خليل رمال وعلي حرب
عقب مأساة «فـيرغسون» فـي ولاية ميزوري حيث لم تهدأ بعد الاضطرابات العنصرية هناك، أعاد التاريخ نفسه فـي نيويورك، بالتحديد فـي مدينة «ستاتن ايلاند»، فقد عمَّت نيويورك موجات غضب واحتجاجات، تماماً على شاكلة «فـيرغسون»، بعد قرار «هيئة المحلفـين الكبرى» بعدم توجيه الإدانة للشرطي دانيال بانتاليو الذي طوَّق عنق مواطن أسود إسمه أيريك غارنر فـي محاولة لإعتقاله، مما أدى إلى اختناقه. وصوَّر الحادث صديق القتيل بواسطة هاتفه الجوَّال حيث ظهر فـي الفـيديو الضحية وهو يقول للشرطي عدة مرات إنه غير قادر على التنفس لكن الشرطي لم يرخّ القبضته عن رقبته إلى أنْ سقط على الارض جثةً هامدة.
وقبل قرار «هيئة المحلفـين الكبرى» فـي قضية غارنر، كان الحديث المستَهْلَك يتمحور حول إطلاق النار من قبل الشرطي الأبيض دارين ويلسون على شاب أسود هو مايكل براون فـي مدينة «فـيرغسون» بولاية ميزوري. هناك كذلك أدى قرار« هيئة المحلفـين الكبرى» بعدم توجيه الإتهام للشرطي ويلسون، للقيام باحتجاجات غاضبة وحوادث عنف وشغب فـي عدد من المدن والولايات الأميركية. وقد عجَّت وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي وفاضت بالحديث عن قضايا العرق ووحشية الشرطة وإنفاذ القانون فـي جميع أنحاء البلاد. وأحدثت العملية انقساماً وشرخاً بين أوساط الشعب الاميركي. ففـي حين صفق المحافظون لقرار «هيئة المحلفـين الكبرى» فـي «فـيرغسون» أدان الليبراليون عموماً قرارات الهيئة ووحشية الشرطي ويلسون. ولم يشذ العرب الأميركيون عن مواطنيهم من حيث الإنقسام الشديد فـي الرأي حول هذه القضية اذا حكمنا على ذلك من خلال مراقبة وسائل التواصل الإجتماعي.
الشرطي ويلسون، أدعى أن براون حاول سحب سلاح خلال شجار فـي سيارة الشرطة، ثم هجم عليه خارج السيارة. وقال ويلسون انه كان يخشى على حياته فقتل الشاب الذي هو من أصل أفريقي والبالغ من العمر ١٨ عاماً. لكن رواية الشاهد دوريان جونسون، الذي كان يسير مع براون قبل الحادثة المشؤومة اختلفت عن رواية الشرطي ويلسون حيث يروي أن المراهق القتيل كان فـي وضع استسلامي للشرطي وهو ويقول له «ليس لدي مسدس» عندما تم إطلاق النار عليه.
وكان براون قد قام بسرقة كمية من السيكار من متجر قريب قبل المواجهة المصيرية مع ويلسون.
وقالت المحامية الكلدانية الأميركية نازك غابي انها من كل قلبها تعتقد أن ويلسون كان عنده ما يبرره فـي إطلاق النار على براون. وأضافت أنه «تم إيلاء الحادث اهتماماً كبيراً جداً من وسائل الإعلام، التي تسيطر عليها قوى أكبر بكثير، لا تزال تسلط الضوء على هذا الوضع المؤسف ليأخذ من القضايا الكبرى. ما حدث فـي «فـيرغسون» رغم أهميته فان قضايا أخرى أكثر أهمية اليوم لا تجد لها اهتماماً يذكر فـي وسائل الإعلام. فهنالك نساء وأطفال يتعرضون للإغتصاب والقتل والبيع فـي أسواق الرق الجنسي فـي العراق».
