علي حرب
باستثناء عضو الكونغرس جون كونيوز، حضر كل ممثلي ميشيغن فـي مجلسي النوَّاب والشيوخ الاميركي الخطاب المثير للجدل لرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو فـي مبنى كابيتول هيل. قرار المشرعين فـي الولاية التي تحتوي على اعلى نسبة من العرب خارج الشرق الأوسط، اثار استياء الجالية وبالأخص النشطاء العرب الأميركيين وأدى إلى احتدام النقاش حول التأثير الضئيل بل المعدوم من قبل الجالية على السياسيين الذين يُفترض أن يمثِّلوا ناخبيهم.
والذي يحير ان عضو الكونغرس دبي دينغل، التي تمثل كل ديربورن، انتقدت دعوة رئيس مجلس النوَّاب الجمهوري لنتنياهو من دون استشارة الرئيس أوباما، ولكنها عادت وحضرت الخطاب، فـي كل الأحوال.
«قلت ان الطريقة التي تم فـيها تسليم الدعوة غير ملائمة وتعتبر خرقاً للبروتوكول الدبلوماسي»، على حد كلام دنغل فـي بيان لها يوم ٣ آذار (مارس)، قبل ساعات من خطاب نتنياهو. لكنها قبل اللحظة الحاسمة تناست دنغل كلامها واكدت انها ستحضر «لأن على الفرد منا مسؤولية الاستماع إلى قادة العالم وسماع ما لديهم ليقولوه». وقد أثار نتنياهو المخاوف بشأن برنامج إيران النووي، وذلك فـي خطوة اعتبرت انتقاداً للرئيس الأميركي الذي يحاول التوصل إلى اتفاق شامل مع إيران حول هذه القضية.
فشل الجالية
وقال المحامي علي حمود رئيس «اللجنة العربية الأميركية للعمل السياسي» (إيباك) انه يشعر بخيبة الأمل والإهانة من قبل قرار أعضاء مجلس الشيوخ ونواب ميشيغن بحضور الخطاب. وأضاف «إننا لا نقبل التعليل من قبل مكتب عضو الكونغرس دبي دنغل لأن على أعضاء الكونغرس مسؤولية تجاه ناخبيهم وبلدهم قبل أي التزام آخر تجاه زعماء العالم. وحضورهم يثير التساؤل حول احترامهم لهذا الجالية ومشاعرها إضافة الى واجبهم القومي بالوقوف الى جانب رئيس البلاد الذي انتخبه الشعب الأميركي والالتزام بمصالح الأمة الأميركية والسلم العالمي».
وأردف حمود ان العرب الأميركيين بحاجة إلى أن يشحذوا وعيهم ويشاركوا فـي القضايا التي تواجه البلاد حتى يحققوا مطالبهم وتُسمَع أصواتهم.
وتابع «إننا كجالية دائماً نقوم برد الفعل ونادراً ما نستبق الأمور قبل استفحالها. نحن بحاجة للاتصال المتواصل والمنتظم بأعضاء الكونغرس والتعبير عن قلقنا. والواقع لم يأتِ خطاب نتنياهو بجديد بل حاول بث الخوف فـي نفوس الشعب الأميركي وتقويض المفاوضات الجارية مع إيران. وكان الخطاب إهانة مباشرة إلى المكتب البيضاوي، والشعب الأميركي، والمجتمع الدولي». وقال داود وليد، المدير التنفـيذي لـ«مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية» (كير-ميشيغن) ينبغي دراسة أوجه القصور فـي الجاليات العربية والإسلامية التي فشلت فـي حث الممثلين المحليين لمقاطعة نتنياهو.
وقال وليد: «لا يتحرَّك السياسيون من دون عواقب انتخابية»، وأضاف «إنهم لا يتخذون القرارات استناداً الى الاعتبارات الأخلاقية البحتة وجل اهتمامهم ينصب على محاولة البقاء فـي منصبهم. وإذا كنا، كأفراد فـي الجالية، لا نرفع صوتنا واهتماماتنا، فلا يجب علينا أن نتوقع نتيجة مختلفة».
