عماد مرمل
إذا كانت المؤسسات الدستورية فـي لبنان تعاني من التآكل فـي الدور والتأثير، بفعل فراغ موقع رئاسة الجمهورية وتراجع انتاجية مجلسي النواب والوزراء، فان المؤسسات الامنية تبدو حاضرة ويقظة، أكثر من أي وقت مضى، لمواجهة اشباح الارهاب، فـي حرب معقدة، هي أصعب بكثير من الحروب الكلاسيكية.
ويسجل للاجهزة الامنية انها نجحت حتى الآن فـي الامتحان، واستطاعت ان تقلل الى حد كبير من تداعيات الازمة السياسية على عملها الذي لا يحتمل فـي هذه المرحلة أي شكل من أشكال الاسترخاء او الهبوط فـي الايقاع.
وفـيما يحتل ملف العسكريين المخطوفـين مرتبة متقدمة فـي الاهتمامات الداخلية، يؤكد مرجع أمني لبناني كبير لـ«صدى الوطن» ان المفاوضات تتقدم مع جبهة «النصرة»، وتتحرك مع «داعش»، موضحا ان البحث بدأ يغوص فـي الاسماء التي يمكن ان تكون جزءا من عملية مقايضة.
ويشدد المرجع على ان هناك ارهابيين شديدي الخطورة، محكومين او موقوفـين لدى السلطة اللبنانية، ليس واردا القبول بإطلاق سراحهم، لارتباطهم بأعمال إجرامية موصوفة، لافتا الانتباه الى وجود استعداد فـي المقابل للبحث فـي إمكانية تضمين صفقة التبادل المفترضة اسماء اقل خطورة.
من مخيم للاجئين السوريين في لبنان(رويترز) |
ويشير المرجع الى ان أعداد السجناء الذين يطالب الخاطفون بالافراج عنهم فـي مقابل إطلاق سراح العسكريين، أصبحت أكثر واقعية قياسا الى الطروحات السابقة، مضيفا: نحن أصحاب خبرة فـي التفاوض من خلال التجربة التي خضناها فـي ملف راهبات معلولا، حيث كان سقف المطالب فـي البداية مرتفعا جدا، لكنه انخفض لاحقا مع الأخذ والرد، لتُنجز فـي النهاية صفقة تبادل واقعية.
ويروي المرجع كيف ان خاطفـي الراهبات طرحوا مطلبا مستجدا فـي اللحظة الاخيرة التي سبقت المباشرة فـي عملية التبادل، عندما اشترطوا فجأة الافراج عن الموقوفة فـي احد السجون السورية سجى الدليمي مع أولادها، لإتمام الصفقة، فأجريت اتصالات سريعة ورفـيعة المستوى مع القيادة السورية انتهت الى موافقة الرئيس بشار الاسد على المطلب.
ويشير المرجع الى ان الاجهزة اللبنانية أوقفت لاحقا الدليمي فـي الاراضي اللبنانية، حيث تبين انها زوجة سابقة لابي بكر البغدادي، موضحا انها موقوفة حاليا لدى الامن العام، وهي حامل، ما استدعى ان تتم معاملتها معاملة خاصة، تراعي خصوصيتها الصحية وتلحظ احتياجاتها كامرأة حامل.
ويؤكد المرجع انه تم الحصول على تطمينات من قبل الخاطفـين بوقف قتل العسكريين، بعدما أبلغناهم باننا لسنا مستعدين للتفاوض على جثث، لافتا الانتباه الى ان القطريين عاودوا الدخول بقوة على خط التفاوض، أما الأتراك فلا دور لهم فـي الوساطة.
ويكشف المرجع عن ان مخيم النازحين السوريين الموجود فـي جرود بلدة عرسال الحدودية بات يشكل عبئا أمنيا على لبنان، لان المجموعات المسلحة تستخدمه ملاذاً لها، وكثيرا ما تستحوذ على المساعدات الانسانية التي يتم ارسالها الى النازحين المقيمين فـيه، بحيث اصبح هذا المخيم رافدا تموينيا ولوجستيا لتلك المجموعات، بحكم الامر الواقع الميداني.
ويوضح المرجع الامني ان هناك قرارا سياسيا قد اتخذ بإزالة هذ المخيم وتوزيع النازحين المنتشرين فـيه على مخيمات صغرى، يُفترض ان تنشأ ضمن مشاعات تعود للدولة فـي مناطق بقاعية أخرى، تقع على مسافة من الحدود مع سوريا، مشيرا الى حصول توافق سياسي بين الاطراف الاساسية حول هذا الامر الذي من شأنه ان يريح المنطقة المحيطة بجرود عرسال.
ويقول المرجع ان الاجراءات المتخذة على الحدود لتنظيم دخول السوريين الى لبنان، باتت تُطبق بمرونة لتسهيل العبور، موضحا ان جهودا تُبذل لضبط آلية تطبيق الاجراءات ومنع الفساد من التسرب اليها، وقد جرى بالفعل توقيف العديد من العناصر الامنية المتورطة فـي مخالفات للقانون، على هذا الصعيد.
وعلى مستوى الوضع الامني العام، يشدد المرجع على ان الخلايا الارهابية التكفـيرية فـي لبنان تلقت العديد من الضربات التي أدت الى تفكيك بعضها، وصولا الى تراجع مخاطر الارهاب، إنما من دون ان تنتفـي كليا، إذ لا تزال توجد خلايا أخرى موجودة، وهي قيد المراقبة والملاحقة.
ولا يخفـي المرجع عدم ارتياحه لواقع بعض المخيمات الفلسطينية التي تبدو قابلة للتوتر والاضطراب فـي اي وقت، مستبعدا فـي سياق متصل اية تسوية لوضع فضل شاكر المقيم فـي مخيم عين الحلوة، لأن ملفه صعب ومعقد، ولا يمكن القبول بجعله موضع مساومة على حساب القانون والقضاء.
ويؤكد المرجع ان التنسيق بين الاجهزة الامنية اللبنانية (مخابرات الجيش، الامن العام، فرع المعلومات، أمن دولة) هو أفضل من السابق، بعدما توحدت جميعها حول مواجهة خطر «داعش» و«النصرة»، بينما كانت لكل جهاز فـي الماضي أجندة مستقلة ومنفصلة، تبعا لولائه السياسي وللمرجعية التي يتبع لها.
ويلفت المرجع الانتباه الى انه لم تكن هناك أولويات واحدة لدى الاجهزة، انعكاسا للانقسام الداخلي الحاد حول الخيارات السياسية والامنية، لكن تحدي الارهاب فرض إيقاعه عليها، ودفعها نحو تعزيز التنسيق والتعاون، على قاعدة أولوية مشتركة هذه المرة، هي مواجهة عدو واحد.
ويشدد المرجع على ان التدابير الامنية وحدها لا تكفـي لتحصين الساحة الداخلية، معتبرا ان الإنماء هو شريك ضرروي فـي تحقيق الاستقرار وتعزيز المناعة، خصوصا فـي المناطق الفقيرة التي تشكل فـي العادة أرضية خصبة لتمدد التطرف، مشيرا الى ان الاستثمار فـي الامن هو جزء حيوي من اية استراتيجية لمواجهة الارهاب.
Leave a Reply