اعداد خليل رمَّال
التململ، الصفـير، راحتا اليدين المتصبّبتان عرقاً، كلها إشارات تدل على تصرفات سلوكية إنسانية نتيجة مواقف معينة ولكنها تستحصل على نقطة واحدة حسب قائمة موضوعة لمراقبة السلوك الإرهابي. أما الغطرسة والتحديق البارد الطويل والوقوف الجامد فتحصل كل من هذه الإشارات على نقطتين أو درجتين.
هذا ليس صفاً فـي مدرسة ما بل هو جزء من استمارة وقائمة تحتوي على «العلامات او الإشارات المشبوهة» التي أعطت إدارة أمن المواصلات «تي أس أي» (TSA) توجيهاتها لعناصرها برصدها خلال مراقبة حركة المسافرين فـي المطارات وتسجيل النقاط والعلامات المناسبة لهم حسب السلوك قبل إحالتهم إلى التفتيش الإضافـي أو للقوى الأمنية، وفقاً لوثيقة سرية صادرة عن «تي أس أي» حصلت عليها كسبق صحفـي نشرة «ذي إنترسبت» الإعلامية الإلكترونية.
القائمة المرجعية هي جزء من برنامج تابع لـ«تي أس أي» وهي الوكالة المتخصصة بحفظ أمن المطارات الأميركية بعد هجمات أيلول (سبتمبر) الارهابية. البرنامج المثير للجدل هدفه تحديد الإرهابيين المحتملين على أساس السلوكيات والتصرفات التي يراها موظفو الوكالة والتي يعتقدون انها دليل اما على الإجهاد أو على الخداع. البرنامج معروف باسم «فحص الركاب بواسطة تقنيات المراقبة»، أو «سبوت» (SPOT). ويعمل فـيه ضباط مدربون تدريباً خاصاً، ولقبهم الوظيفـي «ضباط كشف السلوك»، ومهمتهم تتضمن مراقبة الركاب والتفاعل معهم وهم يمرون عبر حواجز التفتيش الأمني.
وتتضمن الوثيقة قائمة بالمعايير تحت اسم «تقرير إحالة الكشف» وهي ليست وثيقة سريَّة بالكامل، الا أنها كانت تُستخدم بشكلٍ وثيق من قبل «تي أس أي» ولم يتم الإعلان أو الافراج عنها قبل الآن. وقدم نسخة منها إلى «ذي إنترسبت» مصدر عمل سابقاً فـي الوكالة ويشعر بالقلق إزاء نوعية البرنامج.
وتتراوح لائحة المراقبة من رصد السلوك الواضح عقلياً، الذي «يبدو أن فـيه تمويهاً»، والذي يستحق ثلاث نقاط، إلى السلوك المشكوك فـيه «والبارز بشكل فاضح مثل تفاحة آدم». لكن العديد من المؤشرات السلوكية قد تختلط على مسؤولي الأمن، مثل «الارتجاف» و «الوصول فـي وقت متأخر إلى الرحلة»، والتي على ما يبدو انها تعزز الانتقادات بأن البرنامج ينتقي العلامات والعواطف الانسانية التي يتشارك فـيها الكثير من المسافرين الدائمين والذين ليسوا بالضرورة إرهابيين.
ورفض متحدث باسم «تي أس أي» التعليق على المعايير التي حصلت عليها «ذي إنترسبت». «كشف السلوك، الذي هو عنصر واحد فقط من جهود «إدارة أمن المواصلات» الهادف إلى معالجة التهديدات ضد المسافرين، هو أمر حيوي متعدد الجوانب لردع وكشف وتعطيل الأفراد الذين يشكلون تهديداً على سلامة الطيران»، كما قال متحدث باسم الوكالة فـي بيان بالبريد الالكتروني.
والحقيقة، أنه منذ إطلاقه فـي عام ٢٠٠٧ أثار برنامج «سبوت» الكثير من الأخذ والرد لعدم وجود معطيات علمية تدعمه. وفـي عام ٢٠١٣، وجد مكتب المحاسبة الحكومي أنه لا يوجد أي دليل يدعم فكرة أن «المؤشرات السلوكية.. يمكن استخدامها لتحديد الأشخاص الذين قد يشكلون خطراً على أمن الطيران». وبعد تحليل مئات من الدراسات العلمية، خلص مكتب المحاسبة الحكومي الى الإفادة أن «القدرة البشرية لتحديد السلوك المخادع بدقة استنادا إلى المؤشرات السلوكية هي مثل عملية الصدفة أو أفضل قليلا».
