ديربورن – سامر حجازي
التحقيق فـي حادث الاعتداء على رجل مسلم يبلغ من العمر ٦١ عاماً من قبل رجلين أبيضين فـي محل «كروغر» الواقع على شارعي غرينفـيلد وجوي رود فـي مدينة ديربورن فـي وقت سابق من هذا الشهر، هو مصدر قلق متزايد لدى السكان وجماعات الحقوق المدنية فـي هذه المنطقة.
الحادث وقع بعد ثلاثة أيام فقط من إعدام ثلاثة من الطلاب المسلمين فـي ولاية نورث كارولينا على يد رجل ابيض، والذي دقَّ جرس الإنذار لدى الجالية المسلمة فـي ميشيغن.
الرجل المسلم كان يتسوق مع أطفاله يوم الخميس ١٢ شباط (فبراير) حوالي الساعة ٥:٥٥ مساءاً عندما تصادف مساره مع مسار رجلين من مدينة تايلور.
ووفقاً لشهود عيان تبادل الطرفان بعض العبارات الساخنة فـي مواجهة كلامية سرعان ما تحولت الى اشتباك وعراك بالايدي. وزُعم إأن الرجلين الأبيضين تفوها بتعابير مهينة للأسرة المسلمة من قبيل «عودوا الى بلادكم» عدا عن وصفها «بالإرهاب» وربطها بـ«داعش». كما زُعم ان الرجلين نهرا إبنة الرجل المسلم التي كانت ترتدي الحجاب بالقول: «انزعي هذه الخرقة البالية من رأسك».
وتوقف المشهد العنفـي بعد تدخُّل الموظفـين من كروغر والمتسوقين، الذين أخطروا الشرطة، ولكن الرجلين المعتديين فرا من مكان الحادث قبل وصول عناصر الشرطة.
وبعد ورود تفاصيل من روايات شهود العيان مارس السكان ومنظمات الحقوق المدنية ضغوطاً على السلطات المحلية والفـيدرالية للتحقيق فـي ما إذا كان ينبغي أن يُصنف الهجوم باعتباره جريمة كراهية فـيدرالية يعاقب عليها القانون.
وفـي الأيام التالية التي أعقبت التحقيق، قال رئيس البلدية جاك أورايلي لوسائل الإعلام ان الرجل المسلم سُمع يتحدث بالعربية لأولاده، الأمر الذي قد يكون تسبب فـي الإعتداء. وطبقاً للبلدية، أصيب المعتديان الإثنان إصابات أبلغ من إصابات الرجل المسلم المعتدى عليه خلال المواجهة.
وفـي بيان صحفـي صادر عن البلدية يوم الجمعة ٢٠ شباط (فبراير)، وصف الحادث بأنه «الاعتداء المزعوم» الذي لم يستوف شروط تصنيفه على أنه «جريمة كراهية» ويستحق الملاحقة القضائية الفـيدرالية.
«لقد تم عرض جميع الحقائق التي جمعت مع شركائنا فـي وكالات إنفاذ القانون على المستوى الفـيدرالي وتقرر أن عناصر جريمة الكراهية للملاحقة القضائية الفـيدرالية لم تتحقق فـي هذه الحالة»، كما ذكر البيان الصحفـي.
وأضاف البيان أن لا أدلة كافـية تم تجميعها لتحديد ما إذا كانت «اللغة المسيئة» استُخدمت خلال المشاجرة. وأشار «على الرغم من أن لغة مسيئة قد تم تبادلها مع تطور المشادة، ليس لدينا معطيات ذات مصداقية أو أدلة، بما فـي ذلك الفـيديو المحدود الذي تم توفره لنا، تثبت ادعاء وقوع مشادة على أساس الدين أو العرق أو الإثنية بين أي من المتقاتلين».
وعلى مدار الأسبوع، كانت هناك أيضاً تقارير متضاربة بشأن ما إذا كان التحقيق قد اكتمل قبل إصدار البلدية للبيان الصحفـي. وقال العديد من المواطنين لـ«صدى الوطن» إنهم اتصلوا بالبلدية هذا الأسبوع، وقيل لهم إنه لم يتم إنجاز التحقيق فـي القضية. وقال الملازم دوغ توبولسكي من إدارة شرطة ديربورن لـ«صدى الوطن» يوم الخميس ٢٦ شباط (فبراير) ان التحقيق تم تسليمه رسمياً إلى مكتب الادعاء العام فـي مقاطعة وين «قبل يوم أو يومين» لمراجعة ما إذا كانت القضية تفـي بشروط قانون ولاية ميشيغن الخاص «بالترهيب العرقي». وأضاف ان مكتب التحقيقات الفـيدرالي «أف بي آي» كان ضالعاً فـي التحقيق فـي وقت مبكر.
