فاطمة الزين هاشم
الحبّ الصادق نعمة من نعم الله عزّ وجل، منحها للبشر كي تدخل السكينة على القلوب وتدفئ بحرارتها البيوت الباردة وتنعش الأفئدة وتجعلها نقية كالسماء وجميلة كالملائكة.
عرضت البارحة إحدى المحطات التلفزيونية حالة من حالات الحب النادر والوفاء المنقطع النظير الذي لا نراه ولا نسمع عنه فـي أيامنا هذه قط، القصة تتلخص فـي أن الزوجة أصيبت سنة 2013 بمرض فـي رأسها فسقطت أرضاً مغشياً عليها، اتصلت ابنتها بالإسعاف ونقلتها إلى المستشفى، لكن حظها العاثر أدخلها فـي (كوما) بسبب نقص الأوكسجين إلى المخ قبل وصول الإسعاف إلى المستشفى.
بقيت هكذا لمدة من الزمن، وعندما استعادت وعيها كانت مصابة بشلل كلي لا يتحرك أي من أعضاء جسمها باستثناء رأسها فقط، حتى أنها لا تستطيع تناول الطعام من فمها مما اضطر الأطباء لإجراء فتحة صغيرة فـي البطن موصولة بأنبوب يحقن به الطعام بواسطة (سيرنج) أي حقنة كي تتغذى، ويقوم الزوج على خدمتها وينطف جسدها ويقلبها من جهة إلى أخرى، ويبكي ويردد: أنت حبيبتي وحياتي وكل شيء فـي هذه الدنيا وهي مبتسمة دائماً بسبب اختلال بعضلات الوجه، تحاول أن تغرد بكلمات غير مفهومة لكن كلها حبور وسعادة، تشرد عيناها عبر النافذة حيث يخيم السكون على المكان فتشعر بالإطمئنان.
لم يهمل الزوج حبيبته، بل عرضها على أطباء كثر، حتى أنه باع أرضه وكل ما يملك فـي سبيل علاجها وإعادتها للحياة الطبيعية من جديد لكن دون جدوى، وفـي إحدى المرات أصدر شيكاً بدون رصيد لشراء أدوية لها وكان نصيبه السجن لمدة 37 يوماً، كان خلالها ينتحب ليل نهار فـي سجنه خوفاً عليها حتى أنه طلب من أولاده أن يأخذوا لها صورة ويعطوه إياها ليضعها على صدره عله ينعم برائحتها، أما هي فقد رفضت الأكل والشرب وأخذت تصرخ ليل نهار: (طارق..طارق)، لم يبق فـي ذاكرتها سوى اسمه فقط، وعندما خرج من السجن كان عيد العشاق أو عيد الحب كما يسمونه يرفرف بجناحيه على المحبين، لم يترك المناسبىة تفوته، إشترى لها باقة كبيرة من الورد الأحمر وبالونات ودخل عليها الغرفة بورع عاطفـي ولهفة صادقة، إنحنى فوق رأسها وأخذ يحضنها ويقبلها ويقول: حبيبتي هذا عيد العشاق وأنت عشيقتي الأبدية وحبي الذي لا يندثر وقلبي الذي لا يموت وأنت فـيه.
لا أخفـي سراً أنه أبكاني ولشدة تأثري بهذا المنظر الصادق الجميل، لكن ما حز فـي قلبي أنها لا تستطيع الحراك لتبادله العناق، رغم أن تقاطيع وجهها ونظراتها له كانت بمثابة مبادلة كاملة وتعبير عن سرورها بوجوده، استضافه مقدم البرنامج (طوني خليفة) وبادره بالسؤال: ما هذا الحب الجارف والإخلاص المتفاني إلى أبعد الحدود؟ هل يوجد رجال فـي هذا الزمان عندهم هذا الوفاء العظيم؟ فما كان منه إلا أن انتفض ودموعه تسيل على وجهه قائلاً: هل تظنها إذا رحلت أتركها ترحل لوحدها؟ لا قطعاً سأرحل معها بنفس الدقيقة، هل يستحق الإنسان أن يطلق عليه هذا الإسم إذا كان خالياً من الإنسانية وعديم الوفاء لزوجته وأم أولاده؟ فنظر إليه المضيف بكل احترام وامتنان.
أنا متأكدة من أن جميع نساء العالم تمنين أن يكن مشلولات ويعشن بوجود رجل إلى جانبهن بهذه الخصال النادرة والوفاء ومشاعر الحب الدافئ والنية الصادقة، 23 سنة قضاها هذا الزوج مع زوجته كما أقر بذلك لمقدم البرنامج، ورفض أن يرمي عشرة السنين فـي صندوق القمامة ويتهرب من مسؤوليته تجاه رفـيقة العمر فـي مرضها بل ازداد حباً وشغفاً بها ورفض أن ترحل بدونه، طوبى لهذا الزوج الشهم الأصيل صاحب المبادئ النظيفة الطاهرة لأنه رجل وليس ذكراً.
Leave a Reply