نبيل هيثم
تأجيل وليس حسماً..
عبارة تكاد تلخص ما انتهى اليه اجتماعان، احدهما عقد فـي الرياض لمعالجة توتر سعودي- قطري كان يفجر «مجلس التعاون الخليجي»، وآخر ماراثوني عقد فـي فـيينا بهدف التوصل الى حل للملف النووي الايراني قبل انتهاء مهلة التفاوض المتفق عليها بين طهران ومجموعة «5+1» فـي الرابع والعشرين من تشرين الثاني العام 2014.
أمير الكويت قاد جهود الوساطة لرأب الخلافات الخليجية |
وبعيدا عن الاجواء الايجابية التي سعى الاعلام الخليجي للترويج اليها بعد قمة الرياض، التي بدت اقرب الى مجلس صلح قبلي شكلاً ومضموناً، فإن من السذاجة القول ان القبلة الشهيرة بين الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز وامير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني كافـية لتبديد الخلافات التاريخية بين مملكة آل سعود وامارة آل خليفة التي يسعى كل منها الى الزعامة الاقليمية بنفوذ البترودولار، والتي تقاطعت عندها ملفات اقليمية شائكة ومعقدة وخطيرة، تبدأ بسوريا ولا تنتهي عند مصر وليبيا.
وتعود جذور الخلافات بين قطر والسعودية منذ بداية القرن العشرين عندما طالبت السعودية بضم قطر لها باعتبارها جزءاً من إقليم الأحساء. ولم يكن الاعتراف السعودي بحدود قطر، والذي حصل بضغط من البريطانيين، كافـياً لاعتراف المملكة الضخمة بالامارة الصغيرة، فـيما جاء تفجر الذهب الأسود فـي قطر ليجدد النزاع حول أحقية قطر بالتنقيب عن النفط والغاز، برغم توقيع اتفاق ترسيم الحدود فـي العام 1965.
وعشية ما بات يعرف بـ «الربيع العربي»، كان واضحاً ان الصراع السعودي-القطري قد تحوّل الى صراع على النفوذ والهيمنة الاقليميتين، فالسعودية كانت ولا تزال غير مستعدة لأن تتقاسم الريادة سواء فـي قيادة مجلس التعاون الخليجي، او فـي ادارة التوازنات السياسية فـي الوطن العربي، وهو ما لم تعد ترتضيه الدوحة، التي تحولت من دولة على الهامش فـي جميع القرارات الإقليمية والعربية، الى لاعب محوري، فـي مسار بدأ منذ اكثر من خمسة عشر عاماً، حين منحت الامارة النفطية اراضيها للقوات الأميركية لاقامة قاعدة عسكرية كمساهمة لوجستية لحرب العراق (2003)، وبعدها حين قامت بدور الوسيط بين فتح وحماس فـي فلسطين (غداة انهيار اتفاق مكة)، وبين قوى 8 آذار و14 آذار فـي لبنان، وهو ما لم يرق للسعودية التي وجدت نفسها عاجزة عن الحفاظ على دورها الريادي.
وكان واضحاً ان الصراع بين المملكة والامارة قد بلغ ذروته فـي مرحلة «الربيع العربي»، من تونس مرورا بمصر وليبيا واليمن، وبالطبع سوريا. وهو صراع اتخذ منحى خطيراً بعد دعم السعودية للنظام المصري الذي ولد من رحم «ثورة 30 يونيو» التي اسقطت نظام «الاخوان المسلمين» المدعوم قطرياً، وقبلها من خلال الحرب بالوكالة التي جرت بين الطرفـين فـي ليبيا (الحرب المفتوحة بين قوات خليفة حفتر المدعوم مصرياً وسعودياً واماراتياً والميليشيات الاسلامية المدعومة قطرياً)، وفـي الصراع الدائر بين الاسلاميين انفسهم فـي سوريا «الفتنة الجهادية» بين «داعش» من جهة وباقي الفصائل الإسلامية المسلحة من جهة ثانية.
وفـي خضم «الحروب بالوكالة» تلك، كانت المواجهة المباشرة بين الرياض والدوحة، والتي تمثلت فـي سحب البحرين والامارات والسعودية سفرائها من قطر، وتلويح دول مجلس التعاون بعقوبات حادة على الامارة النفطية.
