بلال شرارة
فـي الشرق «زراعة ريح وحصاد عواصف», هكذا الامر فـي دورتي الحياة والموت.
حياة بطيئة مثل نفس النارجيلة, تأخذه عميقاً الى جوفك ثم تزفره, فتعتقد أنك تنام على ارجوحة القمر. وانت لا تنام بل تصرف الوقت على قارعة الانتظار… حياة بطيئة مثل انتظار غلة موسم تبغ لا يأتي حصاده, وإذا آن فلا يسمن ولا يغني من جوع.
موت بطيء ممل, موت غامض وفاضح يطلق أقواله الاخيرة امام شهود: موت كامل لحقوق الانسان واحداً واحداً,حقه فـي التفكير وحقه فـي التعبير والابداع, وحقه فـي الانتقال والمأكل والملبس والتعليم والطبابة والوظيفة, حقه فـي الماء والكهرباء والاجر الذي يوازي عمله ثم يأتي بعد هذا كله اليوم العالمي لحقوق المستهلك بينما الدولة تلقي القبض على مواد مشعة ونحن تستهلكنا الاقاويل المغرضة! لا دولة و(لا شحار) ولا بكرا وذلك ليس فـي لبنان فحسب بل فـي الشرق هناك موت كامل لمشروع «الدولة» وقد استهلكناه حتى الثمالة ولم يعد من صورة الدولة سوى (جيش النظام) والسؤال : هل تريد اسقاط النظام؟ هل تريد اقامة النظام؟
ربما بتنا نستحق عيداً غريباً جديداً:
اليوم العربي لاستهلاك النظام
واقترح ان يكون يوم 21 آذار محطة العيد بالترافق مع انطلاق ربيع كل عام احياء لذكرى (الربيع العربي).
وبعد كل هذا الموات يأتي الموت الجسدي الى حيث توارى الثرى.
فـي الشرق يكون الموت بطيئاً, تموت شعاراتك أولاً بأول . تسقط كما صورة قمر على صفحة بركة ماء تظنه حقيقياً, تحاول أن تطاله فتمد له أذرعاً,أو قشة روحك ليصعد عليها,واذا بك تعكر عليه حلمه فـيتكسر.
فـي الشرق تموت شعاراتك التي صرفت الزمن عليها, تطاردها فـي يقظتك وحلمك وتصير فلسطين أبعد من مرمى عيونك, ثم ينخفض سقف الحرية حتى يكاد يطبق على صدرك, وتصبح الديموقراطية مجرد اضافة لغوية مستعارة اقتحمت العربية الفصحى فـي لحظة قيلولة قبل ان تولد او بعد ان تموت.
تموت شعاراتك وانت تنتظر ان تزال الحدود لتبدأ هجرتك العكسية من حيث أتيت, من صحرائك او من حيث فرقتك المياه بعيداً عن شاطىء طفولة ذاكرتك.
تموت شعاراتك فـي موالاتك ومعارضتك, وتستحيل كل العناوين كومة من الناس , مجردة من الاسلحة . وتصبح قضاياها فكرة عبثية وينتهي بها الامر الى الرضوخ.
فـي الشرق يصبح العمر كابوساً, كلما تقادمت بك السن, وتصبح مجرد جثة نابضة تلبس ثياباً لائقة أورثة لا فرق, تدفن نفسها مع الآخرين فـي شارع ما دون احاسيس , وقعت الحكومات على شهادة وفاته – الشارع – منذ زمن بعيد ثم اخذت تصرفه جثة جثة وتلقي به فـي قبور انفرادية أو جماعية.
فـي الشرق تصبح أنت جمل المحامل لرحلة طويلة الامد, منذ الازل الى الزوال. وانت تمضي تحدك الاسئلة من الجهات الاربع , فتجد فـي السير لعلك تصل الى جواب ولن تصل.
ها أنت ذا تتفسخ.. تتفكك دون ضمانات أن تنفجر بك سيارة وانت تصلي ان تقتلك رصاصة طائشة او صائبة او انك تنام على دولة وتقوم على اخرى فـيمتلكك احد ويحررك احد وتنحل دون ضمان صحي او اجتماعي او شيخوخة.
يحدث ذلك فـي الشرق حيث تنبع الشمس , ثم تستحيل شركة خاصة للانارة وحيث ينبع الماء, فـيغمرك الطوفان الابدي, وحيث ينبع النفط حريق نار لا ينطفىء سعيرها . يحدث كل ذلك وانت معاق ومقعد عن التفكير, مدمر ومتلاش تماماً لا تتشكل عيونك على صورة واضحة, ولا يجتمع مسمعك على جملة مفـيدة بل على هذيان كلام.
يحدث كل ذلك فـي الشرق, ثم يأتي الغرب فتصبح مشاعاً له. يفتح حدود جلد الثور على مساحة سوقك الاستهلاكية, يعيد صناعتك وملاءمتك لانتاجه ويخضعك لصهيل آلته الحربية لادارة شركة قابضة على روحك من المهد الى اللحد.
وبعد وبعد هل لك قيامة من نومك المستحيل ايها الشرقي يا خفـيف العيون؟ ربما ولكن تحتاج الى من يقف فوق اجفانك حتى لا تبقى تسكن على انقاض النوم, وحتى لا تبقى صدى معتزلاً داخل نفسك فـي منتصف المرارة والهزيمة,ووقع خطى لجسد مفقود مثل ظلال رجل القش الذي تهرب منه العصافـير حتى لا تجرح ايقاعه الحزين.
Leave a Reply