كمال ذبيان
إحتفل الموارنة فـي لبنان بعيد شفـيع طائفتهم مار مارون، و فـي غياب مرجعيتهم فـي تكوين مؤسسات الدولة رئيس الجمهورية الذي كرّسه العُرف لا الدستور أن يكون من حصة الموارنة، كما رئيس مجلس النواب للطائفة الشيعية ورئيس الحكومة للطائفة السنّيّة، ولم تحظَ الطوائف والمذاهب الأخرى بمراكز فـي هرم الدولة، سوى ما أسنِد لطائفة الروم الأرثوذكس من منصبي رئيسي مجلس النواب والحكومة دون صلاحيات مذكورة أو مقر لهما.
ولقد جرى التوقف أن يغيب أو يُغيّب الشفـيع المدني أوالسياسي للطائفة المارونية عن قداس شفـيع الموارنة، لتبقى كرسي رئاسة الجمهورية شاغرة وقد مضى على خلوّها من رئيس للجمهورية نحو تسعة أشهر لم تفلح دعوات رئيس مجلس النواب نبيه برّي الى عقد جلسات بلغ عددها نحو عشرين لإنتخاب رئيس جديد، إذ قد يمر عام وأكثر، وقد اعتاد اللبنانيون على أن لا رئيس لهم، وهو ما حذّر منه النائب وليد جنبلاط، وتخوّف من استمراره البطريرك الماروني بشارة الراعي ويشاطره هذا الموقف قادة سياسيون، حيث لم ينجح فـي إتفاق قادة الموارنة الأربعة، أمين الجميّل وميشال عون وسليمان فرنجية وسمير جعجع، على مرشح منهم يمثّل المسيحيين ليقدّموه للكتل النيابية التي رمت الكرة فـي ملعبهم، وتنتظر ما سيؤول إليه الحوار بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» الذي لا يبدو أن كلاًّ من رئيسي التنظيمين ميشال عون وسمير جعجع سيتنازل أي منهما للآخر، أو يتفقا على مرشح ثالث غيرهما، أذ يصرّ عون على ترشيحه ويدعمه «حزب الله» الذي يُبلّغ كل مَن يتصل بقيادته من موفدين دوليين وإقليميين وحتى لبنانيين، بأن رئيس «تكتل الإصلاح والتغيير» هو مرشحنا الى أن يرفض هو، وعندها يجري البحث عن مرشح آخر، هو سليمان فرنجية عند «حزب الله» الذي يرفض التفاوض على مرشح وسطي أو توافقي على غرار ما حصل فـي إنتخاب ميشال سليمان الذي فرضت ظروف داخلية وأخرى خارجية أن يصل قائد الجيش الى رئاسة الجمهورية، بعد أن خلا موقع رئاسة الجمهورية نحو ستة أشهر منذ انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود فـي 22 تشرين الثاني عام 2007.
