علي حرب
وقع الرئيس أوباما الاسبوع الماضي على مرسوم رئاسي من شأنه تجنيب نحو خمسة ملايين من المهاجرين غير الشرعيين خطر الترحيل، والسماح لهم بالعيش والعمل بشكل قانوني فـي الولايات المتحدة لمدة ثلاث سنوات على الأقل. ومع ذلك، فإن المرسوم الرئاسي لا يضمن مساراً قانونياً محدداً للحصول على الجنسية ولن يفرِج عن أزمة ١١ مليون مهاجر غير مصرَّح بإقامتهم فـي البلاد. وأشاد دعاة الهجرة، بالمرسوم الرئاسي وعدُّوه انتصاراً كبيراً لمعسكرهم لكنهم أكدوا أنه مؤقت، محدود وغير مكتمل، وحثوا الكونغرس على تمرير مشروع قانون من شأنه ضمان الإصلاح الشامل لقانون الهجرة الأميركي.
أوباما متحدثاً في لاس فيغاس عن مرسوم الهجرة بعد التوقيع عليه |
المرسوم الرئاسي الذي أصدره أوباما فـي ٢١ تشرين ثاني (نوفمبر) الماضي، يسمح للمهاجرين غير المصرح لهم قانوناً بالبقاء، المتواجدين فـي الولايات المتحدة منذ بداية كانون ثاني (يناير) ٢٠١٠ ولديهم أطفال هم أميركيو الجنسية أو مقيمون دائمون، بالحصول على إعفاء من الترحيل وتصريح عمل بعد اجتياز فحص سجل الخلفـية الجنائية. والإعفاء يمتد لثلاث سنوات يمكن تجديده.
المرسوم التنفـيذي يوسع أيضاً بنود برنامج تأجيل الترحيل للأطفال القادمين «داكا» (DACA)، الذي يعطي المهاجرين غير الشرعيين الذين جاءوا إلى الولايات المتحدة دون سن ١٦ وقبل حزيران(يونيو) ٢٠٠٧ هدنة مؤقتة. ويمتد مرسوم أوباما ليشمل أولئك الذين جاؤا إلى أميركا قبل أول كانون ثاني (يناير) ٢٠١٠ ويوسع فترة الإعفاء من سنتين إلى ثلاث سنوات.
مهاجرة عربية لا تحمل وثائق إقامة قانونية، تحدثت إلى «صدى الوطن» اشترطت عدم الكشف عن اسمها، قالت بان المرسوم الرئاسي لن يشملها لأن شرط الإطار الزمني قد فاتها ببضعة أشهر مما يمنعها من التأهل للبقاء حسب المرسوم.
رنا (ليس اسمها الحقيقي) لديها طفل يحمل الجنسية الأميركية، لكنها دخلت الولايات المتحدة فـي حزيران (يونيو) من عام ٢٠١٠ ولو وصلت قبل ستة أشهر، كما قالت، لأصبحت مؤهلة للإعفاء المؤقت من الترحيل.
واكدت رنا أنها كانت متحمسة عندما سمعت أن الرئيس أوباما على وشك اتخاذ إجراء رئاسي بشأن المهاجرين غير الشرعيين «أما الآن وقد صدر المرسوم الذي لن يشملني، فأني أشعر بخيبة أمل»، أضافت رنا بلكنة إنكليزية مقبولة.
رنا لديها ثلاثة أطفال يعيشون معها هنا وقدانفصلت عن زوجها العاطل عن العمل بسبب وضعه القانوني المخالف لقوانين الهجرة المرعية الإجراء، حتى انها تعتمد على الأموال الشحيحة التي يرسلها والدها إليها من لبنان من أجل رعاية أسرتها.
وذكرت رنا انها لا يمكنها العودة إلى لبنان بسبب تهديدات لحياتها المتعلقة بقضايا الأسرة.
واردفت «أنا عالقة. أنا غير قانونية هنا، ولا يمكنني أن العودة الى لبنان، أريد أن أصبح مواطنة أميركية. وأود أن أحصل على وظيفة وأدفع الضرائب لوطني الجديد. أنا لم أفعل أي شيء مخالف للقانون». لكنها استدركت بأنها تعيش فـي خوف دائم من الترحيل «وكل شيء مرعب. أنا خائفة حتى من قيادة السيارة. لدي رخصة قيادة دولية، ولكن قد أثير شبهات الشرطة. لا أستطيع العيش هكذا إلى الأبد. لدي صبي أميركي الجنسية. إنَّ هذا أمرٌ غير عادل».