واذا كانت «قبلة المصالحة» بين تميم وعبد الله، وما تضمنه البيان الختامي لقمة الرياض الاخيرة من تعابير عن «مشاعر الاخوة»، فإنه من الصعب القول ان اللقاء الخليجي قد افضى الى طي صفحة سوداء وفتح اخرى بيضاء فـي سجل العلاقات الخليجية، خصوصاً ان الهواجس المتبادلة تبقى قائمة. ولعل الطرفين سيسعيان خلال الفترة المقبلة الى اختبارات متبادلة لفحص مدى ثبات التوافق الذي تمخضت عنه قمة الرياض، وان كان ثمة قناعة لدى المراقبين فـي ان التسوية الخليجية مؤقتة، وفرضتها اعتبارات عدة ابرزها الحرب الاميركية على «داعش»، والمحاولات الحثيثة للتوصل الى اتفاق نووي بين ايران والغربيين.
وكان واضحاً ان مصر ستكون الاختبار الاول للتوافق الخليجي، وهو ما عكسه البيان الاخير الذي اصدره الديوان الملكي السعودي، والذي نقل عن الملك عبد الله «مناشدته» مصر المساهمة فـي تحقيق المصالحة الخليجية. واذا كان الرد المصري على الرسالة السعودية قد اتسم بايجابية متوقعة، الا ان ما رشح عن القيادة المصرية فـي هذا الشأن يمكن اختصاره بعبارة «الكرة فـي ملعب قطر.. فلننتظر مبادراتها».
ومن المؤكد ان الاختبارات المتبادلة تلك ستكون لها تداعيات، بعضها ايجابي وآخر سلبي. ومن المرجح، فـي هذا الإطار، ان تكون ملفات أخرى من سوريا ولبنان وصولاً الى ليبيا واليمن نقاط اختبار متبادلة بين قطر والسعودية… وفـي هذا الاختبار لا شك فـي أن «شيطان التفاصيل» سيفرض ايقاعه على مسيرة المصالحة التي ستبقى متأرجحة بين النجاح والفشل.
وفـي هذا فإن الملف الخليجي، بما يحويه من تعقيدات وتداعيات اقليمية ودولية، يبقى معلقاً على «شيطان التفاصيل هذا». واذا كان ما قيل فـي الرياض عن المصالحة لم يعكس واقع الامور، فإنّ ماراثون فـيينا بين ايران ودول «5+1» كان اكثر وضوحاً، بعدما قرر فريقا التفاوض تمديد المهلة النهائية للاتفاق النووي الشامل حتى حزيران العام 2015.
ويحمل اتفاق إيران والغرب حيال تمديد فترة التفاوض مؤشراً شديد الأهمية حول القضايا العالقة فى المنطقة، وعلى رأسها ملفاً العراق وسوريا.
واذا كانت صفقة المفاعلات النووية التى أقرتها موسكو وطهران قبل أيام غيرت من حسابات القوى الكبرى حيال ايران، فإن التأجيل يأتى فى إطار صفقة غربية جديدة، او على الاقل تجميد الاشتباك معها الى حين حل القضايا الشائكة فـي المنطقة، ولا سيما فـي ما يتعلق بـ «التحالف الدولي» ضد «داعش».
ويبدو واضحاً فـي ظل تشابك الملفات ان اتفاق ايران ومجموعة دول «5+1» على تمديد المفاوضات النووية يصب فى مصلحة الطرفـين، اذ من شأنه إرجاء حسم قضايا عالقة تعاني منها منطقة الشرق الأوسط، وخصوصا فـي ما يتعلق بسوريا، حيث يبرز الخلاف واضحاً بشأن مشاركة إيران فـي «التحالف الدولي»، فضلا على الموقف من الأزمة السورية، وتعامل المجتمع الدولى مع الرئيس بشار الأسد.