المفتش العام لوزارة الأمن الداخلي وجد فـي عام ٢٠١٣ أن «تي أس أي» فشلت فـي تقييم برنامج «سبوت» و «لا يمكنها التأكد من أن الركاب فـي مطارات الولايات المتحدة يتم فحصهم بشكلٍ موضوعي، ولم يتبين أن هذا البرنامج هو فعال من حيث التكلفة أو يوجد تبرير معقول لتوسيع البرنامج».
وعلى الرغم من هذه الشكوك المقلقة، قامت «تي أس أي» بتدريب ونشر الآلاف من «ضباط كشف السلوك»، وكلف البرنامج أكثر من ٩٠٠ مليون دولار منذ بدايته عام ٢٠٠٧، وفقاً لمكتب المحاسبة الحكومي.
القائمة المرجعية المؤلفة من ٩٢ نقطة مدرجة فـي «تقرير كشف الإحالة» تنقسم إلى فئات مختلفة برصيد نقطة واحدة لكل منها. وتشمل هذه الفئات ملاحظة أولية وتحليل سلوك الركاب ثم يتم توقيفهم من أجل التفتيش الإضافـي ويجري منحهم نقاطاً استناداً إلى فئتين أو أكثر: إذا كان لديهم أغراض غير عادية، مثل الروزنامات والعديد من بطاقات الاتصال الهاتفـي المدفوعة مسبقاً أو الهواتف المحمولة، والفئة الأخيرة تقع ضمن علامات الخداع والتي تشمل «تغطية الفم باليد عند التحدث وترميش العيون بسرعة».
ويمكن أيضاً خصم نقاط من الراكب بناء على الملاحظات حول تصرفاته التي تجعل منه أقل احتمالاً، بنظر مسؤولي الأمن، فـي ان يكون إرهابياً. على سبيل المثال، «المتزوجون ظاهرياً» إذا كان عمر كل منهما يزيد على ٥٥ عاماً، عندها تُخصم درجتين من علاماتهما. وتُخصم نقطة واحدة لكل امرأة فوق سن ٥٥ عاماً أما الخصم للرجال فلا يأتي الا عندما يكونون فـي عمر ٦٥ عاماً.
وفـي الأسبوع الماضي، رفع اتحاد الحريات المدنية «أي سي أل يو» (ACLU) دعوى قضائية ضد «تي أس أي» للحصول على سجلات تتعلق ببرامج الكشف عن السلوك، زاعماً أنها تؤدي إلى التصنيف العنصري. وتستند الدعوى إلى قانون «حرية الحصول على المعلومات». وقد قام الاتحاد برفعها فـي شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي طالباً وثائق عديدة تتعلق بالبرنامج وأسئلة ملحة، بما فـي ذلك التبرير العلمي له والتغييرات المحدَثَة على قائمة المؤشرات السلوكية والمواد المستخدمة لتدريب ضباط فـي مسألة تفتيش الركاب وماذا يحدث للمعلومات التي يتم جمعها من المسافرين.
«تصر «تي أس أي»ً على إبقاء الوثائق حول برنامج «سبوت» سراً، ولكن الوكالة لا يمكن أن تخفـي حقيقة أنه لا يوجد دليل على ان هذا البرنامج يعمل بالفعل»، كما قال هيو هانديسايد محامي الاتحاد الحقوقي الذي يعمل من خلال «مشروع الأمن القومي لاتحاد الحريات المدنية» فـي بيان الإعلان عن الدعوى القانونية.
إن «مراقبة ورصد التصرفات المريبة هو نهج الحس السليم والذي يتم استخدامه من قبل المكلفـين بتنفـيذ القانون، ولا يتسبب سلوكٌ واحدٌ بعينه بإحالة المسافر الى تفتيش إضافـي أو تسليمه لضابط إنفاذ القانون» كما ذكرت الوكالة فـي بيانها عبر البريد الالكتروني. وأضاف البيان «يتم تدريب الضباط والتدقيق فـي عملهم لضمان أن الإحالة لتفتيش إضافـي للمسافرين قد تنجم فقط عن السلوكيات التي يمكن ملاحظتها وليس بسبب العرق أو الأصل».