وأشار وليد الى عضو الكونغرس تشارلز رانغيل (ديمقراطي عن ولاية نيويورك)، الذي كان قد قرر عدم حضور الخطاب ثم تراجع، كمثال على الضغوط السياسية التي انصبت على المشرعين. ثم أردف وليد قائلاً: «أنا متأكد تماماً أن كمية المكالمات التي تلقاها رانغيل الواردة من الحملة المؤيدة لنتنياهو يفوق عدد المكالمات الواردة من العرب والمسلمين بنسبة ألف إلى واحد».
عامر زهر، الكوميدي الأميركي الفلسطيني والأستاذ المساعد فـي كلية الحقوق بجامعة ديترويت- ميرسي، انتقد المنظمات العربية الأميركية لعدم الضغط على المشرعين المحليين من أجل عدم حضور الخطاب.
«إنه لأمر مروع عندما حانت لحظة مؤاتية لممثلينا المنتخبين لمقاطعة البلطجي نتنياهو والوقوف مع الرئيس اوباما، الذي تصادف موقفه مع مصلحة العرب الأميركيين والسلم العالمي ومصالح اميركا، فشلت القيادة الأميركية العربية المحلية لمنع «المشرعين» من الذهاب لحضور الخطاب».
وأضاف زهر أنه لم يعلم بوجود أي جهود ضغط ضد الخطاب الصهيوني من قبل مؤسسات ومنظمات الجالية وأردف «ان فشل العرب الأميركيين فـي إقناع دبي دينغل، على الأقل، بعدم حضور الخطاب يوضح أن الجالية لم تبلغ النضوج بما فـيه الكفاية من الناحية السياسية».
وأسهب بالقول «دنغل تنتمي الى الحزب الديمقراطي ونحن حملناها ودرنا بها بين تأييد هذه الجالية وقدمناها على انها الشخصية التي ستخدم مصالحنا. لكن حضورها الخطاب شكل صفعة على وجهنا من قبلها، بغض النظر عن الأسباب التي دعتها لذلك ويجب علينا اعلامها أننا نشعر بالاستياء العارم».
خطاب نتنياهو: ترويج للحرب
وقال زهر: «نتنياهو مهتم فقط بالحرب وعدم الإستقرار فـي الشرق الأوسط لأن فـي ذلك إفادة لإسرائيل». وأضاف قائلاً: «مشاهدة القادة الأميركيين ينحنون إجلالاً وإكباراً له هو دليل مخيف على حقيقة النظام السياسي فـي بلادنا، ومدى القوة التي يتمتع بها لوبي اسرائيل فـي واشنطن. إنه أمر غريب أن نرى مسؤولاً أجنبياً يأتي إلى هنا، بناء على دعوة من الكونغرس، للتشويش على سياسة الرئيس الأميركي».
لكن زهر أشار إلى أن مقاطعة ٥٩ من الديمقراطيين هو مدعاة للتفاؤل. «فقبل عشرين عاماً، لم تكن تتمكن من العثور على مقعد واحد فارغ أثناء خطاب كهذا. هذا التحول يأتي من الرأي العام الأميركي. أصبح الأميركيون أكثر دراية وأقل إخلاصاً أعمى فـي خدمة إسرائيل. النقاش الحقيقي هو بدايته والفلسطينيون بشكل عام يستفـيدون من النقاش الصادق لأننا على جانب الحقيقة والعدالة».
لكن للدكتور نبيل إبراهيم، وهو مدير متقاعد من «البرنامج التشريفـي» التابع لكلية هنري فورد، رأياً يقول انه فـي حين أن إسرائيل تخسر شعبيتها بين قطاعات معينة من الحزب الديمقراطي، فإن تراجع التأييد هذا لا يُترجم لدعم الشعب الفلسطيني بسبب الشعور العام السلبي تجاه العرب والمسلمين.
«خطاب نتنياهو سوف يأتي بنتائج عكسية ويضع إسرائيل عرضةً للمزيد من الانتقادات من جانب الديمقراطيين الليبراليين الذين يعتبرون أوباما بطلاً». وأوضح إبراهيم «لقد نفر من نتنياهو الديمقراطيون السود والديمقراطيون الليبراليون اليهود الذين هم على استعداد بالفعل لانتقاد إسرائيل علناً».