وجاء تأجيل الاتفاق مفاجئا، خصوصاً انه خالف كل التوقعات بأن يحسم الجانبان النزاع حول الملف النووي ووضع إيران الإقليمى من الحرب ضد الإرهاب، ولكن على ما يبدو فإنّ صفقة المفاعلات النووية التي ابرمتها موسكو وطهران، وذلك بعد يوم واحد من تعثر اللقاء الثلاثي الذي جمع وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف ووزير الخارجية الاميركي جون كيري ومسؤولة العلاقات الخارجية السابقة فـي الاتحاد الاوروبي كاثرين آشتون فـي مسقط قد غيّر من حسابات القوى الكبرى، كما جعلت بعض الأطراف أكثر تشددا حيال التوصل إلى تسوية شاملة، ويمكن القول إن المندوب الفرنسي لعب دورا كبيرا فى هذا المجال.
وفـي العموم، فإن إيران خرجت بمكسب كبير من اتفاق التأجيل هذا، وهو الإفراج عن حوالي خمسة مليارات يورو من أرصدتها المجمدة فى مصارف أوروبا، وهو رقم جيد يمكنه إنعاش الاقتصاد الإيرانى فى تلك الفترة، اقله الى حين انتهاء المهلة الجديدة للتفاوض فـي حزيران العام 2015، كما انها وفرت معركة شرسة كان ينتظرها الرئيس الاميركي باراك اوباما فـي الكونغرس لتمرير الاتفاق النووي، بعد سيطرة معارضيه الجمهوريين على مجلس الشيوخ.
ويبدو كذلك ان تمديد المفاوضات قد جاء لكسب المزيد من الوقت، وذلك لإعطاء فرصة لتوازنات جديدة خارج دائرة الملف النووي. وكما هي الحال بالنسبة إلى ملف المصالحة الخليجية، فإن ثمة اختبارات متبادلة فـي ملفات اقليمية متعددة، بدءاً بسوريا والعراق وصولا الى لبنان واليمن ستكون نقاط اختبار اخرى، او على الاصح وسائل ضغط قد يلجأ اليها الفريقان، لتحسين شروط التفاوض النووي فـي ماراثوناته الجديدة، خصوصاً انهما يدركان انهما باتا فـي حاجة الى بعضهما البعض فـي كل تلك الملفات.
نص بيان قمة الرياض
فـي الآتي نص بيان القمة الخليجية الاستثنائية التي عقدت فـي الرياض لحل الخلاف السعودي القطري:
بناء علي دعوة كريمة من خادم الحرمين الشريفـين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية فقد اجتمع يوم الاحد 23/1 / 1436هـ الموافق 16 / 11 / 2014م فـي مدينة الرياض لدى خادم الحرمين الشريفـين ـ حفظه الله ـ صاحب السمو الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح امير دولة الكويت، وصاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين، وصاحب السمو الشيخ تميم بن حمد بن خليفه آل ثاني امير دولة قطر، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الامارات العربية المتحدة ورئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد ابو ظبي نائب القائد الاعلى للقوات المسلحة بدولة الامارات العربية المتحدة ، وذلك لترسيخ روح التعاون الصادق والتاكيد على المصير المشترك وما يتطلع اليه ابناء دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية من لُحمة متينة وتقارب وثيق.
وقد تم التوصل ـ ولله الحمد ـ الى اتفاق الرياض التكميلي والذي يصب – بحول الله – فـي وحدة دول المجلس ومصالحها ومستقبل شعوبها، ويعد ايذاناً بفتح صفحة جديدة ستكون باذن الله مرتكزاً قوياً لدفع مسيرة العمل المشترك والانطلاق بها نحو كيان خليجي قوي ومتماسك خاصة فـي ظل الظروف الدقيقه التي تمر بها المنطقه وتتطلب مضاعفه الجهود والتكاتف لحمايه الامن والاستقرار فـيها.
نقاط الخلاف بين إيران والغرب
فـي الآتي عرض مختصر لنقاط الخلاف الرئيسية بين إيران والولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا والصين بعد تمديد المفاوضات النووية.
– تخصيب اليورانيوم: تعد هذه قضية محورية فـي الأزمة وتعتبر الاكثر صعوبة فـي الحل. تؤكد ايران أنها بحاجة لزيادة قدرتها على تخصيب اليورانيوم لتزويد شبكة لمحطات الطاقة النووية تريد طهران إنشاءها بالوقود بينما تقول القوى الكبرى إن على طهران أن تخفض بشدة أنشطة التخصيب لحرمانها من القدرة على إنتاج قنبلة بسرعة.
