علينا ان نعترف بأننا هُزمنا فـي عقر دارنا ومُنعنا حتى من الفرح والاحتفاء بثقافتنا، او حتى مشاركتنا الآخرين بذلك ولو مرة فـي السنة.
فـي عام ٢٠١٠ جاء المتعصبون التبشيريون إلى مدينتنا من أجل فشِّ حقدهم وعنصريتهم فـي المهرجان العربي الدولي وانتهى بهم المطاف فـي هذا النظام العجيب الفريد من نوعه بانهم قطفوا تعويضاً من أموال الضرائب فـي خزينتنا قدره ٣٠٠ ألف دولار نقداً وعدَّاً، بعد مقاضاة البلدية على «اعتقالهم غير المشروع». وبقي هؤلاء المحتجون، الذين تسكنهم الكراهية والبغضاء، يترددون على المهرجان فـي العامين المتتاليين ليعيثوا فـيه فساداً مما أسهم فـي أن يكونا آخر موسمين للمهرجان العربي.
وهكذا فـي عام ٢٠١٣ أعلنت غرفة التجارة العربية الأميركية فـي ميشيغن، التي عُهِد اليها بتنظيم المهرجان، أن هذا الحدث «الثقافـي» السنوي سيتم تأجيله فقط. لكن التأجيل المؤقت تحوَّل الى دائم لعدة عوامل منها ارتفاع تكاليف التأمين، وافتقار البلدية إلى الحماس اللازم للمهرجان (ولكن طبعاً لو كان مهرجاناً بولندياً أو ايطالياً مثلاً لكانت حماسة البلدية متقدة أكثر)، وبسبب فشل مساعي نقل المهرجان من شارع وورن إلى إحدى المتنزهات، كل هذه الأسباب قللت للأسف من حظوظ تعويم المهرجان.
لقد أفلح المتطرفون فـي إلغاء المهرجان، بل وحصلوا على مالٍ من وراء عيدنا. وكل أسباب إلغاء المهرجان تعود الى التظاهرات التي قام بها المتشددون العنصريون والدعاوى القانونية التي رفعوها ضد ديربورن ومقاطعة وين فـي السنوات السابقة. ذلك لانه فـي عام ٢٠١٢، تم تكليف مكتب شريف مقاطعة وين لتأمين الأمن والحماية للمهرجان، وكان هذا مؤشراً واضحاً على تضاؤل التزام بلدية ديربورن بحفظ أمن المهرجان على أرضها الميمونة. وقد تُرك عناصر الشريف لوحدهم ليطلبوا من المتظاهرين، الذين كانوا يحملون رأس خنزير على عصا ويرددون شعارات معادية للإسلام، بمغادرة المهرجان تفادياً للمشاكل بعد أن بدأ السكان الذين شعروا بإهانة دينهم ومشاعرهم برمي الزجاجات الفارغة عليهم.
المتشددون قاموا بعدها بإقامة دعوى قضائية ضد المقاطعة، ولكن قاضياً فـدرالياً نظر بالدعوى وقام برفضها. كذلك فعلت محكمة الاستئناف قبل ان تقرر المحكمة نفسها إعادة النظر فـيها هذا العام.
ووصلنا الى عام الفصل فـي ٢٠١٤ الذي شهد أيضاً إلغاء المهرجان. وكانت مديرة الغرفة التنفـيذية، فاي بيضون، قد ذكرت عبر «صدى الوطن» فـي العام الماضي أن الغرفة «تعمل على جوجلة أفكار لإشراك كل الجالية فـي الأحداث الثقافـية». ولكن ها هو صيف عام ٢٠١٥ يقترب، ونحن لم نسمع بعد بأي شيء عن الاحداث والمناسبات التي ستجري على نطاق المهرجان!
لقد كان المهرجان العربي تقليداً سنوياً جذب الآلاف من الناس إلى ديربورن منذ عام ١٩٩٥ومهما حصل لم يكن ينبغي إلغاؤه وكان يجدر على رئاسة هذه البلدية التعيسة التي تبتعد رويداً رويداً عن نبض الجالية، أنْ تبادر للحفاظ على هذا المهرجان العربي.
وعلى الرغم من المخاوف من الاكتظاظ السكاني والهاجس الأمني ورمي النفايات، شكّل المهرجان نافذة تطل على مجتمعنا وجاليتنا وقدم فرصةً لمواطنينا الأميركيين لاستكشاف حقيقة ثقافتنا وعاداتنا الغنية، حتى ولو من خلال المطبخ الشرقي والموسيقى وحب الحياة، ورغم اعتوار المهرجان بعض الثغرات والتفاصيل التي يمكن تلافيها وتحسينها عاماً بعد عام.
والآن يتم إغلاق هذه النافذة التراثية بالكامل، على الرغم من أننا فـي حاجة إليها اليوم أكثر من أي وقت مضى فـي زمن التكفـيريين والصور النمطية المرعبة الآتية من الشرق الأوسط والمفاهيم الخاطئة التي تشوهت أكثر فأكثر عن العرب والمسلمين الأميركيين، وخاصة فـي مدينة ديربورن، بفضل بروز «داعش» وأخواتها من الإرهابيين مما يسهم مجدَّداً فـي انتشار الخوف من الإسلام فـي الولايات المتحدة. وقد زعم تقرير حكومي فـدرالي قد تسرب خلسة فـي العام الماضي أن لدى مدينة ديربورن ثاني أعلى نسبة من الارهابيين المشتبه بهم فـي البلاد ولم تحرك هذه البلدية ساكناً حول هذا الموضوع الحساس المتعلق بشريحة واسعة من النسيج الاجتماعي فـي المدينة.
وبدلاً من الحديث عن إسهام الجالية الشرق أوسطية فـي منطقة مترو ديترويت، بات هاجس وسائل الإعلام المحلية المنحازة يتمحور حول رجل دين مسلم داعم لـ«داعش» يعيش فـي ديربورن ومتهم بقضايا احتيال قانونية، لكن هذا الاعلام الموتور لم يسمع او يرَ ان كل رجال الدين المسلمين الباقين هم ضد التكفـيريين وضد الإرهاب الذي تمثله «داعش» و«القاعدة» وغيرها.
لقد كان المهرجان العربي سيؤمن ارضية إيجابية تسهم فـي تنفـيس الاحتقان فـي المنطقة ويمنع كل هذه السلبية وزواله يشكل خسارة للجالية والمدينة وكل منطقة مترو ديترويت.
لم يكن ينبغي على شرطة ديربورن اعتقال المتعصبين المحتجين. كما لم يكن ينبغي عليها تسوية القضية القانونية مقابل مبلغ ضخم من المال العام وكان على أفراد الجالية التحلي بضبط النفس وعدم القاء الزجاجات على المتظاهرين. وكذلك كان المفروض على غرفة التجارة أن تصب المزيد من الجهد للحفاظ على المهرجان العربي بسبب قيمته ودوره.
وأخيراً يجدر بمؤسسات جاليتنا العمل معاً لإقامة المناسبات القيمة التي من شأنها إشراك محيطنا والجوار، وفـي الوقت نفسه تعزيز ثقافتنا وحضورنا وابعاد شبهتي التطرف والإرهاب الآتيتين من الموجة التكفـيرية خارج الحدود.
Leave a Reply