يوم الأربعاء فـي السابع من كانون الثاني (يناير)، أدلت المملكة العربية السعودية بدلوها ضد الهجوم على مجلة «شارلي أيبدو» الفرنسية الساخرة منددةً بالقول أنه «عمل إرهابي جبان». وبعد يومين من دفاعها عن حرية الرأي، لم ترَ المملكة ضيراً فـي جَلْد المدوِّن الليبرالي، رائف بدوي، ٥٠ جلدة على الحساب من أصل ألف جلدة بتهمة «إهانة الإسلام». وابتدع الفكر الوهَّابي الجَلْد بالتقسيط حيث يتطلب عقاب سجين الرأي هذا ٢٠ جلسة جلد إلى أنْ يُنجز العدد المطلوب. ولأنَّ التعذيب والإهانة غير كافـيين فـي المملكة الشمولية، حُكم على بدوي بالسجن ١٠ سنوات فـي العام الماضي.
وحقيقة الأمر أن هذا النفاق الصارخ للنظام السعودي لا يعادله إلا هرطقة حلفائه فـي الغرب. فأصدقاء السعودية الأوروبيون والأميركيون دعاة شريعة حقوق الإنسان، الذين يهددون بالويل والثبور وعظائم الأمور إذا حصل انتهاك لحقوق الإنسان فـي الدول غير التابعة لهم، يعدّون إلى الألف عدّاً قبل نهي وزجر آل سعود على إنتهاكات الحقوق المدنية والكرامة الانسانية فـيها.
عندما تصدرت العقوبة «القرنوسطية» السعودية ضد «بدوي» عناوين الصحف الدولية، اشتعل الغضب عبر الإنترنيت فـي الولايات المتحدة واحتدم النقاش والتعليقات على الشبكة العنكبوتية العالمية حول مدى فظاعة عمل «مملكة آل سعود»، وحملت بعض تلك التعليقات نغمات عنصرية ومعادية للإسلام. غير أنَّ عدداً قليلاً من المواقف كانت لاذعة بحق حكومتنا المصون التي تستمر فـي رعاية ودعم وحماية العائلة الحاكمة فـي السعودية سياسياً وعسكرياً ووجودياً.
الخطر الماثل من حكم آل سعود يتجاوز مسألة الإعتداء الوحشي على أحد مواطنيها. فالمملكة، التي ليس لديها دستور مكتوب، تتبع مذهباً ونهجاً متطرفاً جداً فـي الإسلام معروف بإسم السلفـية. هذا المذهب يتبنى تفسيراً حرفـياً صارماً وتضليلياً للقوانين الإسلامية ويؤمِّن البوصلة الإيديولوجية الأكثر عنفاً «للجهاديين»، وهو الإسم الآخر للتكفـيريين أصحاب الفكر الاقصائي الإلغائي للآخر او الإسم الآخر لـ«داعش».
على سبيل المثال تدمير الأضرحة والمعابد الإسلامية وغير الإسلامية من قبل المتطرفـين فـي جميع أنحاء العالم هو تطبيق مباشر لتعاليم محمد بن عبد الوهاب، الذي أسس السلفـية «الوهابية» فـي القرن الثامن عشر.
لكن ليس كل السلفـيين هم من المتطرفـين العنفيّـين، إلا أنَّ العقيدة السلفـية الفكرية التي تطبقها السعودية وتسوِّقها وتروج لها فـي العالم قد زرعت العديد من بذور الإرهاب «الجهادي» فـي مختلف أنحاء العالم.
وقد شهد الأسبوع الذي عقب الهجوم على «شارلي أيبدو» العديد من الفظائع التي ارتكبها التكفـيريون. ففـي شمال لبنان، فجر انتحاريان نفسيهما فـي «جبل محسن» الذي يغلب عليه طابع العلويين فـي طرابلس، مما أسفر عن مقتل سبعة أشخاص. وفـي نيجيريا، قتل جماعة «بوكو حرام» المئات وربما الآلاف من المدنيين فـي بلدة «باجا» والقرى المحيطة بها. كذلك ارتكب الإرهابيون مجزرة بحق تلاميذ فـي باكستان. وفـي حين أن الهجوم الذي وقع فـي فرنسا واجه غضباً دولياً عارماً وتعاطفاً عالمياً، لم يحظ الضحايا الذين قتلهم نفس حاملي العقيدة السامة والأيديولوجية التكفـيرية، بالاهتمام الكافـي وكأن الدم الغربي أغلى وأهم .
وقد أثير الجدل الحاد فـي أعقاب هجمات باريس حول حرية التعبير وعما إذا كان الإسلام هو المسؤول عما يقوم به المجرمون الإرهابيون. ولكن، لسبب لا يعلمه إلا الله والراسخون فـي العلم، تم توجيه كلمات انتقادية معدودة فقط ضد أكبر دولة فـي العالم تتبع وتصدّر فكر المتشددين «الجهاديين».
نحن نعلم أن الحكام الفعليين فـي المملكة العربية السعودية، التي تعتبر نفسها حامية حمى الدين، ليسوا من المحافظين ولا من الورعين التقاة فـي حياتهم الشخصية. والحقيقة الُمرَّة هي أنهم يستخدمون الدين كمطية لاستمرار قمع شعب الجزيرة العربية ولشن حروب وهجمات بالوكالة عبر الجماعات التكفـيرية المتطرفة.
وعندما يتعلق الأمر بالأيديولوجية والنظام الإجتماعي، هناك قواسم مشتركة ووحدة حال ومنبع واحد بين السعودية وإرهابيّي «داعش»، ومع ذلك يبقى النظام السعودي بسحر ساحر واحداً من أهم الحلفاء الرئيسيين لواشنطن فـي العالم العربي.
رجال الدين السعوديين الأصوليين الممالئين يملأون موجات الأثير والفضائيات العربية بفتاواهم العجيبة التي ما أنزل الله بها من سلطان، وبكلامهم المذهبي التكفـيري البغيض وسمومهم التي تساهم فـي صعود التطرف وتجنيد الإرهابيين وهذا التحريض ليس أقل تأثيراً من فعل الإرهاب نفسه.
وطريقة تطبيق وتفسير مملكة القمع لقضية فرض «الشريعة الإسلامية» مماثلة تماماً بل هي توأم للقوانين الصارمة الهمجية والتضليليّة التي تفرضها «داعش» على شعب شرق سوريا وشمال العراق. فقطع الرؤوس وبتر الأيدي والرجم وتدمير القبور والمقامات الدينية وفصل المرأة عن المجتمع ومنعها من قيادة السيارة والتعصب الديني، كله يمارس فـي السعودية بالضبط كما عند مقر «خلافة داعش».
سابقاً قام الكوميدي بيل ماهر بمقارنة العلاقة بين الإسلام والإرهاب بالفـيل فـي الغرفة، الذي لا يريد أحد أنْ يجابهه. ولكن فـي الأسابيع القليلة الماضية عجَّت الفضائيات وزخرت كتب وموسوعات بالبحث والتمحيص حول هذه القضية. وتبين أنَّ الفـيل الحقيقي فـي الغرفة هو الرابط بين مملكة آل سعود والإرهاب.
إلا أنَّ الغريب هو أنَّ لا أحد يريد الحديث عن جوهر القضية، بسبب تراخي الولايات المتحدة وتعاميها عن فعلة حليفها. وبينما يستمر رؤساء الولايات المتحدة بطأطأة الرؤوس وشبك الأيدي مع ملوك السعودية، تدخل «الحرب على الإرهاب»، الذي منبعه العقيدة «الوهَّابية» التكفـيرية، عامها الخامس عشر.
Leave a Reply