بيروت – كمال ذبيان
يطوي اللبنانيون آخر ورقة من العام 2014، على حزن باستمرار اختطاف عسكريين فـي الجيش وقوى الأمن الداخلي، من قبل عصابات إرهابية تكفـيرية، كما يختمونه على تفاؤل بإستئناف الحوار بين «حزب الله» و«تيار المستقبل» الذي ترجى مصلحة وطنية بتهدئة الوضع السياسي، وتخفـيف الإحتقان المذهبي، وتعزيز الإستقرار الأمني، وقد افتتحت السنة المنصرمة على تشكيل حكومة ضمّت كل الفرقاء السياسيين، وأطلق عليها رئيسها تمام سلام وصف «حكومة المصلحة الوطنية» التي ملأت الفراغ الدستوري الذي حصل مع الشغور فـي رئاسة الجمهورية بانتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان فـي 25 أيار الماضي
حقق الجيش اللبناني إنجازات أمنية وعسكرية رفعته إلى مستوى متقدّم من ثقة الشعب |
فحصاد العام الذي يودعه اللبنانيون لم يكن على ما يطمحون إليه، فلم ينعموا بإنتخاب رئيس للجمهورية، لعدم تمكّن المسيحيين عموماً والموارنة منهم خصوصاً من التوافق على مرشح يعكس تمثيلهم الحقيقي ويتمتع بثقل شعبي، مما عطّل عليهم اختيار مرشحهم لا أن يفرض عليهم، حتى ولو بالتنافس بين قوتين هما العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع، وقد دعا الأول الثاني الى المنافسة الثنائية بينهما، فلم يؤخذ باقتراحه لا من رئيس حزب «القوات اللبنانية»، ولا من أطراف مسيحية أخرى فـي 14 آذار، ولا من النائب وليد جنبلاط، الذي يريد مرشح تسوية أو يملك مواصفات إدارة أزمة، رافضاً وصول كل من عون وجعجع.
فانتهى العام على شغور رئاسي، وتعثر داخلي فـي صناعة لبنانية لرئيس الجمهورية، وعدم مبالاة إقليمية ودولية بهذا الإستحقاق الذي يقتصر فيه عمل الموفدين الدوليين على تقديم النصائح للبنانيين أن يتفقوا على انتخاب رئيس، لإنتظام عمل المؤسسات الدستورية، وعدم انعكاس الفراغ فـي الرئاسة الأولى على الإستقرار السياسي والأمني، إذ أن عمل الحكومة دون رئيس للجمهورية وإن كان دوره فـي اجتماعات مجلس الوزراء يقتصر على ترؤس الجلسة عند حضوره، وتكون له كلمة توجيهية، إلا أن صلاحياته فـي التوقيع على المراسيم والقوانين لا يمكن أن تكون سليمة عندما تتحوّل الصلاحيات الى مجلس الوزراء مجتمعاً، إذ تحوّل كل وزير الى رئيس للجمهورية يمكن «للفـيتو» الذي يستخدمه وعدم توقيعه على قانون أو مرسوم، شل الحكومة وعمل الدولة.
فإنتخاب رئيس جديد، شغل اهتمام السياسيين داخلياً، ولقد انقضى أكثر من نصف العام الذي مضى، فـي السجال حول رئاسة الجمهورية التي لم تفلح 16 جلسة لمجلس النواب فـي حسم الإنتخاب لأن النصاب القانوني لم يتأمّن بسبب عدم التوافق على مرشح، إذ يخشى أن يكون العام 2015 شبيهاً لسلفه باستمرار الشغور الرئاسي، إذا لم تحصل تسوية داخلية أو أخرى خارجية تفرض المرشح الذي تتقاطع عليه مصالح الدول، فـيكون لبنان خسر تصنيع رئيسه، ووضعه فـي يد الخارج، كما كان يحصل فـي كل دورات الإنتخابات الرئاسية.