وأردف إبراهيم أن محاولة نتنياهو إثبات أن إيران ليست جديرة بالثقة كانت تشير بطريقة غير مباشرة ان إلى أوباما ووزيرالخارجية جون كيري «غبيان».
«الأمر يستدعي الكثير من الوقاحة للقدوم إلى مقر الإمبراطورية التي تقوم بتمويلك وتسليحك والدفاع عنك، ثم محاولة عرقلة مفاوضات يجريها قائد الإمبراطورية».
وانتقد الأكاديمي السابق نبيل إبراهيم نتنياهو لعدم ذكره الترسانة النووية الخاصة بإسرائيل وقال «إسرائيل لديها ٨٠٠ نوع من الأسلحة النووية، ولم توقع أبدا أي اتفاق حول عدم نشر أسلحة الدمار الشامل ولها قدرات بإلقاء قنابل نووية لمسافات طويلة». وتعجب إبراهيم من ان نتنياهو هدد بالحرب وحصل على تصفـيق كبير من المشرعين الأميركيين لأنهم دعاة حرب ايضاً. وقال «انه يريد أن يفشل المفاوضات ويبقي على العقوبات وزيادتها ضد ايران لكي تصبح ضعيفة تماماً. إن التهديد الوحيد الذي تواجهه إسرائيل هو أن قدرات إيران تفوق قدرات إسرائيل فـي المنطقة، واسرائيل تريد احتكار القوة العسكرية».
تهديد واقعي
راين فـيشمان، وهو محام يهودي أميركي من بيرمنغهام ترشح لمجلس النوَّاب فـي الولاية عن الحزب الديمقراطي، قال هناك العديد من وجهات النظر فـي المجتمع اليهودي على الخطاب، لكنهم يجمعون على أن التهديد الإيراني النووي واقعي وخطير لأمن الولايات المتحدة وإسرائيل.
واضاف ان «التفضيل هو دائما للدبلوماسية والصفقة الجيدة، لكننا نفضل عدم وجود صفقة على وجود صفقة سيئة».
وقال وليد داوود، الناشط المسلم الأميركي من أصل أفريقي، ان هناك شعوراً عاماً فـي مجتمع السود فـي جميع أنحاء البلاد أن عدم احترام أوباما ليس فقط سببه نفوذ اللوبي الإسرائيلي الواسع، ولكن أيضاً لأن اوباما رئيس أسود. وأكد داوود ان «العنصرية الضمنية هي التي دفعت كتلة اعضاء الكونغرس السود لمقاطعة الخطاب». الجدير بالذكر ان النائب كونيورز، من ديترويت، لم يحضر الجلسة المشتركة.
وانتقد فـيشمان كونيورز لكنه قال ان الرابطة بين الأميركيين الأفارقة واليهود غير قابلة للعطب. «لقد كان
جون كونيورز دوماً على علاقة جيدة مع الشعب اليهودي
ولم يكن على علاقة جيدة مع اسرائيل ونحن لن نكسب كونيورز أبداً».
وأشار فـيشمان إلى أن النائبة المنتخبة حديثاً الأفريقية الاميركية بريندا لورانس (الديمقراطية من سوثفـيلد بولاية ميشيغن) حضرت الخطاب. وعندما سئل عن ترسانة إسرائيل النووية، قال فـيشمان انها دفاعية، واستطرد «ما هو المثير للاهتمام هو أنه على الرغم من وجود أسلحة إسرائيل النووية، لم نشاهد مصر أو الأردن أو المملكة العربية السعودية يطالبون بسلاح نووي. الخوف هو من حصول ايران على سلاح نووي، حيث فجأةً بدأ الجميع يطالبون بها».
وانهى فـيشمان كلامه بالقول «ان العداء بين العرب واليهود ليس أصيلاً وأن كلا الشعبين بإمكانهما التعايش سلمياً كما يفعلون فـي جنوب شرق ميشيغن» واعرب عن دعمه لحل الدولتين «الذي هو نتيجة ضرورية للغاية».
Leave a Reply