بدأت المملكة السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين والكويت وقطر، وانضمت إليها الأردن ومصر والمغرب والسودان، حملة عسكرية ضد قوات الحوثيين فـي اليمن. فبعد التهديد بالويل والثبور وعظائم الأمور تجلى غضب الجيوش الخليجية وأصبح ساطعاً ليس ضد أعداء الأمة الذين يحتلون الاراضي العربية المقدسة فـي فلسطين ولبنان والأردن وسوريا، ولكن من أجل تدخل فـي صراع داخلي فـي بلد عربي.
كل هذه الأنظمة البترولية، لم يشتعل غضبها بل وقفت مكتوفة الأيدي عندما كان يجري ذبح الآلاف من سكان غزة من قبل إسرائيل فـي الصيف الماضي. بل وقفت تتفرج على سرقة ما تبقى من أرض فلسطين التي تُسرَق كل يوم شبراً شبراً وفداناً فداناً وبيتاً بيتاً ويستوطن فـيها كل شذاذ الآفاق من الشتات المنبوذين ويدنسون المقدسات الاسلامية والمسيحية. نسيت هذه الأنظمة البائسة فلسطين بعد ان أصبح الإرهابي بنيامين نتنياهو يتحدَّث ويدافع عنها فـي واشنطن ويتوسط لها لدى أسيادها. هذه الأنظمة وقفتْ كذلك تتفرج على غزو العراق وتدمير سوريا بل ساهمت الى حد كبير فـي تدميرهما وسقوطهما فـي هاوية الحرب الأهلية. فـي الكثير من هذه المآسي والشرور والمصائب التي حلَّتْ بهذه الأمة، كانت مملكة آل سعود هي المحرك والمحرض والممول ضد الشعوب العربية فـي سوريا والبحرين والعراق ولبنان وليبيا ومصر والآن فـي اليمن.
والمضحك المبكي فـي هذه التراجيديا ان الحكومة السودانية التي هي عاجزة عن الحفاظ على وحدة بلدها وشعبها وأراضيها أو مساعدة مواطنيها الذين يموتون جوعاً، لم تتردد فـي إرسال قوات عسكرية الى اليمن من اجل إرضاء الرياض. أما مصر عبد الناصر فإنها للأسف تشارك بحماس مدعيةً انها ضد «حماس» فقط، لكنها تساهم مع الصهاينة فـي قمع الشعب الفلسطيني من خلال حصار قطاع غزة والتعاون مع إسرائيل للابقاء على إفقار سكان القطاع وتدمير الانفاق وحرمان الفلسطينيين من بديهيات الحياة.
وبينما تجهد السلطات المصرية أيضاً لمحاربة التكفـيريين المجرمين فـي سيناء، تعهدت بتوريط جيشها العربي وقواتها المسلحة فـي صراع داخلي فـي بلد عربي شقيق يعاني من الموجة التكفـيرية نفسها التي تفتك بشعب وجنود مصر بدل الوقوف مع الشعب اليمني ضد مخّلفات تنظيم «القاعدة» فهل هذا ثمن المؤتمر الاقتصادي الذي أقيم فـي مصر مؤخراً ودفعت فـيه أنظمة التخلف ١٦ مليار دولار لنظام السيسي. لكنّ كرامة شعب مصر الذي أنجب محمد عبده وسعد زغلول وجمال عبد الناصر لا يقدر بكنوز الدنيا.
والذي يثير حفـيظة صاحب كل عقل فـي هذه الأرض ان يدعي التحالف الجهنَّمي الذي تقوده السعودية الدفاع عن السلطات «الشرعية» فـي اليمن، فـي حين أنه بالأمس فقط قام برعاية ودعم الانقلاب ضد الرئيس المصري محمد مرسي المنتخب ديمقراطياً، فحلال مصر حرام فـي اليمن الذي يسعى شعبه من أجل الاستقلال عن النفوذ الأجنبي والفساد والطغيان وإحلال العدالة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعودة الى جذور الثورة اليمنية التي ساندها الزعيم الراحل عبد الناصر ودفع فـي سبيلها دماء مصرية طاهرة فـي وجه آل سعود آنذاك أيضاً، فمن العار على السيسي ان يتنكر لتاريخ مصر الأبي.
