عماد مرمل
قبل ايام احتفل التيار الوطني الحر وحزب الله بمرور تسع سنوات على توقيع وثيقة التفاهم بينهما، فـي 6شباط 2006 بكنيسة مار مخايل الواقعة على خط التماس السابق بين منطقتي الشياح وعين الرمانة.
وقد جاء التفاهم فـي ذلك الحين ليزيل خط التماس الذي كان لا يزال قائما بين النفوس، ويعيد وصل ما انقطع خلال الحرب الاهلية على مستوى العلاقات الانسانية قبل السياسية.
بهذا المعنى، يُسجل لـ«التفاهم» انه أزال المتاريس والسواتر النفسية، بين شريحتين واسعتين فـي الطائفتين الاسلامية والمسيحية، وأتاح لهما فرصة للتفاهم والتفاعل، عن قُرب، بعد سنوات من التباعد والانقسام والنيات المضمرة والاحكام المسبقة.
وعليه، فإن من مميزات هذا «التفاهم» انه تدرج من القيادة الى الجمهور، فلم يكن نخبويا او فوقيا، بل اكتسب نبض الشارع، واكتسى لحما ودما، حتى غدا عابرا للمناطق والقواعد، الامر الذي منحه مناعة وطنية، سمحت له بالصمود امام العديد من الاختبارات الصعبة، وعبورها بنجاح وسلام.
وهكذا، أصبح الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله رمزا يحظى بالتقدير والاحترام لدى الكثير من المسيحيين المناصرين للتيار الوطني الحر، تماما كما ان العماد ميشال عون بات يملك مساحة واسعة من الحضور فـي وجدان الشيعة المؤيدين للحزب.
ومع مرور الوقت وتلاحق التحديات التي اتخذ بعضها طابعا مصيريا، تطور «التفاهم» بين الحزب والتيار الى «تحالف»، ومن ثم ارتقى «التحالف» الى مرتبة «التكامل الوجودي» فـي مواجهة خطري التهديد الاسرائيلي والارهاب التكفـيري، كما سبق ان أكد عون نفسه مؤخرا.
أكثر من ذلك، بدا ان تفاهم «الاصفر» و«البرتقالي» الذي كان موقع انتقاد وتوجس من قبل العديد من الاطراف الداخلية عند الإعلان عنه، بات اليوم «نموذجا» يحاول الآخرون الإقتداء به، بمعزل عما إذا كانوا سينجحون فـي المحاولة أم لا، فها هو تيار المستقبل يخوض حوارا مع «حزب الله»، وها هي القوات اللبنانية تخوض حوارا مماثلا مع «التيار الوطني الحر».
ويؤكد العماد عون لـ«صدى الوطن» ان وثيقة التفاهم التي وقعها مع السيد نصرالله قبل تسع سنوات، أثبتت جدواها، لافتا الانتباه الى ان التجارب أكدت صحة هذا الخيار الذي ساهم فـي حماية الاستقرار الداخلي والسلم الاهلي، وقال «فـي أصعب الظروف وأخطرها، كما حصل عام 2006، حين شنت اسرائيل حرب تموز بكل تداعياتها المعروفة، وهي حرب لم تكن عسكرية فقط، إذ رافقتها وتلتها ضغوط سياسية شديدة مورست عليّ من قبل الاميركيين والاوروبيين، لفك علاقتي بالمقاومة، لكنني رفضت الخضوع لهذه الضغوط، وتمسكت بموقفـي المبدئي والبديهي الداعم لشريكي فـي الوطن، فـي مواجهة العدوان».
ويشير عون الى ان القواسم المشتركة التي تجمع التيار بالحزب ليست سياسية فقط، إذ نحن نتشابه فـي التجارب التاريخية والعادات الاجتماعية والمستوى الطبقي وفعل المقاومة.
