نبيل هيثم
بعد نقاشات مضنية وامد طويل من المماحكات والمطولات والمد والجزر من الافكار والطروحات والمخارج والالغام والافخاخ التي فرشت على طاولة ما تسمى مجموعة ال5 + 1، تنفس الجميع الصعداء وولد الاتفاق حول النووي الايراني فـي مدينة لوزان السويسرية يوم الخميس 2 نيسان (أبريل) 2015.
انه تاريخ مفصلي، توصلت دول 5+1 وإيران لاتفاق مبدئي حول البرنامج النووي لإيران، فـي اتفاق رحب به كل من أوباما والاتحاد الأوروبي إلى جانب إيران. واما ابرز المعايير التي تم التوصل إليها، كانت بتخفـيض قدرات التخصيب لإيران ولا مواد انشطارية فـي منشأة فوردو، وتحويل منشأة فاردو إلى مركز تكنولوجي وفـيزيائي ومنشأة آراك لن تنتج بلوتونيوم للتسليح، إلى جانب تخفـيض مخزون إيران من اليورانيوم قليل التخصيب من 10 آلاف كيلوغرام إلى 300. وتخفـيض اجهزة الطرد المركزي من 19 الفا الى 6 الاف وفـي المقابل، ستقوم كل من الولايات المتحدة وأوروبا بتعليق العقوبات الاقتصادية المتعلقة بالملف النووي الإيراني، فـي الوقت الذي ستعلق فـيه الأمم المتحدة كامل القرارات الصادرة بشأن هذا البرنامج.
طبعا, وقبل كل شيء وبعد كل هذا التعب ينبغي القول ان العبرة فـي التنفـيذ, وفـي تقيد كل الاطراف بمندرجاته, وفـي قدرة كل الاطراف وعلى وجه الخصوص الاولايات المتحدة الاميركية وايران على حماية هذا الاتفاق من كل المتضررين.
انه النصر المبين , هكذا تعتبره ايران ..
وانه اتفاق تاريخي على حد توصيف الرئيس الاميركي باراك اوباما، وهو اتفاق عظيم على حد توصيف وزير الخارجية الاميركي جون كيري الذي اشار الى انه «قد اصبح لدينا معايير لحل المسألة النووية الايرانية».
وانه اتفاق يبعث على السعادة على حد تعبير مسؤولين اوروبيين وانه بلا ادنى شك, مفتاح لحقبة جديدة فـي الشرق, وكما اكدت موسكو، سيؤثر ايجابا على الوضع الامني العام فـي الشرق الاوسط. كما انه يفتح الباب لمعالجة النزاع الفلسطيني الاسرائيلي كما قالت رئيسة مجلس الامن. وكذلك هو مفتاح لطور جديد من العلاقات المأزومة بين الولايات المتحدة وايران، فهذان الطرفان اللدودان تجاوزا كل التحفظات والمحرمات, وسيدخلان حتما , فـي مرحلة ما بعد الاتفاق فـي اختبار الثقة بينهما, وهذا بلا شك, اختبار صعب وطريقه صعب ومتعرج.
وهو فـي الوقت ذاته, يوم اسود بالنسبة الى اسرائيل التي بدت مع انبلاج نور الاتفاق وكأنها دخلت فـي الحداد , وها هي تعتبر الاتفاق خطأ تاريخيا وتتوعّد على لسان المسؤولين فـيها بأنها ستتخذ ، من طرف واحد، كل ما من شأنه ان يحفظ امنها ووجودها، من دون ان تغفل الخيار العسكري! وعلى حد تعبير رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو الذي صرخ فـي الساعات الماضية فـي كل اتجاه، مهوّلا بأن الاتفاق النووي الإيراني أسوأ مما كانت تخشاه إسرائيل، كان يفضل اتفاقا يحد بشكل كبير من قدرات ايران النووية اذ ان امتلاكها هذا السلاح اكبر تهديد لأمن اسرائيل ومستقبلها. بكى على حائط فرنسا متخوفا من تقديم تنازلات لطهران، وذهب الى حد الافصاح عن ان ما وصفها الدول المعتدلة والمسؤولة فـي الشرق الأوسط ستتضرر من الاتفاق , وكان اكثر صراحة حينما قال انه والعرب فـي خندق واحد ضد الخطر الايراني. لكن الواقعة وقعت، وليس فـي اليد حيلة سوى الاعتراف بأن الاتفاق اقوى واكبر من كل المعرقلين والرافضين.
