقراطيين الزرق. وفاز معظم المدعومين من قبل لجنة العمل السياسي العربي الأميركي «أيباك» و«صدى الوطن» اللتين قامتا بجهودٍ جبَّارة من أجل تشجيع الناخبين العرب على الإقبال على التصويت فـي الإنتخابات التي أصبح المتردِّدون فـيها بيضة القبَّان. كذلك لوحظ حراكٌ ما للناخبين العرب أفضل هذه المرَّة من الإنتخابات التمهيدية فـي الصيف الماضي والفوز المهم كان لمريم بزي والدكتور ميد فـي مجلس التربية فـي ديربورن ولكن لم يحالف الحظ غنوة كركبا. وهنا وقفة «مع الإعلان»، لماذا حازت بزي على المرتبة الأولى بسبب اتكالها، حسب كلامها، على ناخبي غرب ديربورن ولم نتمكَّن نحن من إيصال كركبا وزينب حسين فـي ديربورن هايتس؟ وهل النجاح لا يتحقق إلا بأصوات غير العرب ودعم ماكينة أورايلي والتي ساهمت بفوز سوزان دباجة سابقاً لتصبح أول رئيس للمجلس البلدي فـي ديربورن بعد دعم أورايلي لها ولمايك سرعيني، بينما لم ينجح المحامي المؤهل طارق بيضون بسبب عدم دعم رئاسة البلدية له ؟!
٤-هناك أمل فـي الإجابة عن السؤال السابق من خلال فوز القاضي مارك سومرز بفارق ٨٥ صوتاً فقط على خصمه المدعوم بشكلٍ كامل من ماكينة غيدو-أورايلي المرعبة مما شكَّل أول هزيمة لها فـي تاريخها ومما يستدعي تغييراً فـي قمة الهرم حيث أنَّ اداء رئيس البلدية جاك أورايلي الأخير، خصوصاً بعد الكارثة الطبيعية التي ضربت المدينة، لم يكن بالمستوى المطلوب. أنه يفقد صفاته القيادية وإعادة انتخابه المستمر هو بسبب إسمه الأخير ولأن والده كان المايور قبله «يا ما أحلى الإقطاع الأسعدي»!
٥- هذه النتائج تعني أنَّ الصوت العربي ما زال مقصِّراً والدليل على ذلك فوز سنايدر بفارق ٤ نقاط مئوية، وغيره من الجمهوريين الذين حصدوا الأصوات بسبب عدم وجود أصواتٍ عربية أميركية كافـية تضع بثقلها فـي الميزان مع وجود مأساة مزمنة هي أنَّ نسبة الإقبال على التصويت فـي غرب ديربورن هي دائماً أعلى منها فـي شرقها حيث معقل جاليتنا ومربط خيلنا. ثم ما هذه الحجة حول الطقس الماطر الذي لم يمنع الجماهير الغفـيرة من حضور مجالس عاشوراء وهو واجب ديني يُؤجرون عليه؟ إلا يدعو الدين الى التدبر ونظم أمرنا وأخذ ناصية مستقبلنا بيدنا؟ وهل قام علماؤنا الأجلاء بدعوة الجماهير الحاشدة لاغتنام الفرصة وممارسة حق الانتخاب والمشاركة فـي صنع القرار؟!
يجب إجراء مراجعة نقدية شاملة يشارك فـيها كل الناس فـي الجالية العربية، من كل الطوائف والأعراق، من أجل العمل بجد على الاستفادة من تجارب الماضي ليصبح للصوت العربي الاسلامي صدى ونفوذ فـي شرق ديربورن وباقي الأجزاء، وإلا سنبقى بدون فعالية مثل نواب «البطة العرجاء» فـي لبنان المُمدِّدين للفراغ!
Leave a Reply