كمال ذبيان
يؤكّد رئيس مجلس النواب نبيه برّي أن لبنان أمنياً هو أفضل من دول كثيرة فـي المنطقة لاسيما فـي جواره القريب، وأن وضعه الاقتصادي ليس سيئاً قياساً على ما تعانيه بلدان أخرى.
تدريبات بحرية للجيش اللبناني |
فالأمن يعزز الاستقرار ويشجع الاستثمار الداخلي والخارجي، ولبنان الذي مرّ منذ ما بعد الحرب الأميركية على الإرهاب فـي أفغانستان والعراق ردّاً على تفجيرات 11 أيلول 2001 التي استهدفت الولايات المتحدة الأميركية فـي عقر دارها و فـي عاصمتها السياسية والاقتصادية، بأحداث أمنية متفرقة، وحروب أهلية باردة ومحدودة ومنقطعة، فإنه لم يقع فـي المحظور الخطير وهو استعادة ما عرفه منتصف سبعينات القرن الماضي، من حرب داخلية مدمرة وقاتلة دامت 15 عاماً، أشعلتها عوامل سياسية وطائفـية لبنانية، وشجعتها تطورات إقليمية منها الصراع العربي – الإسرائيلي والوجود الفلسطيني المسلح على الأرض اللبنانية، وعززتها حروب الآخرين على أرض لبنان، فـيما عُرف بالحرب الباردة بين القطبين العالميين أميركا والإتحاد السو فـياتي ومَن يدور فـي فلكهما على النفوذ ومصالح الأمم.
فلبنان المقيم على خط تماس تشتعل الحرائق من حوله فـي سوريا والعراق واليمن والبحرين وليبيا، فإنه مازال يحفظ سلمه الأهلي بالرغم من الانقسام السياسي العامودي بين طر فـين ينتميان الى محورين إقليميين ودوليين متصارعين، لأن القرار الدولي – الإقليمي هو الحفاظ على الاستقرار فـي لبنان وعدم دخول الحريق الخارجي إليه، ومنع انزلاقه نحو الفتنة المذهبية (السنّيّة – الشيعية) المستعرة فـي المنطقة والعالم والإبقاء على نظامه السياسي القائم الذي أرساه اتفاق الطائف، وعدم التلاعب به أو الدعوة لتعديله أو تغييره قبل أوانه، لأن من شأن ذلك هز صيغة الحكم الطائفـي، وتعريض اللبنانيين للمخاطر والاقتتال، فطوي الحديث عن المثالثة التي طرحها الشيعة فـي فترة من الفترات وتحديداً «حزب الله»، وانعقد مؤتمر «سان كلو» فـي فرنسا وبرعاية منها للأطراف اللبنانية الفاعلة للبحث فـي هذا الموضوع الذي أغلق التداول به، كما فـي مسألة صلاحيات رئيس الجمهورية، التي سُحبت أيضاً من النقاش حولها، لأنها ستؤدي الى فتح باب العددية التي لن تكون لصالح المسيحيين فـي لبنان الذين أعطاهم الدستور المناصفة مع المسلمين، و لن يحصلوا عليها إذا قرروا الخوض فـي إعادة البحث فـي بنود وردت فـي اتفاق الطائف الذي يصرّ السّنّة على أنه أنصف رئيس الحكومة الذي هو من الطائفة السنّيّة ولا يمكن التفريط بحقوق وصلاحيات اكتسبها من الإتفاق الذي أوقف العد بين الطوائف، وسحب الشيخ المرحوم محمد مهدي شمس الدين مقولته «الديمقراطية العددية»، ووافق على المناصفة التي تحمي التعددية، والعددية تنسفها والمثالثة تقضي عليها.
هذا التوافق اللبناني الداخلي على العمل باتفاق الطائف وعدم المس به ولو غاب عن ما كان يرعاه دولياً وإقليمياً وتحديداً سوريا عندما كانت موجودة بقواتها فـي لبنان، لانه نزع فتيل تفجير داخلي، لا يمكن لأي تأثير خارجي أن يدخل منه الى الساحة اللبنانية، التي وإن شهدت أحداثاً أمنية كبرى كمثل اغتيال الرئيس ر فـيق الحريري، إلا أن الوضع الأمني ظل متماسكاً، بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان، والاصطفاف الداخلي السياسي بين 8 و14 آذار، إلا أن اللبنانيين اجتازوا هذه الجريمة الكبرى، لأن القوى الخارجية منعت الانفجار عن لبنان الذي بدأت تشهده المنطقة مع الغزو الأميركي للعراق، ورفع الرئيس الأميركي جورج بوش شعار «الفوضى الخلاقة»، وهكذا عبر لبنان بين دم الحريري ليشكل حكومة برئاسة نجيب ميقاتي واجرى إنتخابات نيابية بتحالف رباعي ضم القوى الإسلامية الثلاث السّنّة والشيعة والدروز عبر أقويائهم «تيار المستقبل» و«حركة أمل» و«حزب الله» والحزب التقدمي الاشتراكي، ثمّ تشكّلت حكومة برئاسة فؤاد السنيورة شارك فـيها أيضاً «حزب الله» بعد أن كان قد دخل حكومة ميقاتي الأولى.