وتابعت «يجب أن يقف الأميركيون العرب والكلدان مع أترابهم من الأقليات العرقية الأخرى، ولكن ليس فـي هذه الحالة الخاصة. إنَّ الناس الذين يريدون العدالة يضرون أنفسهم من خلال أعمال الشغب والعنف، والدروس التي بحاجة إلى أن نتعلمها من ذلك هي أننا عندما لا نوافق على أمرٍ ما، يجب أن نأخذ زمام المبادرة فـي العمل من خلال وسيلة فعالة لمواصلة النقاش الهادئ من دون عنف». وقال عامر زهر، الكاتب والممثل الكوميدي، إن اتهام المتظاهرين بأعمال الشغب والعنف لتبرير ما فعله الشرطي ويلسون يجعل من المستحيل إجراء محادثة بناءة حول هذه القضية.
وأردف زهر «أحداث «فـيرغسون» أعادت تسليط الضوء على مشكلة العنصرية فـي الولايات المتحدة».
وأضاف «كما كان فشل هيئة المحلفـين الكبرى بتوجيه الاتهام لدارين ويلسون هو إشارة إلى كل أميركا بأن حياة السود ليست جديرة بالاهتمام كحياة البيض، وهذا هو السبب الذي جعل الناس يستاؤون، ليس لأن مايكل براون كان ملاكاً، بل لأن نظام العدالة فشل حتى فـي إجراء محاكمة عادلة. هناك نمط قوي ومثير للقلق وهو العنصرية ضد السود فـي الجالية العربية الأميركية. وهؤلاء العنصريون ليسوا مجموعة هامشية، فمن المؤسف حقاً ان العنصرية تنخر فـي مجتمعنا».
ووفقاً لزهر ان الكثير من العرب الأميركيين يعتبرون أنفسهم من البيض وليسوا جزءاً من الشعوب الملونة.
وانتقد زهر العرب الأميركيين الذين يبررون قتل براون. وقال «هناك اشخاص فـي هذه الجالية يتملَّقون للسلطة البيضاء والتفوق العرقي الأبيض. إنهم يجترون الأشياء التي يسمعونها على «فوكس نيوز» ووكالات إنفاذ القانون، وهذا ليس نقاءً فكرياً عندما تتقرب إلى السلطة البيضاء، للأسف يُترجم هذا التوجه بأنه توجه عنصري ضد السود». وأضاف زهر «أن عامل العرق لا يمكن استبعاده من حوادث عنف الشرطة ضد الشبان السود. ان المجتمع الأسود موحد فـي النظرة إلى الأحداث فـي «فـيرغسون» كقضية أميركية أفريقية بنفس الطريقة التي كان فـيها المسلمون متحدين فـي معارضة الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي محمَّد».
وقال «عندما تقول ان هذا الذي يجري ليس بسبب العرق، كأنك تقول للأميركيين من أصل أفريقي أنكم جميعاً على خطأ. والأمر نفسه ينسحب على تجربة المسلمين. عندما تقول للمسلمين لا ينبغي أن تشعروا بالإهانة من الرسوم المتحركة المسيئة لرسول الله. أنت تقول ان الطريقة التي يشعرون بها حيال دينهم ليست مهمة».
وختم زهر «أن العنصرية لا تزال تلعب دوراً رئيسياً فـي طريقة تعامل الشرطة مع الناس. اسأل نفسك، إذا كان نفس الشيء قد حدث وكان مايكل براون أبيضاً، هل كان سيُطلق عليه النار؟ إذا ترددت بالإجابة، تكون القضية إذاً عرقية. كيف يمكن أن نناضل من أجل العدالة فـي فلسطين ونقف مكتوفـي الأيدي من أجل العدالة فـي أميركا؟ هذا النفاق بحد ذاته».
إلا أن رمزي الياس، وهو طالب فـي كلية «هنري فورد»، أنحى باللائمة على وسائل الاعلام بسبب المغالاة فـي الجانب العنصري فـي حادث إطلاق النار. وقال «وسائل الإعلام هي المسؤولة أولاً عن خلق هذه المسألة العرقية. كان لدى الشرطي دارين ويلسون كل الحق فـي الدفاع عن نفسه، وأنا لا أعتقد أنه أطلق النار على براون لمجرد أنه كان أسوداً. وحقيقة الأمر أن القضية لم تفضِ حتى إلى المحاكمة، لهو تعبير عن ان الأدلة تدعم شهادة ويلسون. أقول قولي هذا، وأنا لا أفهم لماذا أصيب براون بست طلقات. ألم تكن رصاصة واحدة تكفـي لإيقافه»؟
وقارن بعض النشطاء العرب الأميركيين الوضع فـي الأحياء الأميركية الأفريقية بالظلم فـي الشرق الأوسط. وفـي شهر تشرين اول (أكتوبر) الماضي، شكلت مجموعة من المتظاهرين «فرقة فلسطين» التي شاركت فـي الاحتجاجات فـي «فـيرغسون» و«سانت لويس» مطالبةً بالمساءلة والمحاسبة عن قتل براون.