ومع الإنتكاسة التي أصابت لبنان والطبقة السياسية فـيه بعدم إنتخاب رئيس للجمهورية، فإن هذا الواقع عكس نفسه على الإنتخابات النيابية التي وتحت ذريعة أنها لن تحصل مع الفراغ فـي القصر الجمهوري، وأن الرئيس سعد الحريري ذهب بإصراره على إنتخاب رئيس قبل إجراء الإنتخابات النيابية، بأنه رفض الترشح لها مع أعضاء من كتلته النيابية وتياره السياسي وحلفائه، مما دفع بالرئيس نبيه برّي الى أن يستجيب لرفض الحريري وأعلن أنه لن يقبل إجراء إنتخابات بغياب طائفة أساسية عنها، مما يفقدها ميثاقيتها فرضخ للتمديد الثاني لمجلس النواب، لتكون المدة هي كامل المهلة المتبقية من دورة كاملة للمجلس وهي عامين وسبعة أشهر، بعد تمديد أول لفترة عام وخمسة أشهر، وبذلك يكون العام 2014 قد اختتم على تمديد وصفه البعض بالقسري لأسباب أمنية ودستورية، فـي حين نظر إليه الرافضون له، على أنه عار، وعدم الإحتكام الى إرادة الشعب بتداول السلطة، إذ أن الذرائع المقدمة لاسيما الأمنية منها لم تقنع اللبنانيين بأن يسلب مَن أعطوهم الوكالة حقهم فـي الإقتراع، فاهتزّت ثقتهم بممثليهم وهم لم يكونوا على قدر المسؤولية التي حمّلهم إياها المواطنون ليشرعوا لهم قوانين تؤمن لهم الحياة الحرة والكريمة، ويكونوا العين الساهرة على مصالحهم وحقوقهم، فإذا بهم عاطلين عن العمل وغير منتجين، وفق وصف الرئيس نبيه برّي لهم.
فالإستحقاق النيابي لحق الإستحقاق الرئاسي، لم يفصل بينهما سوى أشهر، فانكشف انحطاط الواقع السياسي، والأزمة التي تسببت بها الطبقة السياسية اللبنانية، ووصف لبنان بدولة فاشلة، باعتراف زعمائه السياسيين وهم فـي السلطة منذ قرون، والبعض الآخر منذ عقود، ومن استجدّ على العمل السياسي، لم يكن على قدر مَن آمن به حاملاً شعارات العبور الى الدولة، أو الإصلاح والتغيير، أو التحرير والتنمية، أو لبنان أولاً إلخ…
وأمام انسداد الحلول للأزمة التي تعصف بلبنان وهي مستمرة منذ العام 2005، مع اغتيال الرئيس رفـيق الحريري، وخروج الوجود السوري منه سياسياً وأمنياً وعدم وجود راعٍ لتطبيق إتفاق الطائف، كان الحديث فـي العام 2014 عن مؤتمر تأسيسي وعقد اجتماعي بين اللبنانيين، كما جرى التداول بتفسير مواد فـي إتفاق الطائف كما فـي المادة 24 حول المناصفة بين المسلمين والمسيحيين، وهو ما فتح الباب أمام طرح سؤال، هل استنفد إتفاق الطائف دوره ومفعوله، أو يجب التركيز على تطبيقه، وقد تمّ الإنقلاب عليه وعلى بعض نصوصه منذ أن وُضع، فلم تحترم مواده، ولم يعمل بركيزتين أساسيتين فـيه لإصلاح النظام السياسي، وهما قانون الإنتخاب خارج القيد الطائفـي، الذي يكوّن السلطة، وتشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفـية، فتمّ القفز فوق هذين البندين اللذين دونهما لا يمكن الخروج من النظام الطائفـي الذي يصرّ زعماء الطوائف أن يبقوا هم أسراه، ويأسرون معهم اللبنانيين لجرهم الى مذبحة طائفـية وحرب أهلية كل مرحلة زمنية.
فقانون الإنتخاب مازال النواب يتخبطون فـي إنتاجه بما يؤمن التمثيل السليم، وتحصل إنتخابات دون التأثير الطائفـي ولا المال السياسي والإعلام الفئوي، فأنهت لجنة التواصل النيابية أعمالها ولم تصل كما كلّفها الرئيس برّي الى إتفاق حول القانون، فـيكون العام 2014 خلال من قانون جديد عصري وحديث ينقل لبنان من التمثيل الطائفـي والمذهبي، الى التمثيل الوطني.