وهكذا ضمن المجتمع الدولي الأمن فـي لبنان وبإرادة من قواه السياسية فـي العام 2005 و 2006، ليتزعزع مطلع عام 2007 بعد انقسام فـي الحكومة، وخلاف على رئاسة الجمهورية حيث كانت ولاية الرئيس إميل لحود تقترب من نهايتها، وخلاف على سلاح المقاومة ودوره، إضافة الى العلاقة المتوترة بين السعودية وسوريا بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان صيف 2006، إلا أن كل هذه التطورات السياسية التي رافقتها أعمال عسكرية وأمنية على الأرض كان أبرزها ما حصل فـي 7 أيار 2008 من أحداث أمنية، طوّقها اتفاق الدوحة، فـي الشهر نفسه بانتخاب رئيس للجمهورية هو ميشال سليمان وتشكيل حكومة ثانية برئاسة السنيورة ضمت المعارضة بثلث ضامن ومشاركة «التيار الوطني الحر» فـيها للمرة الأولى، وحافظ لبنان على أمنه واستقراره ولم ينزلق نحو حرب أهلية شاملة، بل الى مناوشات فـي بعض المناطق كانت تأخذ طابعاً مذهبياً وطائفـياً، إلا أنها كانت تخمد بأداة عسكرية وأمنية هي الجيش اللبناني الذي حفظ السلم الأهلي بسبب الإجماع الداخلي الذي يحوز عليه والثقة بقيادته التي ظلت على مسافة واحدة من الجميع، ولم تتلوّن بأي لون سياسي أو طائفـي، وهو ما أعطى دعاة الحفاظ على الأمن والاستقرار ورقة رابحة لتطبيقه وهي دعم وتسليح الجيش الذي بسبب الانقسام حوله وعليه فـي العام 1975 أشعل الحرب الأهلية، وتمّ الاستعانة بالجيش السوري لوقفها على مراحل وبقرار دولي – إقليمي.
فالجيش عنوان الأمن الملبنن وغير المستعار و محط أنظار جميع الدول لاسيما الفاعلة منها لدعمه وتعزيزه بالقدرات القتالية والمعدات العسكرية والأسلحة المتطورة، وفتح باب المساعدات والهبات له، فتدفقت عليه، لاسيما بعد أن نجح فـي حربه على الإرهاب المستمرة فـي جرود عرسال والسلسلة الشرقية من جبال لبنان، حيث نجح فـي اجتثاث البؤر الأمنية المشتعلة فـي طرابلس بين باب التبانة وجبل محسن، وقضى على ظاهرة الشيخ أحمد الأسير فـي عبرا بشرق صيدا، وتصدّى للإرهابيين عندما اجتاحوا مواقع له فـي عرسال، وهو يحاصر جماعات مسلحة متطرفة فـي مخيم عين الحلوة ويعمل مع الفصائل الفلسطينية على حلول سياسية لها، كي لا يتحوّل المخيم الى نهر بارد جديد فـيُدمّر، إذا ما ظلّ يؤوي مطلوبين لاسيما مَن اعتدى منهم على الجيش وهدّد السلم الأهلي كالاسير وفضل شاكر الذي قد يسلم نفسه للقضاء وشادي المولوي .