وهو فـي الوقت ذاته، يوم اكثر سوادا بالنسبة الى السعودية الغارقة فـي المستنقع اليمني دون ان تحقق لحربها هناك ما يمكن ان يعوض لها ولو جزءاً يسيراً من كلفة الحرب التي تكبدتها حتى الآن على ارض اليمن، كانت تنتظر ان تتقدم ولو خطوة على تلك الارض اليمنية العصية, فإذا بها تتلقى الخذلان من الحليف الاميركي العزيز, وبالتالي تتلقى بهذا الاتفاق هزيمة معنوية ومادية لا قياس لها, خاصة وهي الساعية بكل ما اوتيت من مال ونفط لاعاقة هذا الاتفاق والحؤول دون ولادة المارد الايراني من جديد.
واشنطن، تعتبر نفسها حققت انجازا, ولكن الحقل الاميركي قد لا يكون سهلا, امام مجموعة المزايدين الجمهوريين, وثمة قطوع صعب ينتظر اوباما فـي الكونغرس فـي كيفـية التعاطي مع هذا الاتفاق. واولى النذر السلبية جاءت على لسان رئيس مجلس النواب الاميركي جون بينر الذي قال إن إطار الاتفاق النووي الذي أعلن الخميس بين إيران والدول الست الكبرى يمثل «انحرافا مثيرا للقلق» عن أهداف أوباما المبدئية.
ولم يحدد بينر كيف ابتعد الاتفاق عن أهداف التفاوض الأولية لكنه قال إن الكونغرس يجب أن يراجع الاتفاق بشكل تام قبل رفع أية عقوبات مفروضة على إيران. لكنه قال: فـي الأسابيع القادمة سيواصل الجمهوريون والديمقراطيون فـي الكونغرس الضغط على هذه الإدارة بشأن تفاصيل هذه المعايير والأسئلة الصعبة التي بقيت بدون إجابات.
لكن هذه اللغة المتشنجة, مغايرة تماما لسعادة اوباما الواضحة فـي بلوغ هذا الاتفاق الذي لم يتوانَ عن وصفه بالجيد والتاريخي. لافتا فـي الوقت نفسه الى ان الكونغرس سيحرج الولايات المتحدة اذا رفض الاتفاق مع ايران ، فـيما كانت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي الاميركي بيرناديت ميهان قد اعلنت أن الرئيس الاميركي باراك أوباما «سيستخدم حق النقض «الفـيتو» ضد مشروع قانون وافق عليه مجلس الشيوخ ويسمح للكونعرس بمراجعة أي اتفاق مع إيران بشأن قدراتها النووية»، لافتة الى أن «أوباما كان واضحاً إنه الآن ليس وقت اجازة الكونغرس قانوناً اضافـياً بشأن إيران، إذا أرسل مشروع القانون هذا إلى الرئيس سيعترض عليه».
سارع اوباما الى تطمين الحلفاء وقال إنني أبلغت الملك السعودي «احترامنا لكل التزاماتنا»، ودعا اسرائيل إلى دعم الاتفاق مع إيران قائلا إنه «الخيار الأفضل إذا كانت إسرائيل تسعى حقيقة إلى تفادي امتلاك إيران الأسلحة النووية».
وقال اوباما إنه عقد الاتفاق الإطاري بين الدول الكبرى الست وإيران بشأن برنامجها النووي يراعي مصالح الولايات المتحدة والعالم. وقارن الرئيس الأميركي اتفاق لوزان بالاتفاقات التي عقدتها بلاده مع الاتحاد السوفـييتي فـي عصر «الحرب الباردة» قائلا: «تلك الاتفاقات لم تكن مثالية ولم تزل جميع التهديدات لكنها جعلت عالمنا أكثر أمنا. وهو ما ستفضي إليه الصفقة الجيدة مع إيران».
وأشار أوباما إلى أن الاتفاق سيلزم طهران بتنفـيذ سلسلة من الشروط، وأنه فـي إطار الاتفاق سيكون على إيران أن تتعرض لعمليات مراقبة «أكثر من أي بلد آخر فـي العالم».