ولكن أحد مدراء ضباط السلوك السابقين، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، كشف أن مؤشرات برنامج المراقبة «سبوت» يُستخدم من قبل المكلفـين بإنفاذ القانون لتبرير سحب اي شخص يجده الضباط مشبوهاً، بدلاً من استعمال لائحة فعلية تحدد المؤشرات السلوكية. وقال المدير السابق «وقد تم تصميم ورقة «سبوت» بهذه الطريقة لالباس كل الركاب تقريباً سلوكيات متعددة والتي يمكن أن تخصص لها قيمة معينة على استمارة البرنامج».
وأضاف المصدر ان «علامات الخداع والخوف سخيفة. هذه ليست سوى وسيلة لكشف كل السلوكيات لتبرير تفاعل ضباط الكشف مع الركاب. انه بمثابة ترخيص للتحرش وللمضايقة». وأردف «إن رصد ادارة أمن المواصلات أو تدقيق ضباط كشف السلوك لا ينبغي أن يشكل أساساً لإحالة شخص إلى وكالة تطبيق القانون الأمنية».
«هذا البرنامج هو معيب ويؤخر المسافرين من دون داع، ويضايقهم»، على حد تعبير المدير السابق الذي ختم بالقول «إن أموال دافعي الضرائب يمكن أن تنفق بصورة أفضل على تمويل وضع شرطة حقيقية عند نقاط التفتيش التابعة لادارة أمن المواصلات».
وأبلغ مدير سابق اخر فـي مكتب كشف السلوك، والذي طلب أيضاً عدم الكشف عن هويته، «ذي إنترسبت» أن البرنامج «يعاني من نقص العلم وعدم الثبات البسيط، حيث أن كل مطار يدرب عناصر أمنه بطريقة مختلفة». وأضاف أن «برنامج «سبوت» هو هراء كامل».
وفـي الأسبوع الذي أعقب نشر الوثيقة الأولى، قامت «ذي إنترسبت» بنشر سبق صحفـي اخر تضمن وثيقة أخرى تثبت ان برنامج «سبوت» يستهدف فـي المقام الأول المهاجرين غير الشرعيين، وهذه الوثيقة هي خلاصة مقابلات مع مسؤولين حكوميين حاليين وسابقين.
ففـي فترة خمسة أسابيع فـي أحد المطارات الدولية فـي الولايات المتحدة فـي عام ٢٠٠٧، اي عندما بدأ البرنامج، ألقي القبض على حوالي ٤ فـي المئة فقط من الركاب الذين أحيلوا الى التفتيش الاضافـي أو لوكلاء إنفاذ القانون من قبل ضباط كشف السلوك، وما يقرب من ٩٠ فـي المئة من تلك الاعتقالات كانت بحق مهاجرين دخلوا البلاد بطريقة غير مشروعة، وفقاً لوثيقة حصلت عليها النشرة. ولا يوجد فـي سجلات «سبوت» ما يشير إلى أن أيّاً من المعتقلين مرتبط بالنشاط الإرهابي.
هذه النتائج ليست مفاجئة، وفقاً للمشاركين فـي البرنامج، لأن قائمة السلوك كانت، فـي جزء منها، مصممة على غرار قوائم برامج الهجرة والحدود ومكافحة المخدرات. إذْ ان مهربي المخدرات والمهاجرين غير الشرعيين فـي كثير من الأحيان يُظهِرون علامات واضحة على العصبية والارتباك، أو قد يكون فـي حوزتهم وثائق مزورة.
وأوضح ضابط سابق فـي البرنامج «هذا هو السبب فـي أننا بدأنا نجمع كل المكسيكيين معاً».
التقرير المؤلف من ١٣ صفحة مفصلة، مأخوذ من قاعدة بيانات برنامج «سبوت» ويظهر عدداً من الإحالات التي أرسلها ضباط كشف السلوك، والسبب وراء هذه الإحالات، وتفاصيل معينة عن الحدث والاعتقالات وأسبابها المعللة وملخصاً يوجز ما حصل.
وتمنح الإحصاءات، على الرغم من حجمها الضئيل نسبياً والمستقاة عام ٢٠٠٧، دعماً للانتقادات المتكررة للبرنامج من قبل مدققي حسابات الحكومة ومجموعات خارجية، والتي تزعم أن البرنامج يتم استخدامه لاستهداف الركاب على أساس عرقهم.
