خليل إسماعيل رمَّال
دولة مسخ النظام اللبناني غير قادرة على انتخاب رئيس ولا تأمين حتى أدنى مقومات العيش الكريم من ماء وكهرباء وخدمات وطبابة وتعليم وأمن صحي وغذائي واجتماعي، ولا الاستفادة من الثروات الطبيعية كالنفط الذي بدأ الساسة والزعماء يتناتشون حوله قبل استخراجه، هذا إذا حصل ولم تستولِ عليه إسرائيل أصلاً. نظام كهذا لا فـيه مجلس نواب ولا حكومة ولا وزراء لكنه يبقى يمدِّد لنفسه ولنوابه العاطلين ولموظفـيه إلى أبد الآبدين مثل العسكريين ومثل «أمين» عام مجلس الوزراء سهيل بوجي وغيرهم، وبعد ذلك يريد منه قرطة حنيكر أنْ يتخذ قرار الحرب والسلم!
بلد «داشر» لا رقيب فـيه ولا حسيب واستمراره هكذا من دون مؤسسات ومقومات بلد قائم بذاته هو بحق معجزة القرن العشرين والواحد والعشرين أيضاً. فمسخ الوطن هو الوحيد فـي العالم الذي يكرِّم عملاءه بدفنهم فـي بلداتهم الأصلية حسب وصاياهم على الرغم من إفناء حياتهم فـي خدمة العدو الإسرائيلي بل الافتخار بذلك واعتبار إسرائيل بلدهم وشارون قائدهم على حد تعبير العميل سليمان نخلة عقب وفاة العميل جميل أبو شلهوب، وذلك على الرغم من معاملة هؤلاء العملاء من قبل تل أبيب معاملة الكلاب المرمية فـي الطرقات وهذا التعبير ليس لي بل للإعلام الإسرائيلي. لم يحدث فـي العالم الغربي وغير الغربي أنْ اهتم بلد بمصير عملائه كما اهتم شبه الوطن ولا يوجد فـي أي بلد تكون العمالة فـيه محل اختلاف بين المواطنين أو وجهة نظر كما فـي لبنان.
والحديث عن العمالة لا يقتصر على الأفراد فبعض المؤسسات الإعلامية تضاهي الإعلام الصهيوني فـي حقده وسمومه وفـي مقدمتها محطتا «أم تي فـي» و«المؤسسة اللبنانية للإرسال». فبعد إعلان سمير جعجع أن لا فرق بين «داعش» وحزب الله، على طريقة تنبؤاته ومقولته الشهيرة «فليحكم الإخوان» وتقليله من خطر التكفـيريين على المسيحيين (الذين كان آخر إنجازاتهم اعتقال ٢٢٠ سريانياً فـي القرى السريانية فـي سوريا)، طلعت علينا قناة «أل بي سي» القواتية بمقابلة فـي برنامج «نهاركم تعيس» للإعلامية ديما صادق مع الدكتور حبيب فـياض الباحث والخبير فـي الشؤون الإيرانية. المقابلة لم تكن حوارا طرشان فحسب بل استفزازاً متعمداً للضيف لإثبات مقولة ملهم المحطة القواتية بأن ممارسات «داعش» لا تختلف عن ممارسات الجمهورية الإسلامية الايرانية من حيث التعذيب والجلد والحرق والقتل، مستشهدةً بالخبير العلمي الرصين السيِّد «غوغل» رغم تفنيد الضيف لهذه الفبركة المقصودة. وبلغت قلة أدب المضيفة أنها حملت الضيف الرزين على الانسحاب من الحلقة بعد أنْ انتقد المحطة ومصدرها الحقيقي جريدة «الشرق الأوسط»، السعودية، بقولها له لماذا أنت هنا إذاً؟!
يبدو أن المذيعة كانت مبسوطة بسماع صوتها اكثر من سماع رد الضيف. والمقابلة لم تكن حوار، بل كان خواراً وحديث مقاهي وتهجمات على طريقة فـيصل القاسم المقيتة. المقابلة كانت عبارة عن محاضرة من المذيعة للضيف. هكذا دولة تنتج هكذا اعلاميين. وقمة المهزلة ان محطة سمير جعجع أكبر أمراء الحرب اللبنانية تريد أنْ تطرح قضية التعذيب فـي إيران أو غير إيران. لكن التاريخ لا يكذب وأول من بدأ الميليشيات التي مارست القتل والهمجية فـي الشرق الأوسط هي داعش قوات بشير الجميِّل كما أوضح الكاتب أسعد أبو خليل فـي مقالته فـي العدد الماضي. المقاومة ليست فـي هذا القارب المشين ولا توجد نسبة حتى بين مجازر المجرمين التكفـيريين ومجازر الكتائب والأحرار والقوات وحراس الأرز خلال الحرب الأهلية.
هذه هي مدرسة مارسيل غانم الإعلامية التي تخرجت منها مي شدياق، الشهيدة «الحيّة»! مارسيل غانم هذا هو جامعة فـي التذاكي الفـينيقي ضد أخصام المحطة السياسيين وفـي دور الحمل الوديع مع أصدقائها. وقد خبره كاتب هذه السطور عندما شارك فـي تسجيل حلقته الشهيرة فـي ديترويت منذ أكثر من عشر سنوات حين كان يبث سموم حقده كما فعلت تلميذته النجيبة بعده بسنوات. لكن بتوفـيق من الله لم يغنم مارسيل بأي غنيمة إعلامية حرزانة.
مرّت مرور الكرام هذا الأسبوع أربعينية الشهيد معروف سعد أبي الفقراء الذي أدى اغتياله إلى بدء الحرب الأهلية. منذ أربعين عاماً ازداد عدد الفقراء فـي لبنان والعائلات المعدمة بينما كثر الغنى الفاحش وعلى قدر الفواحش السياسية والإعلامية تأتي الدواعش.
Leave a Reply