المهاجرون غير الشرعيين يعانون
وقال المحامي نبيه عياد، المدير التنفـيذي لرابطة «الحقوق المدنية العربية الأميركية»، ان الخوف من الترحيل هو «مشكلة كبيرة» وسط الجالية العربية الأميركية. وأضاف «نظام الهجرة الأميركي معطوب ويحتاج إلى إصلاح. كل الأطراف السياسية فـي البلاد مجمعة على ان قانون الهجرة بحاجة ماسة للإصلاح وهو فـي مرحلة حرجة. ورغم ان المرسوم الذي أصدره أوباما يتناول بعض المشاكل وهو يعتبر خطوة متقدمة، لكنه لا يذهب بعيداً لإعطاء المهاجرين غير الشرعيين الثقة المطلقة ويشكل خارطة طريق لحل أزمة الهجرة غير القانونية فـي البلاد».
وأكد عياد ان المهاجرين غير الشرعيين يعانون، وتابع «هناك بعض الناس الذين يعيشون هنا فـي الظل منذ ١٥ أو ٢٠ أو ٣٠ عاماً، وهم والحال هذه لا يستطيعون الحصول على قرض أو أي نوع من المنافع، يعيشون فـي دوامة خوف، ويتجولون مثل الأشباح، فلا يعرفون متى ينقض عليهم وكلاء الهجرة والتجنس أو شرطة حرس وحماية الحدود ويطرقون أبوابهم لكي يأخذوهم بعيداً عن عائلاتهم ويزجوهم فـي السجون حتى يأتي وقت ترحيلهم». واستطرد عياد «بأن الجمهوريين الذين يسيطرون على مجلسي النواب والشيوخ الأميركيين سيفعلون كل ما فـي وسعهم لإسقاط مفاعيل مرسوم الرئيس، وقد يلجأون الى الطعن بالقرار التنفـيذي امام المحكمة العليا. ولكن إذا امتنع الجمهوريون عن اللعب بالسياسة فـي هذا الشأن، فسيأخذ مرسوم أوباما مجراه الطبيعي». وختم بالقول «ان رؤساء قبل أوباما أخذوا البلاد الى حروب عبر المحيط بمراسيم رئاسية». من جهتها أشارت فاي عواضة، وهي مرشدة إجتماعية متخصصة فـي شؤون الهجرة والتجنس، ان المرسوم الرئاسي لا يشمل الكثير من المهاجرين غير الشرعيين ولا يطرق الى مشاكلهم. وأضافت «لا يتناول القرار التنفـيذي القضايا الرئيسية بالنسبة للمهاجرين. هناك أشخاص مقيمون هنا لسنوات ولكن ليسوا لديهم أطفال. هذا القرار لا يشملهم. إني أشعر بخيبة أمل».
وأفادت عواضة، التي تملك مركزاً للترجمة وخدمات الهجرة فـي مدينة ديربورن، أن زبائنها سارعوا ليسألوا عن المرسوم الرئاسي، وعما إذا كانوا مؤهلين للإعفاء المؤقت.
وأردفت «ظن الناس أن القرار هو عفو عام. وهناك الكثير من سوء الفهم، ونريد أن نقول للجالية أنه مجرد وقف مؤقت لعمليات الترحيل لمهاجرين محددين، كما لم يتم تحديد المبادئ التوجيهية للقرار الرئاسي حتى الان». وختمت بالقول إن طلبات الإعفاء لن تكون متاحة حتى شهر آذار (مارس) أو نيسان (أبريل) من العام القادم. وقدرت وسائل الإعلام المحلية عدد السكان المهاجرين غير الشرعيين فـي ولاية ميشيغن، بمئة الف نسمة لكن بعض المحامين الذين يعالجون قضايا الهجرة يقدرون ان العدد أعلى من ذلك بكثير.
