عماد مرمل
صحيح ان العلاقة بين السعودية وحزب الله لم تكن يوما فـي أحسن حالاتها، لكن الصحيح ايضا ان مستوى التدهور الذي بلغته مؤخرا غير مسبوق. كان يكفـي ان تهب «عاصفة الحزم» السعودية على اليمن حتى تلفح رياحها الحارة تلك العلاقة الهشة، وتزيدها تصدّعا وتمزقا.
وإذا كان الحزب قد اعتاد على «ضبط النفس» فـي الكثير من محطات الخلاف مع الرياض، إلا انه بدا واضحا ان كيله طفح بعد إعلان السعودية وحلفائها الحرب على اليمن.
لقد شكلت هذه الحرب نقطة تحول فـي نمط تعاطي الحزب مع السعودية، ودفعته الى الافراج عن كل «مكنوناته» والتعبير عنها بوضوح وصراحة، من دون اي شكل من
أشكال الدبلوماسية او المداراة، على قاعدة ان هذه الحرب تجاوزت كل الخطوط الحمر، وبالتالي تطلبت ردا من الوزن ذاته.
هذا ما عكسه على الاقل الخطاب الاخير للامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الذي هاجم بعنف القيادة السعودية، واجرى نوعا من «المحاكمة العلنية» او «جردة الحساب» لسياساتها على مدى العقود الماضية.
ولم يتوقف الامر عند هذا الحد، إذ بلغ نصرالله فـي اندفاعته حد توجيه انتقادات قاسية الى أمراء آل سعود تحديدا، الامر الذي انطوى على تطور غير مألوف فـي مسار المواجهة المزمنة- والمتفاوتة الايقاع- بين الحزب والرياض، بعدما اتخذ التحدي هذه المرة طابعا شديد الحساسية، مع دخوله الى قلب القصور الملكية فـي السعودية. ولكن، لماذا قرر نصرالله ان يرفع سقف خطابه الاخير الى هذه الدرجة، وان يذهب فـي الاشتباك مع القيادة السعودية الى مدى غير مسبوق؟
يؤكد العارفون ان ما أدلى به نصرالله هو وليد تراكمات مزمنة، تجمعت على مرّ السنوات الماضية، ثم جاء العدوان على اليمن ليكون بمثابة الشرارة التي أشعلت برميل البارود، وفجرته على هذا النحو المدوي.
ويلفت هؤلاء الانتباه الى ان موقف الرياض خلال حرب تموز2006، على سبيل المثال، ترك أثرا عميقا لدى قيادة الحزب التي شعرت بانها كانت عرضة للافتراء والاساءة عندما اتهمت السعودية المقاومة بارتكاب مغامرة غير محسوبة، فـي وقت كان الاحتلال الاسرائيلي يشن عدوانا مدمرا على لبنان، بحيث بدت القيادة السعودية كأنها تغطي العدوان او تبرره، فـي سياق عدائها لخيار المقاومة ضد الاحتلال.
ومن الملفات الثقيلة الأخرى التي ساهمت فـي قطع الجسور بين الضاحية والرياض، ملف الأزمة الملتهبة فـي سوريا التي تحولت الى مسرح لصراع محموم بين محور تشكل السعودية أحد أعمدته، ومحور آخر بات حزب الله أحد أركانه.
ولأن المحورين يتعاملان مع هذه الحرب باعتبارها مصيرية، فقد سقطت فـيها جميع الضوابط، الى حد ان الحزب حمّل المخابرات السعودية المسؤولية عن عمليات ارهابية وقعت فـي لبنان، ومن بينها التفجير الانتحاري الذي استهدف السفارة الايرانية فـي بيروت، متهما تلك المخابرات برعاية بعض المجموعات التكفـيرية، لاستخدامها ضد ايران وسوريا والعراق وحزب الله.
مرة أخرى، شعر الحزب ان السعودية تحاول من خلال دورها فـي سوريا ولبنان ضرب خيار المقاومة، لاسيما عبر انخراطها التام، وعلى كل المستويات، فـي محاولة إسقاط نظام الرئيس بشار الاسد الذي يُعد من أبرز حلفاء حزب الله وطهران، ضمن معسكر المقاومة والممانعة.
ومع التوغل أكثر فـي جغرافـيا المنطقة، تتبدى أزمة أخرى على طريق الضاحية- الرياض، وتحديدا عند مفترق البحرين، حيث تدعم السعودية النظام الملكي هناك فـي مواجهة الثورة الشعبية التي جرى الاستقواء عليها بقوات درع الجزيرة، بينما اختار الحزب ان يقف الى جانب ما يعتبر انها حقوق مشروعة لشعب البحرين المتطلع الى العدالة والمساواة.
ويؤكد العارفون ان نصرالله أراد فـي كلمته الموجهة ضد السعودية، والداعمة للشعب اليمني، ان يتخذ موقفا مبدئيا ينسجم مع قناعاته، من دون ان يستغرق فـي الحسابات السياسية التقليدية، التي تقوم على اساس قياس الارباح والخسائر.
لقد أراد نصرالله ان يقول بصوت مرتفع ما يشعر ويفكر به، متجنبا مصافـي التكرير التي اعتاد الكثيرون من السياسيين على استعمالها لتدوير الزوايا وتمويه المواقف، تبعا لما تقتضيه المصلحة او المرحلة.
وبهذا المعنى، فان ما صدر عن نصرالله يعكس فـي الحقيقة الآراء الضمنية لشخصيات لبنانية وعربية عدة، تملك القناعة ذاتها، لكنها لا تتجرأ على البوح بها. لقد اختار الامين العام لحزب الله ان يكون متصالحا مع نفسه، برغم التبعات التي قد تترتب على الصراحة التي خاطب بها السعودية.
وفـي الوقت ذاته، يبدو نصرالله حريصا على إبقاء لبنان محيّدا عن تأثيرات الصراع المفتوح، من اليمن الى سوريا وما بينهما، الأمر الذي يفسر إصراره على المضي فـي الحوار مع المستقبل، برغم التصعيد المتبادل أحيانا فـي الخطابين السياسي والإعلامي.
ومن المفارقات فـي هذا الإطار، ان حوار حزب الله – تيار المستقبل يكاد يكون القناة المفتوحة الوحيدة فـي المنطقة، بين السنة والشيعة او بين محور المقاومة والممانعة ومحور الاعتدال، وبالتالي فان هناك حرصا لدى الطرفـين اللبنانيين على حماية هذا الجسر الممدود، وإبقائه سالكا، بعدما انقطعت شرايين التواصل فـي ساحات الصدام الاقليمي.
Leave a Reply