وأردف قائلا، إنه فـي المقابل سيبدأ المجتمع الدولي فـي تخفـيف العقوبات المفروضة على طهران، مشيرا إلى أنه فـي حال عدم تنفـيذها التزاماتها «فمن الممكن إعادة العقوبات». معربا عن قناعته بأن العقوبات هي التي حملت إيران على الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع الدول الكبرى حول برنامجها النووي.
وأفاد الرئيس الأمريكي بأنه سيكلف مساعديه بإجراء مشاورات إضافـية بهذا الشأن مع الطرف الإسرائيلي.
من جهته أكد الرئيس الإيراني حسن روحاني أنه تم التوصل الى حلول بشأن المعايير الرئيسة فـي المحادثات النووية، مشيراً الى ان صياغة الاتفاق بشأن برنامج إيران النووي ستتم بحلول 30 حزيران. من جهته قال وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف ان «الامم المتحدة ستعلن فـي بيان جديد الغاء جميع العقوبات عن ايران وسيكون هناك اتفاق شاخص بهذا الاتجاه»، لافتا الى «اننا نتعهد ان نتّخذ جميع الخطوات الى حزيران القادم».
اضاف: «حققنا خطوة هامة ووصلنا الى طرق حل شاملة لبعض الامور وهذا كان رهن الارادة السياسية لجميع الاطراف». واليوم نتمكن من صياغة الاتفاق مع مجموعة «5+1» بعد ايام من المباحاثات وايران ستواصل برنامجها النووي السلمي، لافتا الى ان الوكالة الدولية سوف تستفـيد من الاجهزة الحديثة وسوف تستمع الى المعلومات الخاصة وايران ستشارك بالانشطة النووية ومن ضمنها المفاعلات من اجل البحوث العلمية.
بيان الاتفاق
أعلنت رئيسة الدبلوماسية الأوروبية فـيديريكا موغيريني توصل الدول الكبرى الست إلى تفاهم مع إيران حول المبادئ السياسية للاتفاق الشامل بين الطرفـين حول برنامج طهران النووي.
وفـي مؤتمر صحفـي مشترك مع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف عقد الخميس 2 نيسان 2015 فـي مدينة لوزان السويسرية فـي ختام المفاوضات التي أجرتها مجموعة «5+1» مع إيران، قالت موغيريني إن الاتفاق الذي تم تحقيقه سيشكل أساسا للاتفاقية النهائية الشاملة.
وأفادت الدبلوماسية الأوروبية بأن الخبراء قاموا ببلورة مسودة الاتفاقية النهائية، مضيفة أن الطرفـين اتفقا على أن تكون جاهزة قبل 30 يونيو/حزيران المقبل.
وذكرت موغيريني أن قدرات إيران على تخصيب اليورانيوم ستكون مقيدة، وستتواصل أعمال التخصيب فـي مركز نطنز فقط، أما منشأة فوردو النووية فسيتم تحويلها إلى مركز علمي.
وبحسب البيان المشترك بين إيران ومجموعة «5+1» فإن مؤسسة دولية مشتركة ستساعد إيران على إعادة تصميم مفاعل آراك النووي الذي يعمل بتقنية الماء الثقيل، كي لا يصنع مادة البلوتونيوم القابلة للاستخدام عسكريا، أما الوقود المستخدم فسيتم تصديره إلى خارج إيران.
هذا وشددت الدبلوماسية على أن الاتفاقية بين «5+1» وإيران ستتطلب تصديقها من قبل مجلس الأمن الدولي.
وقالت موغوريني إن الاتحاد الأوروبي سيرفع عقوباته عن طهران فـي إطار الاتفاقات التي تم التوصل إليها فـي لوزان.
من جانبه أفاد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بأن جميع العقوبات المفروضة على بلاده من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ومجلس الأمن الدولي سيتم رفعها بعد عقد اتفاقية شاملة حول البرنامج النووي.
وأعرب ظريف عن ثقته بأن الاتفاقية مع إيران ستؤكد للجميع أن البرنامج النووي الإيراني كان وسيبقى سلميا بحتا.
وأضاف الوزير الإيراني أن بلاده ستقوم ببيع اليورانيوم المخصب لتصبح فـي المستقبل أحد اللاعبين فـي السوق العالمية للوقود النووي.
ولفت إلى أن خلافات جدية لا تزال عالقة بين طهران وواشنطن، لكنه عبر عن قناعته بأن يواصل الطرفان عملهما من أجل الوصول إلى بلورة الاتفاق
Leave a Reply