ويعتبر عون ان مسار الاحداث فـي لبنان والمنطقة أكد صوابية خياراته الاستراتيجية التي باتت كفتها هي الراجحة فـي هذه المرحلة، لافتا الانتباه الى ان المطلوب من الآخرين داخليا وإقليميا تقبل هذه الحقيقة والاعتياد عليها، ومن ثم العمل بمقتضاها فـي السياسة.
ويوضح عون انه إذا كان قد نجح فـي بناء تحالف متين مع مكوّن شيعي أساسي هو حزب الله بعد حوار، فمن الطبيعي ان يدخل فـي حوار مع القوات اللبنانية سعيا الى تحقيق تفاهم ما، يريح الساحة المسيحية، مضيفا: هل يجوز ان يتحاور حزب الله وتيار المستقبل، بينما يستمر «التيار» و«القوات» فـي حالة من العداء والقطيعة؟ ماذا نقول فـي هذه الحال للمسيحيين الذين يتطلعون الى تجاوز مرحلة الصراعات الحادة نحو الاتفاق او أقله تنظيم الخلاف.
ويشدد عون على ان حواره مع جعجع انطلق من ثابتة محسومة، وهي انه لا مكان على طاولة النقاش لمعادلة «المرشح التسووي» الى رئاسة الجمهورية.
وإذا كانت وثيقة التفاهم بين التيار الحر وحزب الله قد تميزت بالصلابة فـي مواجهة الرياح ونجحت فـي تفكيك الألغام التي اعترضت طريقها، بدءا من الاستهدافات الخارجية وانتهاء بالاعتراضات الداخلية، إلا ان ذلك لا ينفـي ان بعض التمايزات ظهرت بين طر فـيها خلال الاعوام الماضية، على الصعيد الداخلي، بفعل التفاوت أحيانا فـي ترتيب الاولويات بين الحزب الذي يعطي الافضلية عموما لأولوية الصراع مع اسرائيل، والتيار الذي يمنح الارجحية لملف الاصلاح الداخلي ومكافحة الفساد.
وقد برز هذا التباين فـي مناسبات عدة، كشفت عن مقاربات متمايزة لمسائل نيابية او وزارية، لكن سرعان ما كان يتم احتواء الامر، لا سيما ان هناك قرارا كبيرا متخذا من نصرالله وعون بحماية التحالف وصيانته، وكان يك فـي فـي كل مرة ان يلتقي الرجلان حتى يزول كل التباس او سوء تفاهم.
ومن الواضح ان العلاقة الشخصية المميزة والتقاء الكيمياء بين نصرالله عون أديا دورا حيويا فـي إنجاح «التحالف» ورفده بأسباب النضارة المستمرة. وليس خا فـيا ان الموقف التاريخي الذي اتخذه الجنرال خلال حرب تموز قد ترك أثره العميق، وبعيد المدى، لدى قيادة الحزب عموما ونصرالله خصوصا.
وعلى قاعدة هذا الرصيد المتراكم منذ 6 شباط 2006 فـي حساب وثيقة التفاهم، يمكن فهم دعم حزب الله غير المحدود لعون فـي معركتين أساسيتين تعنيانه كثيرا، الاولى تتصل بقانون الانتخاب والثانية تتعلق برئاسة الجمهورية، إذ ان الحزب أبدى الاستعداد للموافقة على اي تقسيم للدوائر الانتخابية يريح حليفه ويسمح بتصحيح التمثيل المسيحي فـي مجلس النواب، وجاهر علنا بتأييد ترشيح عون الى الرئاسة داعيا كل من يحاول الضغط عليه فـي هذا الملف الى مراجعة رئيس تكتل التغيير والاصلاح باعتباره صاحب الكلمة الفصل فـي الاستحقاق الرئاسي، من وجهة نظر الحزب.
وقد جاء تعاظم الخطر التكفـيري، ليعزز قناعة الطرفين بضرورة التحالف وأهميته، لاسيما انهما يُصنفان فـي طليعة المهددين بإرهاب المجموعات المتطرفة التي ترفض الاعتراف بـ«الآخر»، وتسعى الى إلغائه او تطويعه.
Leave a Reply