وأجرت «ذي إنترسبت» أيضاً مقابلات مع عشرات من ضباط الكشف عن السلوك الحاليين والسابقين والمسؤولين فـي «تي أس أي» ووكلاء إنفاذ القانون وغيرهم من المسؤولين الحكوميين الذين عملوا بشكل وثيق فـي البرنامج أو قاموا برصده. وقال كل منهم ان البرنامج على ما يبدو مصمم لاستهداف المهاجرين غير الشرعيين ومهربي المخدرات.
العديد من المؤشرات فـي القائمة المرجعية لـ«سبوت» هي قرائن تقليدية لمهربي البشر والأشخاص الذين يقومون بتهريبهم. ووصف أحد الضباط السابقين لكشف السلوك مثال التصويب على «مجموعة من شباب وبنات لاتينيين كانوا يرتدون الملابس الجديدة، التي بدت وكأنهم اشتروها من سلسلة محلات رخيصة مثل وول مارت أو جي سي بني». وأضاف «انهم بدوا مثل الضائعين وهم يدورون على أنفسهم كالزومبي فـي ملابس وحلاقة شعر جديدة».
وتشير مؤشرات السلوك الى الأشخاص الذين يظهرون مشوشين أو عصبيين لأنهم لم يسبق لهم التواجد فـي المطار، ويمكن أن يكونوا يحملون هوية مزورة أو لا شيء على الإطلاق، ويخشون كشف وضعهم غير القانوني.
«انك بشكل أساس تجعل من ماريشاليي الطيران مصنّفـين عنصرياً»، كما أكد الضابط السابق المسؤول عن كشف السلوك. وأضاف «هذه القائمة مثيرة للسخرية».
ولكن ومع ذلك، واصلت «تي أس أي» تمنعها بالكشف عن تفاصيل حول كل جانب من جوانب البرنامج مثل مؤشراته السلوكية وبيانات الاعتقال وكذلك دليلها على النجاح فـي اكتشاف الإرهابيين فعلياً.
وخلال فترة خمسة أسابيع فـي عام ٢٠٠٧ أحال ضباط كشف السلوك فـي المطار موضوع الدراسة، والذي حجبت النشرة اسمُه واسم وهوية الركاب بسبب الخصوصية، ٤٢٩ راكباً للتدقيق المكثف الثاني بناء على سلوكهم، وبعد ذلك أحيل إلى قوى الأمن ٤٧ منهم فقط. ويشتبه ان ٣٤ من هؤلاء المحالين كانوا من المهاجرين غير الشرعيين أو المسافرين بتأشيرات منتهية الصلاحية.
وبدلاً من الإرهابيين، غالباً ما يجد الضباط مهاجرين غير شرعيين يحاولون السفر إلى بلدهم الأم وهم فـي حالة عصبية خوفاً من انكشاف أمرهم.
«الراكب لا يتحدث اللغة الإنكليزية» وجدت هذه الملاحظة ومثلها الكثير فـي العديد من الإحالات. وأشارت إحدى الملاحظات أيضاً إلى ان «المسافرة التي كانت تعيش فـي البلاد بطريقة غير مشروعة كانت عائدة الى وطنها بسبب عدم وجود عمل. وذكرت أيضاً أنها كانت عصبية بسبب وضعها غير القانوني».
وشملت العديد من الإحالات عبارات مثل «وذكر الراكب أنه كان عصبياً بسبب وضعه غير القانوني».
وكانت هناك ١٦حالة اعتقال خلال الفترة الزمنية التي يغطيها التقرير – ولم يكن أيٍ من المعتقلين متهماً بالإرهاب. ووصف ١٤ من المعتقلين بأنهم «أجانب غير قانونيين».
ولم ترد «تي أس أي» على طلبات «ذي إنترسبت» المتكرِّرة بالتعليق على الوثيقة. لكن أحد مسؤولي الأمن الداخلي علَّق بالقول «ان القائمة السلوكية قد تفعل فعلها لكن ضباط كشف السلوك غير مدربين بشكل كافٍ لاستخدامها بطريقة صحيحة وتقديري الخاص أن معظمهم لن يتمكن من إيقاف بن لادن لو عبر أمامه».
Leave a Reply