نحن نعيش وسط أوقات حرجة من تاريخ بلادنا وجاليتنا وفـي زمن تحوَّل فـيه التعصب المستشري والكراهية البغيضة ضد الأجانب والعنصرية ضد العرب والمسلمين، إلى أعمال عنف واجرام تمثَّلت مؤخراً بخسارة ثلاثة أرواح عربية واعدة بريئة فـي مدينة «شابل هيل» بولاية نورث كارولينا. قضية الضحايا الثلاث أقلقت الأسر التي يتشابه أبناؤها مع ضياء بركات ويُسر ورزان أبو صالحة، وقضت مضاجع العوائل التي تتشارك مع الضحايا بالدين والعرق وحتى ملامح الشكل الخارجي.
وقد وصل الخطاب العنصري ضد العرب والمسلمين إلى مرحلة الخطر. «عد إلى بلدك» هو شعار تنعق به عادةً الحناجر المتعصِّبة فـي كل مرة تقع فيها علينا ظلامة ما. ويصاحب هذا الهجوم اللغوي تصاعد وتيرة التهديدات المشينة ضد المسلمين على الشبكة العنكبوتية العالمية.
ففـيما كانت قبة مركز إسلامي تحترق فـي مدينة هيوستن بولاية تكساس نتيجة فعلٍ متعمَّد دافعه الكراهية، كتب رجل إطفاء متقاعد من المنطقة ذاتها على صفحته فـي وسائل التواصل الاجتماعي «دعه (المركز) يحترق ..احجبوا عنه المضخة الهيدروليكية (مطفئة النار)».
ويوم الخميس الماضي، صدرت تغريدة لأحد الحاقدين على «تويتر» تدعو إلى «حرق ديربورن كلها» مع هاشتاغ بعنوان «تباً للإسلام» جرى تعميمه على وسائل التواصل الإجتماعي.
وكتب أحد مستخدمي الفـيسبوك على صفحته بكل صفاقة «أنا سأتخلى عن صيد الغزلان هذا العام فأنا أعتقد أن اصطياد المسلمين من الأسهل على أي حال». هذا الحقد المسموم كانت له أيضاً جولات وصولات مؤيدة على شبكة الإنترنت.
وهذه هي عينة فقط بما تفكر فـيه شريحة واسعة من الأميركيين اليوم، والمصيبة أن حالنا قبل ظهور الجماعات التكفـيرية المستترة بالإسلام كانت بالويل، فكيف الآن بعد مشاهد الذبح والحرق فـي الأقفاص والمتاجرة بالنساء؟! بالأمس كنَّا على الأقل نحاور ونحارب بالكلمة، وكان الرد علينا بالكلمة وبعض الحين بالترهيب. وكانت المعركة محصورة مع اللوبي الاسرائيلي وتوابعه فـي أميركا فقط مع قليل من التعاطف معنا من قبل بعض الساسة والمنظمات الخيرية والحقوقية، لكن التكفـيريين جعلوا من كل أميركي اليوم مرشَّح عدو. لهذا السبب كنا فـي «صدى الوطن» نحذِّر دوماً من أية مظاهر من شانها أنْ تسعِّر الكراهية وتضرم نار الحقد المستعرة أصلاً ضد العرب الأميركيين والمسلمين. وهذه النتيجة التي وصلنا اليها اليوم، أنْ تصل الجرأة بالحاقدين الموتورين إلى أنْ ينادوا بحرق واصطياد العرب والمسلمين كالغزلان، فـي وضح النهار وعلى رؤوس الأشهاد من دون خوفٍ أو خجل، مما يعني أننا فعلاً أصبحنا فـي دائرة الخطر الوجودي!
ولا يقتصر الأمر على «شابل هيل» و«هيوستن» بل وصل الخطر الى عقر دارنا فـي مترو ديترويت التي كانت محصَّنة نسبياً نوعاً ما فـي السابق بسبب وجود جاليات حليفة عرقية متعددة ومتنوعة فـي المنطقة أكبرها الجالية الأفريقية الأميركية، وما هجوم رجلين أبيضين من مدينة تايلور المحاذية لمدينة ديربورن عرين الجالية العربية وعاصمتهم ضد عربي أميركي مسلم وعائلته فـي «كروغر» سوبر ماركت فـي ديربورن، إلا مقدمة للآتي وهو الأعظم إذا لم نتحد ونتدارك هذه المخاطر المحدقة بنا من كل حدبٍ وصوب.
ولكن على الرغم من هذه الأوقات المؤلمة، لا ينبغي علينا أنْ نسقط فـي مطب المضحَّى بهم، ولا أن نحزم حقائبنا ونرحل.بل يجب علينا أن نرتفع ونرتقي لكي نبدد حجب الكراهية ونمنع انتشارها من خلال تسليط الضوء على مساهماتنا فـي رفع شأن الأمة وجعل إخواننا فـي المواطنية الأميركيين يرون أننا لا نقبل بوقوع أي نوع من الإرهاب أو التطرف علينا وعليهم.