فتكرار تجربة الرئيس سليمان فـي رئاسة الجمهورية وانتخاب مرشح على صورته ومثاله، مرفوض من «حزب الله» وحلفائه اللبنانيين والخارجيين، وهو يصرّ على العماد عون الذي له تجربة معه فـي التحالف أثبت خلالها صدقيته منذ أن وقّع ورقة التفاهم مع السيد حسن نصرالله قبل تسع سنوات فـي 6 شباط من العام 2006، وقبل أشهر من العدوان الإسرائيلي على لبنان والمقاومة من صيف ذلك العام، فكان الإختبار لعون بالحديد والنار، فوقف الى جانب المقاومة وصمد الى جانبها رغم كل الضغوط من بيئته السياسية والشعبية، وتهديدات خارجية أن لا يرهن مصيره مع «حزب الله» الذي سيخسر الحرب، إلا أنه رأى ومنذ اليوم الأول للعدوان الإسرائيلي أن المقاومة ستنتصر، وهذا ما حصل وربح عون رهان قراره السياسي الصائب، وبات جزءًا من محور المقاومة الذي استُبعد عن رئاسة الجمهورية فـي العام 2008 بسبب إنتمائه إليه، لكنه فـي هذه المرحلة التي يحقق فـيها هذا المحور إنتصارات، فإن رئاسة الجمهورية لن تكون لغير عون كما يؤكّد قياديون فـي «حزب الله»، وسماه امينه العام السيد نصرالله مرشحه، وهو لم يذكره بالإسم ليحرقه أو يناور عليه، بل لينتخب رئيساً للجمهورية وفاءً له على مواقفه الوطنية ووقوفه الى جانب المقاومة، وتأييده للنظام السوري فـي محاربة الإرهاب، ومنذ الأيام الأولى للمؤامرة على سوريا، وفق توصيف عون ما يحصل فـيها وقرّر أن يكون الى جانب الدولة السورية بما تمثّل من مؤسسات ووحدة المجتمع السوري، وقد أصاب فـي قراءته وتحليله وإعلان موقفه، وهو بهذا التوصيف السياسي، يلقى تأييداً من «حزب الله» ودعماً من الرئيس السوري بشار الأسد الذي صمد فـي وجه المتآمرين على سوريا كموقع متقدم للمقاومة.
فرئاسة الجمهورية فـي لبنان، وإن كان يتم ربطها فـي التطورات الخارجية، وما يجري فـي سوريا ودول أخرى، إلاّ أنها مازالت صناعة لبنانية، وهو ما يؤكّد عليه السيد نصرالله، من خلال رفضه مقولة أن السعودية وإيران تقرران فقط مصير إنتخابات رئاسة الجمهورية، أو ما سينتج من خلال محادثات إيران مع الدول الست حول برنامجها النووي، أو ماذا سيحصل فـي أوكرانيا، فكل هذه الأزمات والملفات ليست مرتبطة بالإستحقاق الرئاسي، بل هو مرتبط بما يتفق عليه اللبنانيون، وأن حواراتهم يجب ان تدور حول لبننته ، سواء الحوار الذي يجري بين «تيار المستقبل» و«حزب الله» أو «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر»، أو ما بين الأخير و«تيار المستقبل»، أو من خلال مبادرات داخلية، تتمحور كلها حول كيفية إمكان التوصل الى مرشح يكون له تمثيل حقيقي فـي طائفته المسيحية أو تحالفاته الوطنية.
ولقد سعى مدير دائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فـي وزارة الخارجية الفرنسية جان فرانسوا جيرو، أن يلعب دوراً فـي الإستحقاق الرئاسي اللبناني، وبدأ مهمته قبل أشهر، وزار دولاً مؤثرة فـيه كالسعودية وإيران ثم الفاتيكان وتوجّه الى مصر التي لعبت دوراً مع أميركا فـي وصول ميشال سليمان عام 2008، لكنه فـي كل جولاته لم يوفق بأن يؤمن إتفاقاً إقليمياً على رئاسة الجمهورية، بعد أن نال موافقة أميركا أن تعود فرنسا الى لبنان من خلال الملف الرئاسي، وهي تعرف تعقيداته، إذ لم يوفق الموفد الفرنسي فـي حلحلة لا العِقد الخارجية ولا الداخلية اللبنانية، ففـي طهران كان جواب المسؤولين الإيرانيين، أن ملف رئاسة الجمهورية شأن داخلي لبناني، وما يقرره «حزب الله» وحلفاؤه نؤيّده، فـي حين كان الجواب فـي الرياض أن المسؤولين السعوديين يرفضون مرشحاً يعطي نفوذاً لإيران، وهم لا يرون بالعماد عون مرشحاً حيادياً، ولا يمانعون بترشيح شخصية حيادية، وكانوا يتمنون التمديد للرئيس ميشال سليمان، أما ولم يحصل فإن ثمة مرشحين يمكن القبول بهم مثل جان عبيد وقائد الجيش جان قهوجي أو روبير غانم أو رياض سلامة أو السفـير جورج خوري الذي يسوّق إسمه الرئيس سعد الحريري.