«وتم تسليم الـ«أف بي آي» الحقائق الثابتة التي كانت لدينا والتي تفـيد بعدم وجود ترهيب عرقي وأنا لست متأكداً من الوكيل الذي استخلص هذا القرار»، كما ذكر توبولسكي.
وأضاف إنه «نظراً للتصريحات المتضاربة من قبل الشهود مما، جعل المحققين غير قادرين على تحديد من الذي بدأ العراك»، وعلمت «صدى الوطن» من مصادر الشرطة أن مقابلات اجريت مع ٥ إلى ١٠ شهود أثناء سير التحقيق ووضعت كلها بتصرف مكتب مدعي عام مقاطعة وين حيث سيتم اتخاذ القرار بشأن ذلك ويمكن للإدعاء طلب المزيد من المعلومات منا كما ان رجال المباحث عندنا قاموا باجراء تحقيق شامل. وقالت الشاهدة كاثي ماكميلان بزي، التي كانت تتسوق فـي «كروغر» خلال العراك ان رجلين من مدينة تايلور كانا المعتدين فـي الهجوم، وأنها سمعتهما يتلفظان بكلمات مهينة للعائلة التي تقطن فـي ديربورن. وقد أجرى المقابلة معها رجال المباحث فـي الأيام التي تلت الحادث، لكنها قالت نقلاً عنهم إنها قد تضطر إلى إجراء اختبار لكشف الكذب للتحقق من صحة ادعاءاتها.
وعندما سُئل الملازم توبولسكي لماذا لم توجه التهم ضد المعتدين من تايلور بارتكاب جريمة ولو مخففة، زعم أن الإصابات التي لحقت بهما فـي المشادة لا تبرر توجيه اي تهم اليهم. واستطرد«إن الإصابات التي وقعت لم تقترب حتى من «جرم الهجوم العنيف» ولكن ربما تكون «جنحة هجوم واعتداء بالضرب» وقد قررنا أنه ربما يجب على مكتب الإدعاء فـي مقاطعة وين تقدير الموقف وتوجيه التهم المناسبة».
وقال بيتر هامر، أستاذ القانون ومدير مركز «دامون ج. كيث للحقوق المدنية» فـي كلية الحقوق فـي جامعة وين ستايت، انه قلق من أن إصدارالبيان الصحفـي للبلدية فـي الاسبوع الماضي قد كان من السابق لأوانه قليلاً.
وأردف «كان انطباعي الأول أنه لم يكن لدينا ما يكفـي من المعلومات لاستخلاص الاستنتاجات الموضوعية» وقد تعززت لدي مخاوف من اننا تسرعنا فـي الاستنتاجات القانونية من دون القيام بإجراء تحقيق وافٍ وكاف.
وأشار أنه استناداً الى افادات الشهود والتصريحات التي أدلت بها البلدية، فمن المحتمل جداً أن المواجهة يمكن أن تكون قد بدأت بسبب قضايا الدين أو الأصل القومي أو العرقي «ويبدو انه كان هناك ما يكفـي من العداء تجاه المجتمع العربي والإسلامي وقد صممت هذه القوانين على نطاق واسع للتأكد من عدم استهداف الناس على أساس العرق أو الأصل القومي أو العرقي، وهذا النوع من الحوادث يبرر حصول تحقيق دقيق جداً. ليس هناك شك فـي ذهني أنه إذا كان هذا الشخص المعتدى عليه ليس من أصول عربية أميركية، لكان المتسوقون قد مضوا للتسوق وكأنَّ شيئاً لم يكن ولما كان أحد منا يتحدث عن هذا الموضوع الآن».
ووفقاً للمحققين فـي ديربورن، قرر مكتب التحقيقات الفـيدرالي أن الحادث لم يبرر تصنيفه بجريمة كراهية. وقال المحققون فـي قسم الشرطة لـ«صدى الوطن» إن التلميح بان البلدية هي التي أخذت هذا القرار منفردة هو خطأ.