لقد أصبح اليمن من خلال هذا العدوان الخليجي بزعامة السعودية مسرحاً للحرب الإقليمية بالوكالة التي من شأنها أن تفتح أبواب جهنم فـي مضيق باب المندب وتضر كل اليمنيين والعالم العربي على حد سواء.
ففـي اليمن صراع مستعر حيث تتقاتل فصائل لا تعد ولا تحصى فـيما بينها تحمل خلفـيات أيديولوجية وطائفـية مختلفة وتقاتل من أجل السلطة. فتنظيم «القاعدة فـي شبه الجزيرة العربية»، هو واحد من أكثر الفصائل إرهاباً وتدميراً من بين المنظمات الإرهابية العالمية، وقد اعلن هذا التنظيم ان اليمن موطنه وبدأ يشن هجمات إرهابية ضد قوات الأمن اليمنية والمدنيين فاستولى بالعنف والإرهاب على مساحات كبرى من الأراضي فـي اليمن على مدى العقد الماضي. السعودية لم تطلق رصاصة واحدة ضد الارهابيين دفاعاً عن اليمن. ولم يكلف نظام آل سعود، والذي يطلق على نفسه اسم «حامي الحرمين الشريفـين»، محاربة «داعش» التي تعمل على تدمير صورة الإسلام وتاريخه، كما يحارب اليوم وبشراسة لم يسبق لها مثيل الحوثيين فـي اليمن.
لكن لسوء تقدير السعوديين، التضاريس السياسية فـي اليمن معقدة وليست بهذه البساطة. فأتباع الرئيس السابق علي عبد الله صالح والحوثيون والأحزاب الإسلامية
وأتباع الرئيس عبد ربه منصور هادي والانفصاليون الجنوبيون جميعاً يحملون أجندات متضاربة ولذا فدخول الرياض على خط النار لن يزيدها الا اشتعالاً وسوف تمتد الفوضى والنيران الى خارج حدود اليمن ولن يقتصر
العنف هذه المرَّة على الداخل اليمني كما يحصل فـي سوريا بل سيمتد الى كل أنحاء منطقة الخليج، بما فـي ذلك الأراضي السعودية.
كان على اكبر مملكة فـي الخليج أن تسعى للسلام بين الفرقاء فـي اليمن الذي هو مهد الحضارة وموطن حضرموت وسد مأرب والأرض التي انحدرت منها كل القبائل والشعوب العربية. وكان على السعودية الا ترتكب هذا الخطأ الفادح بشن الحرب على الشعب اليمني الطيِّب الذي لم يعرف الحقد والبغضاء والمذهبية فـي حياته وكان مثال العروبة والقومية والنقاء والإسلام المعتدل. وقد اثبتت التجارب انه لا يمكن أن يكون هناك حل عسكري لأزمة داخلية كما ان اليمن عصي على الغزاة.
الطريقة الوحيدة لليمنيين للخروج من هذه الدوامة هي بالوفاء بالتطلعات الديمقراطية الخاصة بهم والتي عبروا عنها خلال الثورة الشعبية عام ٢٠١١، والاتعاظ من تجارب الحروب الأهلية العربية فـي لبنان وغير لبنان، ووضع أسلحتهم جانباً ومعالجة مظالمهم ومطالبهم بشكل سلمي. نحن لا ننحاز الى فريق بعينه فـي اليمن بل ندعو كافة مكونات الوطن اليمني للعودة إلى طاولة الحوار ونبذ خلافاتهم من أجل بناء نظام تقاسم السلطة وإلا كانت العاقبة وخيمة وسريعاً سيجد الفرقاء أنفسهم يتنازعون كالديكة على وطن محروق يتربص به الأعداء شراً ويحدثون فـيه الفوضى غير الخلاقة!
Leave a Reply