عماد مرمل
لعل لبنان كان الأكثر والأسرع تأثرا بالحرب السعودية على اليمن، قياسا الى الدول الاخرى فـي المنطقة العربية.
انعكاسات الازمة اليمنية على الداخل إشارة واضحة الى طبيعة الواقع اللبناني المرهف (رويترز) |
ومن يراقب الاصطفاف السياسي الحاد على ضفتي هذه الحرب، يكاد يشعر بأن لبنان هو من ضواحي اليمن، وانه يستضيف على أراضيه مكاتب للحوثيين وللرئيس المتنازع على شرعيته عبد ربه منصور هادي.
لقد تحول العدوان السعودي منذ لحظاته الاولى الى مادة انقسام داخلي عميق، أضيفت الى لائحة طويلة من المواد الخلافـية بين فريقي 8 و14آذار عموما، وبين حزب الله وتيار المستقبل خصوصا.
سريعا، دخلت الحرب على اليمن الى الأدبيات السياسية اللبنانية، حتى يكاد لا يخلو تصريح او بيان فـي هذه الايام من موقف حيال هذه الحرب، إما تأييدا لها وإما اعتراضا عليها.
وأكثر من ذلك، ذهب البعض الى ربط مستقبل توازنات الوضع اللبناني بالملف اليمني وما يمكن ان يرسو عليه من معادلات، وكأنه لا يكفـي الربط الحاصل أصلا بالأزمة السورية والملف النووي الايراني والعلاقة السعودية- الايرانية، وهو الأمر الذي تسبب فـي إبقاء الجمهورية من دون رئيس منذ قرابة 11شهرا.
وتحت وطأة رياح «عاصفة الحزم» على اليمن، كان يكفـي ان يبادر تلفزيون لبنان الرسمي الى نقل وقائع المقابلة التي أجرتها محطة «الإخبارية السورية» مع الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، حتى تُشن حملة عنيفة على هذا التلفزيون من قبل مناصري المملكة العربية السعودية الذين رأوا انه لا يجوز ان تُستخدم شاشة القناة الرسمية للإساءة الى الرياض، معتبرين ان كلام نصرالله فـي المقابلة تضمن «شتائم» بحق المملكة، كما قال رئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري.
وبينما دافعت إدارة التفزيون عن نفسها، على قاعدة انه من البديهي نقل مقابلة مع زعيم محوري، سواء أكان نصرالله او غيره، رد حزب الله على موقف «المستقبل»، مشيرا الى ان ما فعله تلفزيون لبنان ليس سوى خطوة صغيرة على الطريق الصحيحة.
تعطي هذه العينة من انعكاسات الأزمة اليمنية على الداخل، إشارة واضحة الى طبيعة الواقع اللبناني المرهف، والشديد الحساسية، امتدادا لتجارب تاريخية منذ الاستقلال، تعبر عن مدى قابلية المكونات اللبنانية للتفاعل مع الصراعات والمحاور الخارجية، فـي ترجمة محلية و«فورية» للتحالفات العابرة للحدود التي تنسجها تلك المكونات.
ومن الواضح فـي هذه المرحلة، ان المواجهة السعودية- الايرانية المحتدمة على امتداد العديد من الساحات الاقليمية، وصولا الى الساحة اليمنية المشتعلة، قد انعكست بقوة على الخطاب السياسي الذي ارتفع منسوب توتره مؤخرا، بالنظر الى العلاقة الوثيقة والعميقة التي تربط كلا من الرياض بتيار المستقبل، وطهران بحزب الله.
وفـي كل الحالات، فان هذا الحضور القوي والمزمن للخارج، لا يعبر فعليا سوى عن عدم اكتمال الهوية الوطنية اللبنانية بعد، ومن ثم عدم وجود تعريف مشترك للعدو والصديق، بفعل الخلاف المستحكم حول ماهية الدولة المنشودة وخياراتها الاستراتيجية، الامر الذي دفع الطوائف والمذاهب منذ عقود الى البحث عن الطمأنينة خلف الحدود، وصولا الى نسج علاقات وطيدة مع الدول، لعل ذلك يفـيدها فـي تحسين مواقعها التفاوضية وتحقيق التوازن مع الشركاء المفترضين فـي الوطن.
والمفارقة ان هناك من يطرح، فـي ظل هذه التعقيدات، اعتماد «خيار الحياد» لحماية لبنان والنأي به عن المخاطر، على قاعدة ان التحاق الفئات اللبنانية بالمحاور الخارجية والانخراط فـيها، سينقلان الصراعات الاقليمية، بكل أثقالها وأكلافها الى الداخل الذي لا يحتمل حمولة زائدة من هذا النوع.
لكن هناك فـي المقابل من يرى ان هذا الطرح ينطوي على رومانسية مفرطة، وانفصال عن الواقع، إذ ان موقع لبنان فـي الجغرافـيا السياسية لا يسمح له بالحياد، وهو المقيم بين سوريا النازفة وكيان الاحتلال الاسرائيلي، ويستضيف على أراضيه قرابة مليون ونصف مليون نازح سوري ومئات آلاف اللاجئين الفلسطينيين، ما يجعل الحياد مستحيلا وسط كل هذه المواد السريعة الاشتعال.
وفوق ذلك، يشدد معارضو نظرية الحياد على انه لا يجوز ان يكون لبنان منكفئا ومنزويا، فـي وقت يُرسم
مصير المنطقة وتعاد «هندستها»، بل المطلوب ان يكون جالسا الى الطاولة يشارك، أقله، فـي صناعة مصيره من موقع القوة، بدل ان يكون موضوعا على الطاولة ليحدد الآخرون مستقبله.
ويذهب أصحاب هذا الرأي الى حد القول انه لو حصل فرَضا توافق داخلي على الحياد فان الجغرافـيا والجوار لا يسمحان به، لافتين الانتباه الى ان قضايا المنطقة تفرض تحدياتها وإيقاعها على لبنان، إذ ان اسرائيل هي التي لا تتركه وشانه تماما كما ان الخطر التكفـيري هو الذي زحف اليه، الامر الذي يجعل خيار المواجهة حتميا ومفروضا بمعزل عن نظرة كل جهة الى الحياد.
لكن، على الرغم من الانقسامات الداخلية الحادة حول معظم المسائل، فان هناك توافقا «ثمينا» على أمر وحيد وأساس، يتمثل فـي حرص الجميع على صون الاستقرار المقبول الذي يحظى به لبنان، فـي ظل الحروب المتناثرة من سوريا الى اليمن مرورا بالعراق وليبيا، بحيث تبقى الخلافات والنزاعات بين القوى اللبنانية «ممسوكة»، فلا تعطل حوار حزب الله – المستقبل، ولا تُسقط الحكومة، ولا تمنع استمرار التعايش مع الفراغ الرئاسي، ولا تهدد الامن الداخلي بل ان التوجه هو نحو تعميم الخطة الامنية لتشمل أبرز معاقل حزب الله: الضاحية الجنوبية.
Leave a Reply