نبيل هيثم
هدف فـي الوقت الضائع… هكذا ببساطة يمكن وصف الفوز الذي حققه رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو فـي الانتخابات الاخيرة للكنيست العشرين فـي تاريخ الكيان الصهيوني.
عشية ذهاب الإسرائيليين الى مراكز الاقتراع كانت كل استطلاعات الرأي تكاد تجزم بانتكاسة مدوية لرئيس الوزراء اليميني، حتى ان معظم الاستبيانات التي اجريت بعد عملية التصويت راحت تؤذن بتعادل انتخابي بين المعسكرين المتنافسين: حزب «الليكود» اليميني الذي يقوده نتنياهو، و«الاتحاد الصهيوني» الذي جمع خصومه من اليسار والوسط أمثال يتسحاق هيرتسوغ وتسيبي ليفني وعمير بيرتس.
لكن رياح اليمين أتت بعكس ما كانت تشتهيه سفن خصومه، فالنتائج الفعلية للانتخابات اتت صادمة وان كانت لم تفاجئ الكثيرين، وخصوصا الذين يتابعون مسار الحركة السياسية فـي الدولة العبرية خلال العقد الماضي: فقد اختار الاسرائيليون منح «بيبي» ولاية رابعة، وتجديد البيعة لليمين، الذي بدا ان المجتمع الاسرائيلي قد الفه، برغم سلسلة الإخفاقات التي لاحقت حكومة نتنياهو خلال الفترة الماضية على المستوى الاقتصادي-الاجتماعي، والتي كان خصومه يراهنون عليها لتحقيق الانتصار.
وإذا كانت هناك من دلالة لانتخابات الكنيست العشرين فهي ان جنوح المجتمع الاسرائيلي نحو اليمين بات هستيريا اكثر من اي وقت مضى، وهو ما أدركه نتنياهو ومهندسو حملته الانتخابية، ونسجوا عليه تكتيكاتهم الانتخابية الاخيرة، التي مكنت «الليكود» من استعادة زمام المبادرة، وتصدر المشهد السياسي، ومقارعة خصومه، ليس فـي الشارع الاسرائيلي فحسب، وإنما فـي البيت الأبيض، الذي ربما راهن رئيسه باراك اوباما على علاقة هادئة مع الحليف الاستراتيجي خلال ما تبقى من ولايته.
ولعل الإضاءة على التكتيكات الانتخابية الاخيرة التي اعتمدها نتنياهو تبدو مفـيدة للتعرف الى الوجهة التي يسير فـيها المجتمع الاسرائيلي الموغل فـي العنصرية.
هذه التكتيكات قامت بشكل أساس على خطاب عنصري متشدد، بلغ ذروته فـي اليوم الانتخابي عبر التحريض على فلسطينيي العام ١٩٤٨، الذين خرجوا بكثافة للتصويت لصالح قائمتهم الموحدة. وكان واضحا، كما أظهرت نتائج الانتخابات، ان خطاب نتنياهو قد دغدغ مشاعر الإسرائيليين، بدءا برفضه الدولة الفلسطينية وتعهده بمزيد من الأنشطة الاستيطانية، مرورا بحديثه عن تآمر دولي للإطاحة به، وصولا الى التباهي بالتصدي لاوباما فـي عقر داره وتشويشه على الاتفاق النووي المحتمل مع ايران.
ويرى محللون إسرائيليون أن على راس العوامل التي ساهمت فـي تحقيق الفوز الانتخابي كان جولته الأخيرة فـي واشنطن، حيث ألقى خطاب التحدي/الاهانة لباراك اوباما فـي الكونغرس وذلك لاستغلال الملف النووي الإيراني للحصول على دعم الجمهوريين، واستنفار الداخل عبر تقديم نفسه على انه رئيس الحكومة الوحيد القادر على حماية أمن اسرائيل
ولو كلف ذلك التضحية بعلاقة تاريخية وثيقة مع البيت الأبيض.
