تفوَّق الكنيست الأميركي (مجلس الشيوخ) على نفسه مرة جديدة وضرب الرقم القياسي فـي دك إسفـين جديد فـي النظام الأميركي القائم على توزيع السلطات واحترام موقع الرئاسة والسلطة التنفـيذية وعدم التدخل فـي السياسة الخارجية، وكل ذلك إكراماً لعيون إسرائيل وأذنابها فـي الولايات المتحدة.
والظاهر أنه لم يكفٍ الدوس على كرامة الرئاسة والشرف الوطني من قبل عتاة الجمهوريين وبعض الساقطين من الديمقراطيين الذين تصرفوا كفرقة ترفـيه رياضية لرئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو خلال خطابه الهزيل فـي الكونغرس. فقد أرسل ٤٧ من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين رسالة إلى إيران يوم الإثنين الماضي، يحذرون فـيها الجمهورية الإسلامية من أن الاتفاق النووي يمكن التراجع عنه «بجرة قلم» من قبل رئيس مختلف إذا لم يحصل على موافقة الكونغرس.
وذكرت الرسالة أنها تهدف إلى لفت انتباه إيران إلى بعض الميزات فـي دستور الولايات المتحدة. وأبلغ أعضاء مجلس الشيوخ إيران أن أي معاهدة حتى تُنفَّذ لابد من موافقة ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ عليها وإلا فسوف تُعتبر «اتفاقاً تنفـيذياً مجرَّداً بين الرئيس أوباما وآية الله خامنئي».
وأفشى المشرِّعون الأميركيون امام الحكومة الإيرانية سراً خطيراً وهو أن انتخاب الرئيس الأميركي يتم لمدة أربع سنوات ويقتصر على فترتين، فـي حين ينتخب أعضاء مجلس الشيوخ لمدة ست سنوات، ويمكن أن يترشحوا لولاية ثانية وبلا نهاية. وخلاصة كلام «شيوخ الكنيست» هو الآتي: «أوباما إلى زوال لكننا نحن باقون هنا»!.
لو لم تكن هذه الرسالة خطيرة فـي مضمونها ودلالاتها لكانت مثيرة للضحك ومرشحة ليتلوها أحد الفكاهيين فـي عرض «ستاند اب». لكن هذا «الكنيست» ليس مسرح فكاهة وغير مهضوم بل يستدر الاشمئزاز والقرف الى درجة اليأس. لكنه المجلس الوحيد فـي التاريخ الاميركي الذي قد يستدر الضحك على الدرك الأسفل الذي أوصل أرقى مجلس تشريعي فـي العالم الى مصاف التبعية والخضوع لسلطة المال الصهيوني.
ليس مؤكدا إذا كان الغرض من اللهجة الساخرة التي اعتمدها ممثلو نتنياهو مقصودة ومن باب التذاكي على رئيس البلاد الأسود عن طريق لي ذراعه وتقويض نفوذه فـي الساحة الدولية. لكن المسألة ليست مسألة مزاح. لان فـيها إحراجاً لبلدنا وأمتنا ويجعلنا نبدو أمام العالم بمظهر المنقسم والضعيف.
وليس صدفة أبداً ان تاتي رسالة الجمهوريين بعد ستة أيام من خطاب بنيامين نتنياهو إلى الكونغرس محذراً فـيه المشرعين الأميركيين من «صفقة سيئة» مع إيران. وبينما انتقد نتنياهو فـي فلسطين المحتلَّة، ومن المتوقع أن يخسر الانتخابات الإسرائيلية يوم الثلاثاء المقبل، الا ان ألاعيبه فـي الولايات المتحدة نجحت الى حد كبير حيث استلم أعضاء مجلس الشيوخ من الجمهوريين الدفة والتوجيه اللازمين منه وقاموا بالتدخل بشكل سافر وغير قانوني فـي الدبلوماسية الأميركية لتخريب المفاوضات نيابة عنه. هذه الجرأة والصفاقة لم يسبق لها نظير فـي تاريخ الولايات المتحدة العريق.
والمؤسف ان «الكنيست الاميركي» لم يتنبه بعد خطاب نتنياهو، الى ان الرئيس السابق لجهاز المخابرات الإسرائيلية (الموساد)، مئير داغان، قال ان رئيس الوزراء الاسرائيلي ضلل الكونغرس عن عمد.
أعضاء مجلس الشيوخ يعرفون أن نتنياهو بالغ بخطورة التهديد النووي الإيراني. ولكن الرسالة ليست حول الأمن بل حول السياسة وألاعيبها. لقد أهان مشرعو أميركا رئيسهم للحصول على رضى وموافقة اللوبي الإسرائيلي ودعم أنفسهم على حساب الأمة والسلام العالمي.
ان الرسالة الجمهورية مهزلة سياسية وهدفها قرع طبول الحرب وسلب الحوار السلمي مع ايران والتصالح مع العالم، فـي فرصة تاريخية ثمينة، وكأنَّ الجمهوريون لا يريدون الخير لبلدهم والبقاء فـي حالة حرب وعداء مع العالم كما تريد اسرائيل.
بعد أقل من ٢٤ ساعة على تزعمه كتابة الرسالة الجمهورية، اجتمع السناتور توم كوتون (جمهوري من اركنساس)، مع «الجمعية الصناعية للدفاع الوطني»، وهي مجموعة ضغط للمقاولين الدفاعيين، فـي خطوة رمزية معبرة عن صيحات الحرب وللدفاع عن الصناعة العسكرية الثقيلة.
اليمين الإسرائيلي وصناع السلاح فـي أميركا فقط هم المستفـيدون الوحيدون من الحرب مع إيران والعالم الخارجي، والجمهوريون فـيما يبدو حسموا خيارهم لتمثيل رعاة الحروب ومصالحهم الخاصة، لا مصلحة الشعب الأميركي.
ونتمنى ان يحسم هذا الشعب أمره بدوره ويتذكر هذا الإسفاف والسقوط من قبل الجمهوريين فـي مواسم الانتخابات ولا سيما الرئاسية منها.
Leave a Reply