صمتت وسائل الإعلام الأميركية الكبرى ليوم كامل قبل أنْ تعلن عن جريمة كراهية إرهابية راح ضحيتها ثلاثة طلاب مسلمين فـي حرم شابل هيل بولاية كارولينا الشمالية.
ضياء شادي بركات (23 عاماً) من شابل هيل وزوجته يُسر محمد (٢١ عاماً)، أيضاً من شابل هيل، وشقيقتها رزان محمد أبو صالحة (١٩عاماً) من رالي، قتلوا جميعاً رمياً بالرصاص يوم الثلاثاء قبل ان يسلِّم القاتل نفسه بعد وقت قصير من الجريمة الثلاثية المروعة.
الضحايا اصيبوا جميعاً بأعيرة نارية فـي الرأس، أي بطريقة الإعدام التي تقوم بها العصابات المسلَّحة، وفقاً لوالد أبو صالحة الذي تحدث لصحيفة شابل هيل المحلية، مؤكداً أن عملية القتل كانت جريمة كراهية.
الضحايا الأبرياء كانوا طلاباً كرسوا حياتهم فـي تحصيل التعليم وجمع الأموال لمساعدة اللاجئين السوريين. أما المجرم القاتل المشتبه به فهو رجل أبيض يبلغ من العمر ٤٦ عاماً.
وقد نشرت خبر وقائع الجريمة وسائل الاعلام المحلية فقط ثم جرى تعميمها على شبكة الإنترنت دون وجود تغطية إعلامية وطنية، مما أثار الغضب العارم لدى الرأي العام العربي والإسلامي إلا بعد فترة وجيزة، ظهر هاشتاغ بعنوان «أرواح المسلمين تعنينا» (MuslimLivesMatter#) على كل من تويتر و فـيسبوك. وعلى الرغم من أنَّ أنباء الجرائم تنتشر بسرعة على الإنترنت، إلا أن وسائل الإعلام الرئيسية فـي الولايات المتحدة لم تكلف نفسها بتقديم تقارير عن الجريمة الثلاثية حتى صباح اليوم التالي مع أن صحيفة «الإندبندنت» البريطانية نشرت تقريراً عن الحادث قبل خمس ساعات من صدور الصحف الأميركية الوطنية الرئيسية مثل «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست».
و فـي حين عرَّفت «الإندبندنت» الضحايا بانهم مسلمون فـي العنوان الرئيسي، إلا أن صحيفة «نيويورك تايمز» عنونت الخبر كالتالي «اتهام رجل فـي موت ٣ بالقرب من جامعة ولاية كارولينا الشمالية»، هكذا من دون حسَّ إعلامي ولا إنساني تجاهلت الـ«تايمز» الدوافع المحتملة للجريمة النكراء وكذلك هويات الضحايا. ولنتخيل كم هو محبط ومريب لو كان عنوان الصحيفة بعدالهجوم الإرهابي فـي «ماراثون بوسطن» مثلاً «رجل اتهم بموت ٣ فـي وسط مدينة بوسطن»؟
للأسف، فإنَّ تسويف ولامبالاة وسائل الإعلام الاميركية الرئيسية حول مقتل الطلاب العرب المسلمين يعني أن حياة المسلمين غير ذات شأن أو أهمية، حيث تُنسب أهمية الضحايا إلى هوياتهم وأصلهم القومي فـي هذا البلد. ومن المؤسف ايضاً ان يبتلع المسؤولون الرسميون السنتهم بحيث لم يتفوه أحدهم بكلمة تنديد بالجريمة تطمئن المسلمين الذين اصابتهم الحادثة بصدمة نفسية مريرة على المستوى الوطني.
ولو انعكس المشهد وضغط رجل عربي أو مسلم عمره ٤٦ عاماً على الزناد مطيحاً بثلاثة من الشبان اوالفتيات البيض، لكانت هذه الوسائل الإعلامية قد عسكرت امام بيت القاتل او المشتبه به ولكانت استضافت بعد دقائق على الجريمة خبراء ومحللين أمنيين ونفسيين ومسؤولين لمناقشة الواقعة الإرهابية الكبيرة ومن هي الدول التي يجب على الإدارة الأميركية ان تضربها وتطيح بها كردّ على الجريمة.