اما العامل الثاني فتمثل بالهجوم العنصري ضد العرب، حيث القى نتنياهو خطابا فـي الميدان المركزي فـي تل ابيب فاتحا النار على اكثر من طرف، وتحديدا ضد فلسطينيي العام ١٩٤٨، مستحضرا بلهجة الترهيب ارتفاع نسبة التصويت فـي أوساطهم الى ٧١،٨ فـي المئة (وهو رقم قياسي منذ انتخابات العام ١٩٩٩)، ومن ثم ابداء التعنت فـي ما يتعلق بعملية التسوية عبر رفع شعارات من قبيل «القدس الموحدة العاصمة الأبدية لإسرائيل»، و«رفض قيام دولة فلسطين»، و«عدم التنازل عن أراض جديدة للفلسطينيين»، و«عدم التخلي عن البناء الاستيطاني».
وفـي العموم فقد انتهت الانتخابات الى النتيجة الآتية:
– حزب «الليكود»:٣٠ مقعدا.
– المعسكر الصهيوني: ٢٤ مقعدا.
– القائمة العربية المشتركة: ١٣ مقعدا.
– «يعيش عتيد»: ١١ مقعدا.
– حركة «كلنا»:١٠ مقاعد.
– «البيت اليهودي»: ٨ مقاعد.
– حركة «شاس»: ٧ مقاعد.
– «اسرائيل بيتنا»: ٦ مقاعد.
– «يهودوت هتوراه»: ٦ مقاعد.
– «ميرتس»: ٥ مقاعد.
وفـيما تظهر تلك النتائج ان الانتخابات الاخيرة كانت بمثابة استفتاء عام على شعبية نتنياهو، فإن الأرقام تظهر ان رئيس الوزراء الاسرائيلي فـي حاجة الى نسج تحالفات، بأثمان متفاوتة وباهظة، لتمكينه من تشكيل الحكومة الجديدة.
وفـي هذا الإطار، يمكن الحديث عن ثلاثة سيناريوهات ربما لا تبشر نتنياهو بحكومة مستقرة.
ويتمثل السيناريو الأول، وهو الأكثر ترجيحا بتشكيل حكومة يمين ضيقة برئاسته تستند إلى 58 مقعدا من مقاعد الكنيست، وتضم «الليكود» و«البيت اليهودي» و«شاس» و«يهودوت هتوراه» وحزب «كلنا» برئاسة موشيه كحلون. وفـي هذه الحالة سيضطر نتنياهو إلى ضم حزب «اسرائيل بيتنا» برئاسة أفـيغدور ليبرمان، الذي يشترط الحصول علىحقيبة وزير الخارجية، وبذلك ستستند الحكومة إلى 63 مقعدا. وبرغم الازعاجات التي يمثلها ليبرمان الا ان نتنياهو قَدْ يجد نفسه مكرها على القبول به، بعد امتناع حزب «هناك مستقبل» عن الانضمام الى حكومة تضم «حريديم».
اما السيناريوهان الباقيان، وفرص تحققهما اقل، فـيتمثلان اما بتشكيل حكومة وحدة مدعومة بـ ٧٧ مقعدا فـي الكنيست ويتناوب على رئاستها بنيامين نتنياهو ويتسحاق هيرتزوغ، او حكومة وسط ضيقة تستند إلى ٥٤ مقعدا ويرأسها هرتسوغ، وهو خيار يتطلب دعم القائمة العربية الموحدة. لكن هذا السيناريو يبقى ضعيفا جدا، بسبب حاجته لدعم الأحزاب العربية.
وبانتظار تبلور شكّل التحالفات خلال الأيام المقبلة، بات واضحا ان الانتخابات الاخيرة كانت أشبه بالاستفتاء العام على «الليكود» ونتنياهو، الذي هو بشكل عام اول الرابحين، ويليه فـي ميزان الربح كل من القائمة العربية الموحدة التي غدت القوة الثالثة فـي الكنيست، وحزب «كُلُّنا» بزعامة موشيه كحلون، وهو حِزْب منشق عن «الليكود»، من شبه المؤكد ان مكاسبه السياسية ستترجم فـي عدد لا باس به فـي الحكومة الجيدة.