جون، وهو مهندس فلسطيني أميركي فضّل عدم نشر اسمه الكامل بل الاسم الأول فقط، رفض التشبيه بين العالم العربي و«فـيرغسون». وقال ان «القضايا فـي فلسطين والعراق هي مذهبية وسياسية اما القضية فـي «فـيرغسون» فتنطوي على مجرم فـي الشارع- قاطع طريق، اعتدى جسدياً على صاحب متجر، وكان يعبربشكل عشوائي وسط الشارع الرئيسي ثم هاجم عناصر الشرطة. فـي فلسطين هناك جيش يحتل بشكل غير قانوني أراضي الآخرين اما فـي «فـيرغسون» فالمشكلة جنائية».
وأضاف أنه إذا كنت «لا تحترم القانون هناك عواقب لذلك، لكن العنصرية لا تزال موجودة فـي الولايات المتحدة» مؤكداً انه عانى من ذلك على المستوى الشخصي.
واستطرد جون أن «من الغباء بالنسبة للعرب الأميركيين أنْ يدعموا المتظاهرين فـي «فـيرغسون» لأن ذلك يضع جاليتنا فـي موقع محرج. ويجب علينا الوقوف إلى جانب مبادئنا والاعتراف بسلطة القانون. أصحاب المحلات العرب فـي مدينة ديترويت يقتلون من أجل١٠ أو ٢٠ دولاراً فـي بعض الأحيان». ووصفت الناشطة فـي الجالية، زينة عزير، قرار «هيئة المحلفـين الكبرى» بعدم توجيه الاتهام إلى ويلسون بأنه «مؤسف ومخيب للآمال وأي شخص يدافع عن هذا يعتبر أمر مثير للسخرية».
وقالت عزير، التي اعتقلت أثناء مشاركتها فـي الاحتجاج للمطالبة بتحقيق العدالة لبراون فـي تشرين أول (أكتوبر) الماضي، «إن العنصرية تحدو بعض العرب الأميركيين لتبرير عمل ويلسون».
وأضافت ان «منطقة ديترويت هي واحدة من أكثر مناطق الفصل العنصري فـي البلاد، والكثير من العنصرية له علاقة بالاقتصاد. هي جزء من وسيلة محاولة العرب للاندماج وكانت ناجحة إلى حد كبير وكان العرب قادرين على الوصول إلى مرحلة الطبقة الوسطى والانتقال إلى الضواحي والتطور العامودي، فـي حين كان الأميركيون الأفارقة غير محظوظين مثلهم».
وأضافت أن العلاقة بين أصحاب المحلات العرب والزبائن السود فـي ديترويت لديها «ديناميات فظيعة. بعض العرب يغنمون من مجتمع السود فـي ديترويت ومع هذا يبقون يشكلون تهديداً فـي نظرهم. وهذا جزء من السبب لماذا يرى البعض من الناس فـي الجالية العربية براون على أنه مجرم، وهو مثير للاشمئزاز تماماً؟ لقد ضايقت الشرطة فـي نيويورك أريك غارنر ثم خنقته حتى الموت لأنه كان يُفترض انه يبيع سجائر بالمفرد لكن معظم محطات الوقود المملوكة من العرب هنا يبيعون سجائر بالمفرد».
ودعت عزير الجالية العربية للتضامن مع الأميركيين الأفارقة والمطالبة بالعدالة لبراون وغارنر. وخلصت إلى القول «يجب أن نعمل معاً من أجل التغيير فـي هذا البلد بدلاً من الاستقطاب وفصل أنفسنا عن قضايانا».
Leave a Reply