الحقيقة المرَّة فـي هذا البلد هي اننا كعرب ومسلمين، يصبح الدين والعرق عاملاً واضحاً عندنا فقط إذاقام أحد منا أو محسوب علينا بعمل شر. ولكن، عندما يلحقنا الشر ويقع الضرر علينا يتم التغاضي والتعامي عنا. وعندما يقع ثلاثة من المسلمين ضحايا للقتل، يكون العنوان الرئيسي بعرف صحيفة «نيويورك تايمز» مجرد ثلاثة أرقام. والتعامي لا يقف عند الاعلام المنحاز البغيض فقط ولكن تعدّى الأمر إلى سلطات التحقيق والمتابعة إذ فـي صباح ذلك الأربعاء الأسود لم تهتم شرطة نورث كارولينا بوقائع الجريمة الوحشيَّة بل سارعت إلى «تطميننا» بالقول «إن الدافع وراء القتل كان من المرجح أن يكون نزاعاً على موقف سيارات»، وليس التعصب. واستند استنتاج الشرطة كلياً إلى تصريحات المشتبه به وحده، وتجاهلت ما قاله والد الضحيتين أبو صالحة. والسؤال الذي يطرح نفسه: كيف يمكن لوكالة إنفاذ قانون ذات مصداقية ان تعرف يقيناً الدافع وراء جريمة القتل الثلاثية فـي غضون أقل من ٢٤ساعة؟
أما السؤال الآخر الذي يطرح نفسه بالحاح هو كيف يمكن لنزاع حول موقف لسيارات ان ينتهي بإعدام ثلاثة شبان على طريقة «الكاوبوي»؟ سؤال حتى الآن لم تستطع شرطة «شابل هيل» تقديم إجابة شافـية عليه يمكن تسويقه لدى العقول الواعية.
رغم ان الدكتور محمد أبو صالحة قال لصحيفة «نيوز أوبزرفر» إن «الجريمة هي جريمة كراهية ولم تكن خلافاً حول أماكن وقوف سيارات. هذا الرجل افتعل مشاكل مع ابنتي وزوجها عدة مرات من قبل، وتحدث معهما ومسدسه فـي حزامه. وكانا غير مرتاحين له قطّ لكن لم يدر فـي ذهنهما انه سيذهب إلى هذا الحد فـي إجرامه». هذه القضية تتطلب فتح تحقيق وتدقيق أكثر شمولاً من قبل الشرطة، لكي لا تبدو أنها غير مهتمة بكشف الحقيقة.
فحقيقة أن الشرطة حين هرعت الى نفـي ما حدث بأنه كان جريمة كراهية دون اخذ الوقت الكافـي للتحقيق فـي المسألة يؤكد المخاوف حول القيمة البخسة لحياة العرب والمسلمين فـي الولايات المتحدة فـي نظر الذين أعماهم التعصب والجهل.
اننا ندعو ونحث أعضاء جاليتنا لإستذكار الأرواح التي فقدت من الطلاب الأبرياء الثلاثة بتخليدهم فـي وعينا الوطني ووجداننا من خلال الاستمرار فـي إدانة الجريمة عبر وسائل التواصل الاجتماعي و فـي حياتنا اليومية، لا سيما وأننا لا يمكننا الاعتماد على وسائل الإعلام لتكريم ذكرى الضحايا الثلاثة، فنحن فـي هذا الشأن قد تركنا لوحدنا، بكل أسف.
كما ندعو الرئيس باراك أوباما إلى إدانة هذه الجريمة بأشد العبارات وفتح تحقيق فـيدرالي فـي الحادث خصوصاً وان القانون الفـيدرالي يُعاقب بشدة على جرائم الكراهية والحقد العنصري. هذا النوع من العنف ضد العرب والمسلمين يمكن أن يتكرَّر إذا نأت الحكومة بنفسها عنه مثل ما فعل الاعلام الوطني، ولم تتدخل بشكل سريع وحازم لمعالجة الجريمة الإرهابية فـي «شابل هيل».
ضياء بركات كان طالب طب أسنان يملك الطموح والطاقة والحس الإنساني المتوقد. فـي الفـيديو الذي وزع على شبكة الانترنت بعد وقوع الجريمة، ظهر وهو يحث الناس على التبرع لبعثة طبية من شأنها أن تسمح له بالسفر إلى تركيا لعلاج أسنان اللاجئين السوريين هناك.
هذا هو نموذج لروحية ضحايانا ونحن مدينون له وذلك بوضعه نصب الاهتمام وتخليد ذكراه. أما حكومتنا فهي ستظل مدينة للضحايا الأبرياء حتى تنتصف لهم بتحقيق العدالة وبفضح نوايا الجاني وإيقاع القصاص العادل به.
Leave a Reply