أمام هذه المعطيات، فإن الموفد الفرنسي، ولا يوجد أحد غيره يقوم باستطلاع آراء حول إنتخابات رئاسة الجمهورية، لأن كل الدول مشغولة فـي أزماتها وحروبها، حتى أن نائب وزير الخارجية الروسية نيكولا بوغدانوف عندما زار لبنان قبل أشهر لم يحمل معه مبادرة حولها، بل نصائح روسية أن تحصل الإنتخابات للحفاظ على الإستقرار المضمون دولياً وعلى اللبنانيين الإستفادة من فرصة وجود قرار دولي – إقليمي
بعدم تفجير الساحة اللبنانية التي يقع على اللاعبين اللبنانيين مهمّة الوصول الى حل سياسي فـيما بينهم وإنتخاب رئيس للجمهورية.
و فـي زيارته الأخيرة الى لبنان غادر الموفد الفرنسي خالي الوفاض، وقد استبشر خيراً من الحوارات الداخلية وتحديداً من حوار «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر»، لكنه لمس تباعداً بين الطر فـين حول رئاسة الجمهورية، كما هو الحال حوار «تيار المستقبل» و«حزب الله»، إذ أن كل طرف يتمسك بموقفه، لذلك قرّر التوجه الى الفاتيكان كمرجعية مسيحية مع إنشغال الدول الأخرى، وطرح موضوع رئاسة الجمهورية وضرورة تدخل الكنيسة فـي فرض مرشح توافقي، وأن يمارس البطريرك الماروني دوراً فـي الضغط على الأطراف المسيحية، كي لا تسقط رئاسة الجمهورية من المسيحيين فـي ظل التطورات الحاصلة فـي المنطقة ولبنان من ضمنها فـي تغيير الحدود وخلق جغرا فـية سياسية جديدة وتكوين دول، وصعود الحركات الإسلامية المتطرفة، مما يفرض على الفاتيكان أن يقول كلمته طالما اعتبر لبنان رسالة فـي هذا الشرق.
فإنتخابات رئاسة الجمهورية مؤجلة الى أجل غير مسمى، بالرغم من وضع تواريخ لها بأنها ستحصل، وقد استهلكت عدداً منها، فكان موعد قبل شهر رمضان، ثم قبل نهاية الصيف فـي أيلول، ثم قبل عيد الإستقلال فـي 22 تشرين الثاني الماضي، وأن رئيساً جديداً للجمهورية سيحضر المناسبة، ثم كان موعد قبل نهاية العام المنصرم، حتى قيل أن رئيساً سيحضر قداس مار مارون، وبين كل هذه المواعيد، كان يتم ربط هذا الإستحقاق بملفات خارجية، منها البرنامج النووي، والتقارب السعودي – الإيراني، وإعادة إنتخاب بشار الأسد رئساً للجمهورية لدورة ثالثة.
كل هذه الإستحقاقات والمواعيد بقيت بعيدة عن حصول إنتخابات رئاسة الجمهورية التي قد يمضي العام الأول على شغورها دون أن يتمكّن اللبنانيون من إنتخاب رئيسهم الذي يمنع حصوله، هو التحالفات السياسية الداخلية، وتوزع المرشحين على ثلاث قوى 8 و14 آذار والوسطية، وأن أيّاً منها لن يتنازل للآخر، كما لن يتفقوا على مرشح من غير صفوفهم، وكذلك إرتباط الأطراف الداخلية بمحاور خارجية تقيس إنتخابات رئاسة الجمهورية على ما يحصل فـي الساحات والميادين الأخرى من سوريا الى العراق فاليمن وليبيا ومصر وصولاً الى أوكرانيا.
Leave a Reply