وفـي ظل هذا التأزم السياسي والفراغ الدستوري، فإن الأمن ظل هاجس اللبنانيين، بعد أن وصلت الجماعات الإرهابية التكفـيرية الى حدودهم مع سوريا فـي البقاع والشمال وسفح جبل الشيخ عند تخوم شبعا وراشيا، إذ وضع فرار المسلحين من المناطق السورية التي حررها الجيش السوري و«حزب الله» الى جرود عرسال وبعض المناطق اللبنانية، الوضع الأمني أمام حالة من الإنفجار مع ظهور خلايا نائمة إرهابية، وأخرى أيقظتها إجراءات الجيش، والمواجهات العسكرية التي حصلت بين الجيش والعصابات الإرهابية التكفـيرية فـي عرسال وطرابلس وبعض مناطق الشمال، إذ نجح الجيش فـي أن يكسب المعارك التي خاضها مع المسلحين، وتسبب فـي هزائم لهم، واجتثهم من أحياء فـي طرابلس، وطردهم من عرسال، وفكك شبكات إرهابية فـي مختلف المدن والبلدات اللبنانية، وبلغت بالعشرات وأفرادها بالمئات، وقد مكّن هذا العمل الأمني، أن يخفف من أعمال التفجير التي طالت أكثر من منطقة، لاسيما فـي الضاحية الجنوبية وبعض مناطق بعلبك – الهرمل.
فتحقيق الجيش لإنجازات أمنية وعسكرية رفعه الى مستوى متقدّم من الثقة التي حظي بها من الشعب اللبناني، كما من المجتمع الدولي والعالم العربي، فتدفقت عليه المساعدات والهبات لتسليحه وتعزيز قدراته فـي محاربته للإرهاب، إذ أثبت قدرته بين الجيوش التي تحارب هذه الظاهرة العالمية، ونجحت المؤسسة العسكرية فـي أن تشكّل الضمانة للسلم الأهلي، بتنفـيذ الخطط الأمنية التي وضعت لعدد من المناطق بقرار سياسي، وهذا ما ساهم فـي أن يحظى لبنان بالإستقرار، وقد نجح وزير الداخلية نهاد المشنوق بفتح خط تواصل مع رئيس لجنة الأمن والإرتباط فـي «حزب الله» وفـيق صفا، مما ساعد على ضمان الأمن الذي نجح أيضاً لأن الأطراف السياسية الداخلية امتنعت عن الإنزلاق نحو الفتنة الداخلية، وهو ما أسهم أيضاً فـي تشجيع الحوار بين «تيار المستقبل» و«حزب الله» الذي يجمعهما مع كل اللبنانيين خطر الإرهاب الذي لن يوفر أحداً، وأن بيئة المستقبل السياسية والطائفـية ستكون أكثر المتضررين من الجماعات الإرهابية، فكان ربط النزاع الذي أعلنه الحريري ليشارك «حزب الله» فـي حكومة وفّرت الحد الأدنى من الإستقرار السياسي والهدوء الأمني.
فالحكومة المشتركة بين 8 و14 آذار ووسطيين، والحوار الذي بات يفرض نفسه على كل الأطراف السياسية، شجع كل من العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع الى أن يتبادلا الدعوات الى اللقاء والحوار، والمتوقع أن يعقد فـي أي وقت، مما يعطي اللبنانيين جرعة من التفاؤل بأن عاماً جديداً سيطل على هدوء أمني لا يخشون تعكيره إلا من مغامرة عسكرية قد يلجأ إليها المسلحون فـي جرود عرسال، إلا أن الجيش متأهب لمواجهتهم، وبات اللبنانيون يتكلون عليه ويثقون بأنه المدافع عنهم فاستحق أن يكون شخصية العام و قد يخرج منه من جديد قائده لرئاسة الجمهورية، إذ أن إسم العماد جان قهوجي، يتكرّر كمرشح جدي، وإسم توافقي مع مرشحين آخرين.
وفـي نهاية العام، إستفاق اللبنانيون على حملة ضد الفساد الصحي والغذائي وفـي الدوائر العقارية، وهو وضعهم أمام مفاجأة لم يكن يتوقعونها فـي بلد يصنّف من أكثر الدول فساداً، إذ أن ثقة المواطنين مازالت مهزوزة بما يقدم عليه وزير الصحة وائل أبو فاعور فـي ملاحقة الفساد فـي المواد الغذائية، وما فتحه وزير المال علي حسن خليل، من فضائح للفساد والهدر فـي الدوائر العقارية، لأن ما يريدوه اللبنانيون هو الإستمرار فـي ملاحقة الفاسدين فـي كل مؤسسات الدولة، ومحاكمتهم لتطهير الإدارة من الفساد، لتعود الثقة بالدولة التي يطالبونها بفرض هيبتها وتطبيق القوانين .
Leave a Reply