فالبؤر الأمنية تمّ اجتثاثها مما عزّز الأمن فـي الداخل الذي يؤكّد أيضاً كل من رئيس الحكومة تمام سلام ووزير الداخلية نهاد المشنوق أنه ممسوك، وبات أفضل من السنوات السابقة بمرات عدة، ويعود ذلك الى قرار خارجي وتحديداً سعودي – إيراني بأن تبقى الساحة اللبنانية بعيدة عن تداعيات الأحداث الخارجية، وهو ما شجّع الحوار الداخلي بين القوى السياسية وتحديداً «حزب الله» و«تيار المستقبل» وسمح للخطط الأمنية أن تشمل الشمال والبقاع وهي ستتوسع الى بيروت الكبرى بما فـيها الضاحية، التي غابت عنها الأعلام الحزبية، واختفت المظاهر المسلّحة الى أن يصل الاتفاق السياسي الى بيروت لتصبح منزوعة السلاح وتشمل سائر المناطق اللبنانية، وهذه الخطط الأمنية المربوطة بقرار سياسي داخلي، جعل الأمن فـي لبنان الأفضل، إلا أنه لم يلغِ احتمال خرقه وعودة مسلسل الاغتيالات التي تبقي القلق مهيمناً على القيادات السياسية والخوف لدى اللبنانيين من الانزلاق نحو خطر داهم، إذ إن المسؤولين فـي لبنان لاسيما منهم وزير الداخلية نهاد المشنوق يتلقون تقارير أمنية عن خلايا إرهابية نائمة قد تلجأ الى تن فـيذ اغتيالات منتقاة بالأسماء والانتماء الطائفـي والمذهبي ومدى تأثيرها على تفجير الوضع الأمني، وتصعيد الإقتتال الأهلي، إذ كشف الوزير المشنوق قبل فترة عن تقرير أمني أن مجموعات إرهابية نائمة ستتحرّك لاغتيال شخصيات تنتمي الى الطائفة السنّيّة وسماها وهي: النائب خالد الضاهر، النائب أحمد فتفت، النائب محمد كبارة، الوزير أشرف ري فـي والشيخ سالم الرافعي، وأن أيًّا من هؤلاء إذا ما استُهدف يحرك الشارع ويترك تداعيات سلبية على الأمن، و فـي الوقت نفسه فإن الرئيس برّي ومنذ سنوات معرّض أيضاً للاغتيال من قبل مجموعات إسلامية متطرفة، كانت ترصد مقر إقامته فـي عين التينة، و فـي تنقله الى الجنوب، وتمّ اعتقال أفراد من شبكات إرهابية اعترفوا بذلك، ومنها عناصر من كتائب عبدالله عزام، وأخرى من تنظيم «خراسان» الأشد إرهاباً من «القاعدة» التي ينتمي إليها أو من «داعش»، حيث أشارت تقارير أمنية إلى اكتشاف خلية وأكثر تابعة لهذا التنظيم الإرهابي الذي سبق له وقام بعمليات فـي أوروبا وأميركا.
فالأمن مرتاح إليه الرئيس برّي والوزير المشنوق، إلا أن الخوف من الاغتيالات هو ما يؤرقهما، وجاء اغتيال بدر عيد شقيق رئيس الحزب العربي الديمقراطي علي عيد الذي غادر مع نجله رفعت لبنان الى سوريا لتنفـيذ الخطة الأمنية فـي طرابلس بين باب التبانة وجبل محسن، فإن هذا الاغتيال كان الهدف منه أن تشتعل المحاور من جديد بين المنطقتين لكن وعي الأطراف جميعها فـي عاصمة الشمال وفّر عليها جولة من القتال كان توقّف قبل حوالي عام بعد عشرين جولة على مدى سبع سنوات.
فلجوء مجموعات إرهابية الى الاغتيال، وكذلك «الموساد» الإسرائيلي، هو من الاحتمالات المتوقعة وفق التقارير الأمنية الرسمية والحزبية، لأن أكثر ما يهدّد لبنان فـي هذه المرحلة هي الجماعات الإرهابية التي تمكّنت الأجهزة الأمنية من كشف شبكات وأفراد لها وكان آخرهم السوريين حسن حربا وحسين غورللي المتهمين بقتال الجيش واستهداف دورياته وعناصره وتفجير سيارات مفخخة كانت تُرسل من جرود عرسال، والتي تراجعت نسبياً إلا ما شهدته منطقة جبل محسن مؤخراً من تفجير.
ومن الأوضاع الأمنية المستقرة فـي كل لبنان، لجهة وقف الأعمال العسكرية، والحد من السيارات المفخخة، والهدوء الذي تنعم به مناطق كثيرة، إلا تلك التي على خط التماس مع الجماعات الإرهابية عند السلسلة الشرقية لجبال لبنان والتي يتوقع لها أن تشهد مع الربيع القادم معارك عسكرية قد تؤدي الى دحر هذه الجماعات، فإن لبنان خالٍ كما رصاص المسلحين، وهو يخلو من وجود ميليشيات مسلحة بما هو متعارف عليه فـي سنوات الحرب، بل هو يتمتّع بأمن وهدوء واستقرار بنسب عالية والأكثر اطمئناناً لمَن يريد السياحة فـيه حيث زادت نسبتها عن سنوات سابقة و ارتفعت الودائع المالية.
Leave a Reply