اما فـي طليعة الخاسرين، فـيظهر فـي الداخل افـيغدور ليبرمان الذي تراجع عدد مقاعد حزبه «اسرائيل بيتنا» من 13 الى ستة، وذلك بعدما عانى فـي السنوات الأخيرة من فضائح الفساد والرشى وخيب آمال جمهور المهاجرين الروسالذين يشكلون ظهيره الشعبي. الخاسر الثاني هو حزب اليمين القومي الممثل لجمهور المستوطنين المتدين «البيت اليهودي» بزعامة نفتالي بينيت الذي انخفض تمثيله ايضاً من 12 مقعداً الى ثمانية. والواقع أن خسارة هذين الحزبين جاءت نتيجة انتقالا لأصوات منهما نحو «الليكود» من أجل دعم حزب يستطيع فـي النهاية تأليف حكومة.فـي حِين ان الخاسر الثالث هو حركة «ميرتس» اليسارية التي انخفض تمثيلها من ستة الى أربعة مقاعد.
وإذا كان نتنياهو هو الرابح الاول داخليا، فانه قد يكون الخاسر الاول خارجيا، فالنتيجة الصادمة للانتخابات الإسرائيلية وجدت أصداءها سريعاً فـي العديد من العواصم الإقليمية والدولية، التي ستكون معنية بمراجعة حساباتها للتعاطي مع نتنياهو كرئيس لوزراء إسرائيل للمرة الرابعة، بمواقفه المتطرفة حيال عملية التسوية مع الفلسطينيين وايضا ازاء اي اتفاق فـي الملف النووي الإيراني.
وفـي ضوء المواقف التي أعلنها نتنياهو خلال الساعات الأخيرة من حملته الانتخابية، سيكون من الصعب على إدارة أوباما إعادة احياء مفاوضات التسوية بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية، وستجد نفسها معرضة لضغوط الجمهوريين فـي كل مرة يخرج فـيها نتنياهو للتشويش على المفاوضات النووية مع ايران. وبرغم تأكيد الطرفـين على عمق العلاقات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وعدم تأثرها بأي خلافات تفصيلية أو آنية، إلا أن الاحتكاك الذي حصل مؤخرا، وبلغ ذروته فـي خطاب نتنياهو امام الكونغرس، يشي بحدوث شرخ استراتيجي فـي العلاقات الأميركية- الإسرائيلية، كسابقة هي الأولى من نوعها فـي تاريخ العلاقات بين الحليفـين.
وَعَلَى هذا الأساس فان الحليفـين قد يتصادمان فـي الأسابيع المقبلة مع تسارع وتيرة الماراثون التفاوضي النووي مع بدء العد العكسي للمهل الزمنية النهائية للاتفاق المحتمل بين ايران والغرب.
وعلاوة على ذلك فان مواقف نتنياهو المتشددة من عملية السلام قد تصب مزيدا من الزيت على نار العلاقات المتوترة، ولذلك فقد تعمد الولايات المتحدة الى غيرها من الأعضاء الدائمين فـي مجلس الأمن لتبني قرار يعترف بالدولة الفلسطينية ويطالب بانهاء الاحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية والقدس الشرقية، وما بيان الْبَيْتِ ألأبيض فـي هذا الشأن قبل يومين ودعوته اسرائيل الى انهاء احتلال مناطق طال احتلالها لخمسين سنة سوى رسالة بهذا المعنى.
النظام الانتخابي في إسرائيل
النظام الانتخابي فـي اسرائيل يعكس تعدد التيارات السياسية فـي المجتمع الاسرائيلي، الا انه السبب فـي اخفاق الحكومات المتعاقبة فـي الحفاظ على ائتلاف مستقر.
