مشى رجل فـي مطار نيو اورليانز فـي ٢٠ آذار (مارس) ملوحاً بمنجل بين يديه فـي وجه عناصر أمن المطار «تي أس أي» (TSA) ورش السم عليهم. فـي حقيبته المصنوعة من القماش الخشن وجدت ست قنابل محلية الصنع ولا تزال دوافع المهاجم مجهولة، وكذلك بقيت فعلته الشنيعة مجهولة من قبل الكثير من الأميركيين الذين لم يسمعوا بالخبر لأن وسائل الإعلام أعطته القليل من الاهتمام. ولماذا الاهتمام، فالفاعل ليس عربياً او مسلماً، ولو كان كذلك لتصدر أول اخبار الصحف والتلفزيونات؟!
ريتشارد وايت، المهاجم المذكور البالغ من العمر ٦٣ عاماً لقي حتفه بعد تعرضه لإطلاق النار خلال الهجوم، ولكن لم تصرّح وسائل الإعلام بأسباب دوافعه، ولم تقم بالتحليل وراء التحليل حول هويته أو دينه، فلا داعي لذلك طالما أنه لم يكن عربياً أو مسلماً. الإعلام الأميركي لم يلصق به صفة الإرهاب لانها صفة محجوزة ومحتكرة للعرب والمسلمين.
حقيقة ان المهاجم وايت كان من جماعة «شهود يهوه» قد ورد ذكرها عرَضَاً فـي التقارير الإعلامية حول الجريمة وجرى المرور عليها مرور الكرام. ولكن لو كان احد المسلمين وراء هكذا هجوم، لكانت صفة الإرهاب قد ترددت منذ اللحظة الأولى على كل شفة ولسان إعلامي ولكانت شاشات الأخبار التلفزيونية وصفحات الصحف الأولى فـي كل انحاء البلاد لا تمل من تكرار العبارة ولكانت المحطات التلفزيونية قد قامت باستضافة جحافل من الخبراء والباحثين والمحللين حول الإرهاب الأسلامي والعربي ودعت إلى شن الحرب على دولة إسلامية قد يجري اختيارها لاحقاً حسب الظروف والطلب.
ولكن عندما يكون مرتكب العنف الجماعي ليس مسلماً، فنادراً ما يتم وصف الجريمة بأنها إرهابية من قبل نقاد وسائل الإعلام. وغالباً ما يوصف المجرمون من غير المسلمين بانهم يعانون من نوبات عصبية واضطرابات عقلية قد تستدر الشفقة وتستدعي العناية الطبية.
النائب الاميركي سيدريك ريتشموند (جمهوري من نيو أورلينز) كان سريعاً فـي استحضاره للمرض العقلي ونسب إليه الجريمة التي وقعت يوم الجمعة الماضي. وتعهد عضو الكونغرس بعد ذلك بتحسين العلاجات الصحية النفسية لأولئك الذين قد ينفذون هجمات. وايت قد يكون مصاباً باضطرابات عصبية وبنفس المنطق كذلك الذين ارتكبوا أعمالا إرهابية باسم الإسلام قد يكونون أيضاً مضطربين عقلياً بل منبوذين من قبل الدين الاسلامي الحنيف نفسه. لكن هذا لا يعفـيهم من إدانة دينهم بالإرهاب وهم لا يحق لهم ما يحق لغيرهم من اتباع الملل الاخرى ولو كانوا من عبدة الشيطان.
نحن لا نعرف حتى الآن لماذا هاجم وايت مطار نيو اورليانز. ومع ذلك، فقد حكمت السلطات المحلية والفـدرالية فـي مدينة أوستن، بولاية تكساس عندما بدأ لاري ستيف ماكوليامز بإطلاق النار على المباني فـي وسط المدينة، بما فـي ذلك القنصلية المكسيكية فـي شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، ان جريمته «تمت بدوافع سياسية ودينية».
وربطت الشرطة ماكوليامز بالتطرف المسيحي، ووجدت عدة نصوص دينية أصولية مسيحية فـي الشاحنة التي استخدمها فـي الهجمات. وإذا لم تكن قد سمعت بماكوليامز الذي كان يمكن ان يتسبب بمجزرة بشرية لو لم يطلق شرطي النار عليه ويرديه قتيلاً أثناء الهجوم، قد يكون ذلك بسبب وسائل الإعلام التي ليس لديها مصلحة فـي بث الخبر ولم تجد انه يستحق النشر.
ماكوليامز كان إرهابياً أبيض ولو نشرت صورته على شاشات التلفزة وصفحات الجرائد يمكنه ان يكسر الصور النمطية والتعميمات الفضفاضة والتصورات الضيقة حول «صورة» الإرهاب المقتصرة على العرب والمسلمين ومن يشبههما. وبسبب الكسل والحصول على نسبة أكبر من المشاهدين ، تفضل وسائل الإعلام الرئيسة الروايات البسيطة لا المعقدة على طريقة الإرهاب يساوي عرباً ومسلمين.
يوم الأربعاء الماضي، قام مساعد طيار ألماني عمداً بتحطيم طائرة ركاب مدنية فـي جبال الألب مما أسفر عن مقتل جميع الركاب الـ١٥٠. أندرياس لوبتز الذي أغلق قمرة القيادة فـي وجه الطيار الرئيسي وكل الركاب ودمر الطائرة بمن فـيها من الأبرياء ليس مسلماً. وهكذا فإنَّ جريمة القتل الجماعي هذه لم تحمل مواصفات الإرهاب من قبل وسائل الإعلام والمسؤولين الحكوميين وقد يجدون له الأعذار فـي المستقبل. لم لا فالمسلم أو العربي يملك وكالة حصرية فـي الإرهاب!.
وتعرّف الأمم المتحدة الإرهاب بانه «أعمال إجرامية يقصد منها أو يراد بها إشاعة حالة من الرعب فـي الجمهور العام ومجموعة من الأشخاص أو أشخاص معينين لتحقيق أهداف سياسية».
ولكن فـي فترة ما بعد ١١ أيلول (سبتمبر) أصبحت سمة الإرهاب ملازمة للعرب والمسلمين فقط، دون غيرهم. وبعد هجوم ٧ كانون الثاني (يناير) على مجلة «تشارلي أيبدو» فـي باريس، أصبح لسان حال النقاد المعادين للمسلمين هو «ليس كل المسلمين هم إرهابيين، ولكن كل الإرهابيين هم مسلمون».
إذا لم تكن قد سمعت عن ماكوليامز وافترضت أن وايت كان مريضاً عقلياً، فقد تجد هذا البيان السخيف صحيحاً. غير انه وفقاً لتقرير من الـ«أف بي آي» فإن ٩٤ بالمئة من الهجمات الإرهابية فـي الولايات المتحدة بين اعوام ١٩٨٥ و ٢٠٠٥ قام بها أفراد من غير المسلمين من بينها هجوم أوكلاهوما الذي أدى إلى قتل ١٦٨ شخصاً.
ان حصر الإرهاب بالإسلام يصور الدين كمصدر للإرهاب العالمي ويشيطن كل أتباعه. ولعل استفحال وتيرة «الإسلاموفوبيا» يمكن أن يكون متعلقاً بالصور البشعة لجرائم «داعش» ولكن سببه أيضاً وسائل الإعلام التي خلقت صلة حصرية بين الإرهاب والإسلام.
Leave a Reply