مريم شهاب
من خلال عملي تعرفت عليها، سيدة جميلة ومحترمة وأنيقة، يليق بها «لايدي»، دخلت قلبي مباشرة وأحببتها لانها تحمل إسم المرحومة أمي جميلة. بادلتني هي المحبة لأني أحمل إسم مريم، اسم ابنتها التي توفـيت بحمى الملاريا فـي أفريقيا لذلك دوماً كانت تحب مناداتي «واك يا ماري».
رغم فارق العمر بيننا، غدونا أصدقاء أحباء رغم فوارق عديدة بيننا. فهي رغم سنواتها السبعين لازالت جميلة، تلبس وتتأنق كما كانت تفعل فـي شبابها، تحب البلوفرات السود ذات الرقبة الكلاسيكية العالية والأطقم «الأفـيزيه» المصممة فـي بيوت أزياء عريقة، ولا تخرج إلا على «سنكة عشرة» الفولار الحريري المنقوش اللائق مع لباسها الأنيق، والحذاء المطابق جلده دوماً للجزدان، وإصرارها على ارتداء الكولون اللحمي الفاخر، لأنها لم تتصور أن تخرج وساقاها عاريتان أبداً وفوق ذلك كله
الماكياج الراقي، وتسريحة شعرها «كاريه فرنسي قصير» إكسسواراتها الباذخة الأنيقة، وخط الكحل الأسود فوق عينيها هو نفس خط سعاد حسني ورونقها.
بالمقابل، أنا انسانة بسيطة فـي اللباس ولا استعمل الماكياج ولا أحمل الجزدان ومع ذلك، استمرت صداقتنا ولازالت. لأن بيننا مساحة غنية من الثقافة والبعد عن التفاهة والسطحية والبهورات والمسايرات الفارغة، والتملق.
صديقتي الجميلة عاشت سنوات شبابها فـي بلد إفريقي، كانت الموضة هي الروك آند رول والبيتلز وعبدالحليم وشادية وأم كلثوم وصباح وفـيروز، وأفلام الحب الرومانسي، والأحلام الجميلة فـي زمن جميل طموح للفضاء رغم تناقضاته.
الحنين إلى ذلك الزمن الجميل والفن الأصيل، كان يجمعنا فـي هذا الزمن السريع «اللي بلا طعمة كما تصفه صديقتي»، زمن كانت فـيه الأجساد الملفوفة هي الجميلة قبل أن تظهر موضة الهياكل العظمية والدايت والليزر وعمليات التجميل والسليكون وستات البلاستيك والكرتون.
جميلة، بقيت محافظة على جسدها ولازالت متمسكة بإحساسها المتجدد بالشباب الدائم وكان مثلها الأعلى فـي حب الحياة والرفاهية الراحلة الصبوحة التي بكت عليها صديقتي كثيراً الأسبوع الماضي عندما اتصلت بي وقالت: «واك يا ماري، أنا رح موت ما بقا بدي عيش وصباح نايمة تحت التراب».
أنجبت صديقتي جميلة العديد من الأبناء والبنات وعاشت فـي منزل زوجها التاجر اللبناني المعروف بثرائه فـي تجارة الألماس فـي أفريقيا، تنعم بالرفاه رغم شكواها من بخله وحرصه، وقد زارت معظم بلاد العالم وتمتعت بحياتها تحت مقولة «إصرف ما فـي الجيب يأتيك ما فـي الغيب».
أولادها الآن متزوجون ولكل واحد عائلته الخاصة، بعد وفاة زوجها، اكتشفت أن ثروته لم يبق منها إلا القليل، ولأنها من النوع الذي لا يبالي كثيراً ويبتسم للحياة مهما تجهمت، حزمت حقائبها الفاخرة واستقرت فـي شقة صغيرة وجميلة فـي مدينة «لوفونيا» الأميركية، وعندما سألتها كيف تقبلت الحياة فـي شقة بسيطة بعد كل بذخ الشباب وعزه, بحماسة وابتسامة كان ردها: «واك يا ماري لم يكن يهمني آنذاك إلا ما أرتديه وما أصرفه وما أعيشه ولست نادمة، واليوم أنا وحدي و«بطولي» الحمدالله أهتم بصحتي. أنام وأقوم كما يحلو لي، وعندي خادمة مخلصة تأتي كل أسبوع لعدة ساعات، تنظف وترتب لي شقتي الصغيرة وتعد لي بعض الأكلات الخفـيفة. أمشي فـي الشارع وأتحدث مع جيراني الأميركان دون إحساس بالقلق، واستمتع بالأوقات مع صديقاتي المهاجرات والمتقاعدات إلى فضاء الحرية مثلي».
الأسبوع الماضي، صديقتي الجميلة الممتلئة حيوية وحباً للحياة والإناقة، والمتحدثة برقي ولباقة، رغم ربيعها السبعين، حزنت مثلي بشدة، لوفاة الفنانة الجميلة صباح وحسرة على زمن حلو جميل لن يعود.
Leave a Reply