ويعني نظام التمثيل النسبي المعتمد فـي اسرائيل ان بامكان اي حزب ان يدخل الكنيست المؤلف من 120 مقعدا اذا ما تخطى عتبة3,25% المحددة. وكان النواب الاسرائيليون أقروا العام الماضي قانونا يرفع نسبة الحسم الانتخابي الذي يسمح بدخول الكنيست من 2% الى 3,25% فـي خطوة انتقدتها المعارضة ووصفتها بمحاولة لطرد الاحزاب العربية من الكنيست.
وتنافست فـي الانتخابات الاخيرة 25 لائحة على اصوات خمسة ملايين و881 ألفا و696 اسرائيليا، ولكن فـي ضوء نتائج التصويت فإن 11 حزبا فقط ستدخل الكنيست.
وفـي اعقاب صدور النتائج الرسمية، سيكون امام الرئيس رؤوفـين ريفلين سبعة أيام لتكليف زعيم الحزب الفائز بتشكيل الحكومة. بعد ذلك سيكون امام رئيس الوزراء المكلف 28 يوما لتشكيل حكومة. وفـي حال الضرورة يمكن لرئيس الدولة تمديد هذه الفترة 14 يوما اضافـيا.
وفـي حال لم يتمكن رئيس الوزراء المكلف من تشكيل ائتلاف حكومي خلال هذه المدة، يصبح بامكان ريفلين تكليف زعيم حزب آخر القيام بهذه المهمة، وسيكون امام الاخير ايضا مهلة 28 يوما لتشكيل حكومة. واذا تعذر على رئيس الوزراء المكلف الجديد تشكيل ائتلاف حكومي، يكلف رئيس الدولة عندها شخصا ثالثا بهذه المهمة. وفـي حال فشله فـي تشكيل ائتلاف خلال مهلة 14 يوما، يدعو عندها الرئيس الى اجراء انتخابات جديدة.
ولا بد ان يتمتع الائتلاف الحكومي بأكثرية 61 نائبا على الاقل كي تتشكل الحكومة.
ولم يتمكن حزب واحد فـي تاريخ اسرائيل من الفوز بالمقاعد الـ61 اللازمة للحكم لوحده.
وعملية تشكيل ائتلاف يمكن ان تكون صعبة، كما ان على الحزب الرئيس التفاهم مع العديد من الاحزاب التي تطالب بحقائب وزارية فـي الحكومة الجديدة، كل طبقا لاجندته. وكان هذا سببا لعدم استقرار معظم الحكومات الاسرائيلية حيث لم تتمكن سوى ستة برلمانات من اكمال مدتها القانونية وهي اربع سنوات.
القائمة العربية الموحّدة
لا شكّ فـي ان القائمة المشتركة، التي انضوت تحت لوائها الأحزاب العربية، حققت إنجازا تاريخيا. إذ لأول مرة يصبح العرب القوة السياسية الثالثة فـي اسرائيل، ولأول مرة يصوت ٧٠ بالمئة من العرب فـي انتخابات تشريعية وتذهب ٩٠ بالمئة من أصواتهم للقائمة العربية.
و«القائمة العربية المشتركة» هي تحالف بين كل من «الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة»، و«التجمع الوطني الديمقراطي»، و«الجناح الجنوبي للحركة الإسلامية»، و«القائمة العربية للتغيير».
وهذا هو أكبر تمثيل للنواب العرب فـي تاريخ الكنيست المكون من 120 نائبا، وذلك منذ أول انتخابات جرت عام1949، فـي العام التالي لقيام إسرائيل على أراض فلسطينية محتلة.
لكن ترجمة الإنجاز قد تبقى محدودة على الصعيد النوعي. فقد تبددت الفرصة التاريخية، بأن ترأس القائمة العربية المعارضة البرلمانية بعد هزيمة هرتسوغ.
ومع ذلك، فان القائمة العربية ستكون كتلة معارضة أساسية فـي التصدي الى عشرات القوانين العنصرية التي ما تزال فـي جعبة اليمين، كما انها سترأس عدة لجان فـي الكنيست وهي فرصة للتأثير او الأقل المقاومة لسياسات الليكود.
Leave a Reply