القلق والارتباك فـي القضية استمر ليلقي بظلاله على التحقيق. وقد قامت ثلاثة مساجد فـي مدينة ديربورن بتشكيل لجان مهمتها إجراء المكالمات اليومية وبعث رسائل البريد الإلكتروني لرئيس البلدية جاك أورايلي ورئيس قسم الشرطة رون حداد. وجهودهم النشطة هذه هي للتعبير عن قلقهم حول لماذا وكيف نأت الشرطة عن توجيه أي اتهام لأي شخص بارتكاب جريمة، وفقاً للمنسقين فـي القضية.
وقال داود وليد، المدير التنفـيذي لمجلس العلاقات الأميركية الإسلامية فـي ميشيغن (كير-ميشيغن) لـ«صدى الوطن» إن على المحققين الإفراج عن شريط فـيديو للمواطنين من أجل التوثيق وتبرير موقفهم.
ووجد وليد أن من المحير عدم توجيه التهم للرجلين بالترهيب العرقي بعد أن قال رئيس البلدية ان الحادث قد بدأ لأن الرجل المسلم سُمع يتحدث العربية.
وأضاف «اقترب هذان الرجلان منه بالفعل لأنه كان يتحدث العربية مع أولاده، وأدت المواجهة إلى هجوم، أنا لا أرى لماذا لا يُتَّهم الرجلان بالترهيب العرقي حسب قانون ميشيغن؟ يجب على شرطة ديربورن الافراج عن الفـيديو إلى الرأي العام لمعرفة ما إذا كان الحادث هو فـي الواقع ليس ناجماً عن جريمة كراهية ».
وكان الغضب من البيان الصحفـي للبلدية واضحاً بشكل كبير على وسائل التواصل الاجتماعي. فـي حين أعرب معظم المعلقين عن المخاوف بشأن عدم تصنيف الاعتداء باعتباره جريمة كراهية، وأشار آخرون إلى شكوكهم من عدم توجيه تهم اخف الى المعتدين مثل «جنحة الهجوم والاعتداء».
وتساءل وليد عما إذا كان الحادث سيصنف على أنه جريمة كراهية فـي ظل ظروف مختلفة. وقال لو كان المعتديان رجلين من المسلمين، لكان على الأرجح تم القبض عليهما واتهامهما. وتابع« سأدع هذا الحادث جانباً وافترض انه لو اقترب رجلان عربيان من يهودي أميركي فـي «كروغر» كان يتحدث بالعبرية مع أولاده، لا يخامرني أدنى شك على الإطلاق فـي أن هذين الرجلين العربيين الأميركيين سيجري اتهامهما». وعلى الرغم من وقوع الحادث فـي «كروغر» وهي شركة مقرها الرئيس فـي سينسيناتي بولاية اوهايو، والذي وضعها فـي دائرة الضوء الوطني فإنها وفـي أعقاب هذا الإعتداء، لم يصدر عنها بيان رسمي أو حتى اعتراف بوقوع الحادث. فالإتصالات الهاتفـية المتعددة ورسائل البريد الإلكتروني المرسلة من قبل كل من «صدى الوطن» ومكتب اللجنة الأميركية العربية لمكافحة التمييز الـ«اي دي سي – فرع ميشيغن» لم تلق ردوداً من الشركة عليها.
بيان بلدية ديربورن لم يلحظ خلال مراجعته للتحقيق ما اذا كان الموظفون فـي «كروغر» قد تصرفوا بطريقة سليمة وفـي الوقت المناسب اثناء العراك او بعده. ولا تزال المنظمات الحقوقية والسكان يشعرون بعدم الارتياح من نأي الشركة من الرد على الحادث، معتبرين ان هناك العديد من الأسئلة التي لا تزال تحتاج إلى إجابات.
وفـي هذا الصدد قال وليد داوود «كان ينبغي على شركة «كروغر» إصدار بيان على الأقل، إذا لم ترد الافراج عن شريط الفـيديو»، وختم بالتأكيد «ان موقف «كروغر» يظهر بوضوح لا لبس فـيه عدم احترام للجالية. لو كنت أعيش فـي تلك المنطقة، فلن اشعر بالراحة بعد اليوم بالتسوق فـي «كروغر» على الإطلاق».
Leave a Reply