من شوارع طهران إلى البيت الأبيض، احتفل الجميع بالإطار الأولي للاتفاق النووي بين إيران والقوى العالمية فـي الخامس من نيسان (أبريل)، باستثناء إسرائيل والسعودية والجمهوريين فـي «الكنيست الأميركي».
ولكن من بين كل هذه المعارضات تبرز المعارضة السعودية للاتفاق الأكثر فجاجةً فـي عدم عقلانيتها.
فقد رفض الجمهوريون الصفقة بسبب مخاوف تعود إلى السياسية الداخلية وموضوع الانتخابات الاميركية العامة وعينهم على البيت الأبيض فـي عام ٢٠١٦، وبالتالي لا يريدون للديمقراطيين والرئيس أوباما تحقيق نصر وإنجاز مهمين. ومن المفهوم إلى حد ما بالنسبة لإسرائيل معارضتها للصفقة مع إيران، من منظور الواقعية السياسية. فالحكومة الإسرائيلية لا تعارض الصفقة بسبب التهديد النووي الإيراني، الذي يلغيه الاتفاق بحد ذاته، بل هناك أسباب إسرائيلية معلَّلَة. فقد أعلن نتنياهو فـي مقابلة مع «سي ان ان» فـي أعقاب الإعلان عن الاتفاق رسمياً أنَّ «إيران متجهة أول الأمر إلى حد كبير لرفع العقوبات عنها، بما فـي ذلك العقوبات المشلَّة لاقتصادها وهذا سيجعل المليارات وراء المليارات من الدولارات تتدفق على خزائن الدولة الإيرانية، ليس لصالح بناء المدارس أو المستشفـيات أو الطرق، ولكن لضخ آلة الإرهاب الإيراني فـي جميع أنحاء العالم».
إذا، بعكس خطابه فـي واشنطن، فإنه بعرف رئيس الوزراء الإسرائيلي، يُعتبر تهديد إيران لإسرائيل ليس نووياً، ولكنه مالي وسياسي لأن الجمهورية الإسلامية تدعم خصوم إسرائيل، وهما «حزب الله» و«حماس».
وإذا كان هناك بعض المنطق فـي الموقف الاسرائيلي المعادي لإيران كعدو مصيري، الا ان معارضة المملكة العربية السعودية لا تستند الى اي منطق. وفـي حين أن هناك خلافات مذهبية ومنافسات جيوسياسية بين السعودية وإيران، إلا أن البلدين ليسا عدوين طبيعيين. ذريعة السعوديين هي الخوف من ما يسمى الهيمنة الإيرانية على العالم العربي. ونحن كعرب أميركيين، نشعر بالقلق إزاء تضاؤل دور العرب فـي إدارة شؤونهم الخاصة، ولكن ليست إيران هي التي أخذت من نفوذ المملكة العربية السعودية وحجَّمَتْ الدور العربي بل ربيعه المشؤوم وحكامه المأفونون. كذلك يُعزى العجز السعودي الى فقدان البوصلة السياسية الحقيقية نحو فلسطين وانعدام التوجه والاتجاه العروبي، وعدم وجود اي اعتبار لتطلعات الجماهير العربية التي سمحت لإيران بملء فراغ السلطة فـي غزة ولبنان والعراق وسوريا واليمن.
شبه الجزيرة العربية، مهد الإسلام، والسعودية هي أكبر وأغنى دولة عربية. ومع ذلك، أصبحت السياسة الخارجية للملكة كارثية وقيادتها المترهلة والمشتتة أضحت عبئاً على العالم العربي. لقد تخلى السعوديون عن القضية الفلسطينية ودخلوا فـي تحالف ضمني مع الشر المطلق -إسرائيل، فـي الوقت الذي اكتسبت فـيه ايران موطىء قدم لها فـي لبنان والأراضي الفلسطينية من خلال دعم حركات المقاومة مثل «حماس» و«حزب الله». ولو ان السعودية لم تضع رهانها الخاسر على إسرائيل لسحق المقاومة ووفت بالتزامها الأخلاقي لدعم النضال العربي ضد الاستعمار الإسرائيلي، لما أصبح لإيران اليد الطولى فـي بلاد المشرق.
والشيء نفسه يتكرَّر فـي العراق، حيث تصرفت المملكة العربية السعودية كمشارك وكشريك فـي تجويع الشعب العراقي لمدة ١٣ عاماً من خلال تطبيق العقوبات الأميركية بعد حرب الخليج الأولى. فـي عام ٢٠٠٣ كانت المملكة المشجع الرئيس للغزو الأميركي الذي أطاح بصدام حسين، عدو إيران الأكثر رعباً، بعد ان مولته بمليارات الدولارات ليحارب الجمهورية الاسلامية طيلة ثماني سنوات ما نتج عنه مليون قتيل من الطرفـين. وبعد صعود «داعش» التي يتَّهم العراقيون السعودية بتأسيسها ودعمها وتمويلها، فإن السعوديين لا يشعرون بالقلق من المجموعة الإرهابية التي ارتكبت المذابح ضد أبناء الشعبين العراقي والسوري وقامت بتشويه صورة الإسلام. وبدلاً من محاربة «داعش» انتظر آل سعود الأميركيين لقصف الإرهابيين من الجو وإيران لمحاربتهم على الأرض.
لا يحق لشيوخ السعودية إلقاء اللوم الا على أنفسهم بسبب ضحالة دورهم المتناقص فـي العالم. والاتفاق النووي مع ايران لن يرجح الكفة لصالح الجمهورية الاسلامية فـي مواجهتها مع المملكة العربية السعودية، لأن المملكة الخليجية فقدت المعركة لتوها بسبب عدم وجود ما يشبه الشفافـية والمساءلة فـي نظام حكمها المتخلفو الجائر.
إنَّ تصوير إيران على أنها العدو الأوحد ونسيان عدو الأمة الوحيد إسرائيل، لن يعزز من قدرة العرب، بل سيجير زوراً لخدمة العائلة السعودية المالكة المترهلة والمتهالكة.
Leave a Reply