ويشدد هؤلاء على أهمية تمرير قانون إصلاح شامل للهجرة لتخفـيف محنة المهاجرين والسماح لهم للمساهمة فـي مجتمعاتهم ويقول بعض المحامين المختصين بقانون الهجرة والتجنس «ان المهاجرين غير الشرعيين يستعملون موارد المجتمع ويُحرمون من العديد من الخدمات والمزايا. فعلى سبيل المثال، لا يمكنهم الحصول على التأمين الصحي، لذلك إذا أصيبوا بالمرض تصبح الفواتير الطبية عبئاً كبيراً عليهم، وإذا لم يكن لديهم المال للدفع فإنَّ العبء يقع على المستشفى أيضاً، ناهيك عن محدودية فرص العمل والتعليم لديهم».
الحدود الجنوبية الأميركية لديها سمعة سيئة لكونها بوابة للمهاجرين غير الشرعيين. أما ولاية ميشيغن فتقع فـي الطرف الشمالي من البلاد. ووفقاً لذلك فإنَّ كثيراً من المهاجرين غير الشرعيين فـي الولاية قد تجاوزوا حدود تأشيراتهم كطلاب أو كزوار او كلاجئين.
وهنالك أناس يعبرون الحدود الكندية أو المكسيكية بطريقة غير شرعية ويتسللون إلى هنا رغم القدر الهائل من المتاعب والمخاطر التي تواجههم.
انعدام الثقة فـي الحكومة
فاي عواضة، أوضحت مجدَّداً قضية القلق من الحكومة حتى الناس الذين يتأهلون للإعفاء قد يكونوا خائفـين من تطبيق القرار التنفـيذي بسبب الطبيعة المؤقتة له مضيفةً «كأنك تلوح بيدك وتقول للحكومة أنا هنا .. أنا غير شرعي».
وقال عياد، وهو أيضاً محامي الحقوق المدنية، ان هذا الخوف هو حقيقي، وخاصة وسط جهود الجمهوريين لعكس القرار التنفـيذي.
ورغم ذلك قالت ماريالينا هينكابي، المديرة التنفـيذية للمركز «الوطني لقانون الهجرة» فـي مؤتمر عبر الهاتف نظمته «نيو أميركن ميديا» إن الحكومة الاتحادية لا يمكنها استخدام المعلومات التي تم الحصول عليها من خلال برنامج الإعفاء من أجل إنفاذ قوانين أخرى.
واكدت وجود «جدار حماية ناري» بين دائرة خدمات الهجرة والتجنيس (USCIS)، حيث سيتقدم المهاجرون بطلباتهم لديها، وبين الوكالات التي تنفذ قرارات الترحيل مثل شرطة دائرة الهجرة والجمارك (ICE) وحرس الحدود الأميركية (CBP).
مارشال فـيتز، نائب الرئيس لسياسة الهجرة فـي مركز «التقدم الأميركي»، حث الناس على تقديم طلب للحصول على الإعفاء من الترحيل. وقال انه سيكون من الصعب للغاية بالنسبة للجمهوريين إسقاط مرسوم رئاسي تنفـيذي إذا كان سيؤثر على الملايين من الناس. وأضاف أنه بمجرد «أن يثق المهاجرون غير
الشرعيين من أنه لن يتم ترحيلهم، فانهم سيكتسبون
قدرة أكبر على التنظيم مع حلفائهم للمطالبة بحلٍ أكثر دواماً وعدالة».
حذار من الحيل
وحذرت هينكابي مقدمي الطلبات المحتملين لإعفائهم من الترحيل استناداً الى الأمر الرئاسي، ضد الدفع الزائد فوق الحد لخدمات الهجرة الآن لأن المبادئ التوجيهية والتطبيقات للبرنامج لن تكون متاحة بعد. واردفت «لا تدفع لأي شخص يعدك باختصار الطريق. ولكن أولئك الذين يريدون تطبيق تقديم الطلب يمكنهم البدء فـي إعداد وترجمة الوثائق اللازمة، وتحضير وثائق مواعيد دخولهم إلى الولايات المتحدة والعلاقة الأبوية بأولادهم. ووفقاً لهينكابي، فإن أولاد الزوج من امرأة ثانية دون سن ١٨ يُحسبون أولاداً طبيعيين لدى مقدِّم الطلب».
Leave a Reply