ولدى ايران حاليا 19 الف جهاز للطرد المركزي معظمها من جيل «أي.آر1» القديم، ويعمل نحو عشرة آلاف منها لزيادة تركيز نظير اليورانيوم الانشطاري المشع «يو-235».
وتريد القوى خفض العدد الى بضعة آلاف بينما تريد ايران الاحتفاظ بعشرات الآلاف.
– أبحاث وتطوير أجهزة الطرد المركزي: تقول ايران إنها لن تتنازل عن حقها فـي تركيب أجهزة متقدمة لتخصيب اليورانيوم. ويريد الغرب فرض قيود مشددة على تطويرها جيلا جديدا من أجهزة الطرد المركزي لأنها من المحتمل أن تمكنها من تخزين مواد انشطارية بسرعة اكبر لتصنيع قنبلة نووية وأن تختصر الوقت اللازم لإنتاج سلاح نووي.
– مفاعل آراك: فـي ظل إمكانية أن ينتج مفاعل آراك البحثي للماء الثقيل المزمع إنشاؤه البلوتونيوم الذي يمكن استخدامه فـي تصنيع قنابل نووية يريد الغرب إلغاءه او تحويله الى مفاعل للماء الخفـيف ما يقلل من احتمالات استغلاله فـي إنتاج مواد صالحة للاستخدام فـي الأسلحة. وتقول ايران إن المفاعل لن ينتج الا النظائر المشعة التي تستخدم فـي أغراض طبية وزراعية واستبعدت إغلاقه.
– تحقيق الامم المتحدة فـي أنشطة تتصل بانتاج قنابل نووية: يقول مسؤولون غربيون إنه يتعين على إيران – فـي إطار اي اتفاق أشمل مع القوى الغربية -ان تتعاون مع تحقيق تجريه الامم المتحدة ومعطل منذ مدة طويلة بشأن الشكوك فـي ان إيران عملت على تصميم رأس نووي وهو اتهام تنفـيه الجمهورية الإسلامية. وعرضت إيران العمل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية لدحض هذه المزاعم لكن التقدم حتى الآن لا يزال محدودا.
– العقوبات: يعد الجدول الزمني ونطاق رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة وقوى غربية على إيران على مدى السنوات الثماني الماضية أحد أكثر القضايا تعقيدا وإثارة للجدل. وتريد إيران رفع الاجراءات العقابية فـي أقرب وقت ممكن. أضرت العقوبات بشدة باقتصاد طهران المعتمد على النفط والتي تم تشديدها تدريجيا منذ صدور أول قرار من مجلس الأمن الدولي فـي العام 2006 وإن كانت تقبلت على ما يبدو أن أي تخفـيف للعقوبات لن يحدث إلا على مراحل تتزامن مع إيفائها بالتزاماتها بموجب اي اتفاق نووي. ورغم أن الرئيس الأميركي باراك أوباما يستطيع ان يعلق بعض العقوبات دون الحاجة لموافقة الكونغرس فان المشرعين المشككين فـي اسلوب تعامله الدبلوماسي مع الجمهورية الإسلامية قد يعقدون تنفـيذ أي اتفاق بأن يرفضوا رفع عقوبات أخرى.
– الصواريخ الباليستية: تقول الولايات المتحدة إنه يتعين التعامل مع هذه القضية فـي إطار اتفاق أوسع.
وتتعامل إيران مع هذه الأسلحة باعتبارها رادعا مهما وقوة رد ضد الولايات المتحدة وحلفائها وخصوصاً اسرائيل، وتصر على أن صواريخها جزء من قواتها المسلحة التقليدية المشروعة وترفض مناقشة فرض قيود على برنامجها للاسلحة خلال محادثات فـيينا.
– مدة الاتفاق: من القضايا الشائكة الأخرى التي لا تزال وجهات النظر فـيها متباعدة للغاية. وتريد الدول الغربية أن تكون مدة أي اتفاق 20 سنة، فـيما وتقول طهران انها مستعدة للقبول بخمس سنوات قبل معاملتها مثل أي عضو موقع على معاهدة حظر الانتشار النووي والتي تتيح للدول التي لا تملك أسلحة نووية حق انتاج الطاقة النووية للأغراض المدنية.
Leave a Reply