عماد مرمل
بعد مضي قرابة عشرة أشهر على الفراغ فـي منصب رئاسة الجمهورية اللبنانية، ما تزال تداعيات هذا الخلل تنتقل من مكان الى آخر فـي الجسم اللبناني، متسببة بأمراض شتى، وارتفاع فـي درجات الحرارة.
وفـي انتظار التوافق على الرئيس «الشافـي»، تقتصر الادوية المتوافرة على المسكنات وأكياس المصل، بهدف احتواء العوارض الجانبية ومنع تفاقمها، ما دامت السيطرة على المرض تبدو متعذرة حتى إشعار آخر، نتيجة التأخير فـي نضوج الشروط الخارجية لـ«الوصفة» الرئاسية المطلوبة.
ولأن المرواحة فـي مستنقع الانتظار، تهدد جسم الدولة مع مرور الوقت بالاهتراء التدريجي، يرفع الرئيس نبيه بري الصوت، محذرا من الركون الى هذا الواقع وداعيا الى الاحتفاظ بحد أدنى من «اللياقة البدنية»، على صعيدي نشاط المؤسسات ومسار الحوار(حزب الله- تيار المستقبل)، وذلك لمواكبة التحديات والمخاطر الداهمة والتصدي لها، سواء ما يتعلق منها بتحدي الارهاب او بالملفات الداخلية التي لا تحتمل التأجيل.
ويقول بري لـ«صدى الوطن» ان المواجهة مع «داعش» ستستغرق وقتا طويلا، لافتا الانتباه الى ان هذه الظاهرة المتطرفة والمشوِهة للدين ليست الاولى من نوعها فـي سياق التجارب البشرية، وإنما كانت لها مثيلات حتى فـي التاريخ الاسلامي.
ويشدد بري على ان الحرب مع «داعش» لا يجب ان تُخاض ميدانيا فقط، على أهمية المواجهة الميدانية، بل ان هناك مستويات عدة لهذه الحرب، ينبغي ان تتكامل، حتى تفضي فـي نهاية المطاف الى اجتثاث التطرف التكفـيري من جذوره، بعد معالجة أسبابه وعدم الاكتفاء بملاحقة نتائجه.
ويعتبر بري ان مستويات الصراع ضد «داعش» وأخواته فـي التطرف والتكفـير، تتوزع كالآتي:
-عسكريا، ويمكن القول ان هناك تقدما فـي هذا الجانب، لكنه وحده لا يكفـي.
-تربويا، خصوصا لجهة الاسراع فـي إجراء نوع من المراجعة للمناهج التربوية والدينية، خصوصا ان الكثيرين من المتطرفـين والمتعصبين هم من خريجي مدارس فكرية وعقائدية متزمتة، وهنا يتحمل علماء الدين مسؤوليات كبرى على مستوى مكافحة المفاهيم المغلوطة وترشيد الشباب وتنويره والامتناع عن التحريض المذهبي.
-اقتصاديا، ولا بد فـي هذا الاطار من اطلاق مشاريع واستثمارات بغية ايجاد فرص عمل للشباب، كي يطمئن الى حاضره ومستقبله، لان البطالة والفقر يدفعان الكثيرين من العاطلين عن العمل الى الالتحاق بالمجموعات المتطرفة.
أما على الصعيد اللبناني المحض، فان بري يدعو بإلحاح الى تعزيز التضامن الداخلي، باعتباره أحد خطوط الدفاع الاساسية عن الاستقرار النسبي الذي يسود لبنان.
ويتمسك بري باستمرار الحوار بين حزب الله وتيار المستقبل، على الرغم من الاهتزاز الذي يتعرض له من حين الى آخر، كما حصل مؤخرا تحت وطأة الكلمة الحادة التي ألقاها الرئيس فؤاد السنيورة خلال مؤتمر قوى 14آذار فـي أحد فنادق بيروت، للإعلان عن ولادة المجلس الوطني ل14آذار، وهي كلمة سبقتها ايضا مواقف قاسية من وزير العدل أشرف ريفـي والنائب أحمد فتفت ضد حزب الله، ما دفع الحزب الى الرد عبر رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد الذي تساءل حول جدوى مواصلة الحوار داخل الغرف المغلقة، فـيما الشتائم تعلو خارجها.
يشعر بري ان السنيورة لم يكن متحمسا فـي يوم من الايام لانطلاق الحوار بين الحزب والمستقبل، وانه يحاول عند كل فرصة ان يعرقله او يشوش عليه، بدءا من مرحلة التحضير له، وصولا الى الجلسة الثامنة.
بل ان رئيس مجلس النواب يذهب الى ابعد من ذلك بقوله انه لولا شجاعة الرئيس سعد الحريري، ما كان الحوار ليبدأ أصلا، من دون ان يتجاهل ايضا الدور الإيجابي لنادر الحريري الذي يترأس وفد «المستقبل» الى الحوار، ويشكل امتدادا لتوجهات زعيم التيار.
ويلفت بري الانتباه الى ان «المستقبل» هو تيار طويل عريض، والمهم ان زعيمه يدعم الحوار، أما الاصوات القليلة التي تخرج من داخل التيار أحيانا للتشويش، فهي استثناء للقاعدة، ولا يمكن البناء عليها او الاستسلام لها.
ويؤكد بري ان الحوار هو النافذة الوحيدة المطلة على الأمل، وسط الجدران الاسمنتية التي تحاصرنا من كل الجهات، مشددا على ضرورة إبقاء هذه النافذة مفتوحة حتى يمر منها بعض الهواء النظيف، فـي ظل هذا المناخ الملوث بجراثيم الفتنة المذهبية.
ويرى رئيس مجلس النواب ان من عناصر تمتين المناعة الوطنية ضد الجراثيم على أنواعها، تفعيل المؤسسات الدستورية وتنشيط خلايا الدولة، لان التعطيل يجلب الميكروبات التي تجد فـي الفراغ بيئة حاضنة لها.
ويتساءل بري: إذا كانت هناك مشكلة ناتجة عن الفراغ فـي رئاسة الجمهورية بفعل تعذر التوافق على رئيس حتى الآن، هل يكون الحل بتعميم الازمة وبالتالي شلّ المؤسسات الاخرى مثل مجلس النواب او مجلس الوزراء، أم ان المطلوب حصر تداعيات الفراغ ومنعها من التمدد فـي اتجاهات أخرى؟
ويتابع: إذا كنت تشكو من ألم فـي الإصبع، هل تداويه بقطع الكف، أو إذا كان لديك صداع فـي الرأس، هل تعالجه بقطع اليدين والقدمين، بحيث تصبح عاجزا عن التحرك كليا؟
ويضيف: ان الفراغ الرئاسي ينبغي ان يكون حافزا لضخ المزيد من الحيوية فـي عروق الحكومة والسلطة التشريعية، وذلك من أجل تقليص الأضرار المرتبة على غياب الرئيس، وليس للحلول مكانه كما يعتقد البعض.
ويؤكد ان مصالح الشعب والدولة لا تحتمل جعلها رهينة بعض النظريات والحسابات، المستندة الى تفسيرات خاطئة للدستور والتوازن، لافتا الانتباه الى ان القانون وُضع ليكون فـي خدمة الناس، لا ليكون الناس فـي خدمته.
Leave a Reply