شلالات الكراهية تتدفق بقوة فـي هذا البلد، لذا ليس من المفروض أنْ نتحمل نحن تبعة القيام ببرهان أو إثبات أي شيء. ولا ينبغي لنا أن نعتذر عن حقيقة وجودنا، لكن حملات التضليل والتشويه و«الإسلاموفوبيا» لم تترك لنا أي خيار سوى محاولة تصحيح الصورة الخاطئة عنا من قبل الغير من خلال قيامنا بمبادرات التوعية والتثقيف الحقيقي.
وعملية التوعية يجب أن تكون من خلال جهد جماعي لا فردياً، ولكن للأسف الشديد مجتمعاتنا منقسمة على أسس لا تعد ولا تحصى- وطنية وسياسية ومصالح شخصية، والأكثر خطورة من كل ذلك، مذهبية.
فأولئك الذين يكرهوننا يمارسون التمييز العنصري علينا جميعاً من دون استثناء، مسلمين ومسيحيين، عرباً وكلداناً وسرياناً وباقي الأقليات، لبنانيين وسوريين وأردنيين وفلسطينيين ومصريين ويمنيين وخليجيين . لم يسأل القاتل المجرم منفذ مجزرة «شابل هيل»، ضياء عمّا إذا كان من الشيعة أو السنة. ولم يهمُّه إذا كانت يُسر مؤيدة للنظام السوري أو للمعارضة المسلَّحة. لقد قتل رزان بدم بارد، ولم تفرق عنده جنسيتها فـيما لو كانت سورية أو لبنانية أو يمنية.
والشيء بالشيء يذكر، نفس الموضوع ينطبق على الرجل العربي المسلم الذي هوجم من قبل الرجلين المتعصبين فـي «كروغر» فـي ديربورننا (نعم ديربورننا نحن) فلم يسأل المعتديان عمّا إذا كان قد صلى يوم الجمعة الماضي فـي المركز الإسلامي فـي أميركا أو فـي الـ«سيفـيك سنتر». كما لم يهم مسؤولي بلدية وست بلومفـيلد أن الكلدان هم من المسيحيين، إذ أنهم لا يريدون مشاركتهم الحكم فـي البلدية لانهم يشملونهم كباقي العرب بجريرة التعصب الأعمى!
يجب أن نرتفع فوق خلافاتنا وننبذ ما يفرقنا، لأن أعداءنا لا يعترفون بها ولا يعيرونها اهتماما فكلنا فـي الهم شرق وكلنا فـي نظرهم عرب.
لقد أبلت منظمات مجتمعنا المدني بلاءاً حسناً حيث ضاعفت نشاطها وأحدثت صخباً وحراكاً عبر التحدث علناً ضد كراهية الأجانب منذ مجزرة «شابل هيل». ولكن هذه الحمية والزخم فـي حملاتنا كان يجب أنْ ينصبا على الإجراءات الوقائية وقول الحقيقة حول مجتمعنا وجاليتنا، وليس القيام فقط برد فعل على كل مأساة تقع بعد فوات الأوان.
نحن بحاجة لجهود وأنشطة قوية وممولة جيداً لنفـي الدعاية السلبية التي تساوي بيننا وبين التطرف.
من الناحية الفردية، كل واحد منا هو ممثل لمجتمعنا فعلينا أن نعكس الصورة المشرقة لأنفسنا من خلال كوننا مواطنين مثاليين. وعلينا أيضاً أن نستخدام وسائل التواصل الاجتماعي لتلميع صورة جاليتنا السلمية الحضارية. لقد اقتضت الظروف أنْ تكون مسؤولياتنا مضاعفة فعلينا تحملها لان الظرف استثنائي جداً وحتى تنزاح الغمة عن حياة هذه الأمة.
وليبقى ماثلاً أمامنا أنَّ كل خططنا قد تذهب هباءاً منثوراً إذا لم نتفاعل مع أمتنا الأميركية، وعندها نصبح غرباء فـي بلدنا. وإذا قمنا بعزل أنفسنا فـي بيوتنا وشوارعنا وأحيائنا واقتصرنا فـي تعاملنا مع بعضنا البعض فقط، نكون قد أخفـينا حقيقتنا المشرقة عن مواطنينا الأميركيين كمتفاعلين ضمن المجتمع الكبير، والإنسان عادةً عدو ما يجهل. فلنتفادى المصير الأندلسي قبل فوات الأوان يا أخوات ويا إخوان.
Leave a Reply