سامر حجازي -صدى الوطن
لا أحد يعرف بالضبط ما حصل خلال الثواني المصيرية الحرجة السوداء التي حملت المواطن العربي الأميركي علي سعد لأنَّ يطلق النار على زوجته هبة سعد ثم على نفسه أمام المنزل الزوجي الذي جمعهما معاً وكانت ثمرته طفلتين بريئتين، تاركاً أكثر من علامة استفهام لدى أهله المفجوعين وأهل زوجته المنكوبين وواضعاً الجالية العربية الأميركية برمتها فـي حالة صدمة ووجوم على الرغم من مرور أيام بأكملها على خبر الجريمة المزدوجة الصاعق الذي حل بها بعد انتشاره وذيوعه خصوصاً وأنها حصلت أمام ابنتيهما، فـي يوم الأحد المظلم الموافق ٣ أيار (مايو).
فقد اطلق علي سعد (٤٠ عاما) الذي كان يقيم فـي شارع إنديانا فـي شرق ديربورن عياراً نارياً على الضحية زوجته هبة سعد (٢٩ عاماً) بعد وقوع شجار كلامي بينهما فور وصول هبة إلى المنزل، حسبما ذكر شهود عيان.
ووفقاً للعائلة وأصدقاء الزوجين كان الفقيدان يعانيان من مشاكل زوجية، وكانا بصدد الحصول على الطلاق. وهما لم يعيشا تحت سقف واحد منذ بضعة أشهر.
وعلى الرغم من القضايا الخلافـية بشأن زواجهما، بقي كل منهما يتيح لابنتيهما فـي كثير من الأحيان بالبقاء مداورة مع كل واحد منهما.
ويوم الأحد المشؤوم، كانت هبة تستعد لأخذ ابنتها البالغة من العمر ١٢ عاماً من منزل زوجها علي سعد المنفصلة عنه، للذهاب إلى كرنفال محلي. وهكذا حوالى الساعة ١١ صباحاً وصلت هبة وأوقفت سيارتها أمام باحة المنزل، وفقاً لأحد الشهود، بينما كان علي منشغلاً بقص العشب قبل وصول هبة.
وعندما وصلت هبة دخل علي إلى سيارة زوجته من جهة الراكب. وبعد محادثة قصيرة ولكن حامية، أخرج علي مسدساً من خصره وأطلق طلقة واحدة منه على وجهها، ثم أدار المسدس على نفسه وضغط على زناد المأساة المروعة.
وبعد اطلاق النار تم على الفور إبلاغ شرطة ديربورن حول احتمال وقوع جريمة قتل وانتحار. وعندما وصلت سيارة الإسعاف إلى مكان الحادث، اكتشف المسعفون أن هبة كانت لا تزال على قيد الحياة، ولكن فـي حالة حرجة. فهرعت سيارة الإسعاف بها على عجل الى مستشفى محلي حيث أعلن عن وفاتها فـي وقت لاحق. أما طفلتا علي وهبة سعد فهما الآن بأمان مع عائلتيهما.
وفـي بيان صحفـي صدر يوم الإثنين الماضي، ذكرت شرطة ديربورن ان الحادث لا يزال قيد التحقيق.
«هذه الأنواع من القضايا المنزلية مأساوية جداً وأفكارنا وصلواتنا تذهب فـي هذا الوقت الى عائلة المعنيين»، قال قائد شرطة ديربورن رون حداد، وأضاف «فـي مثل هذه الأوقات نحن نعول على مجتمعنا للالتفاف حول الأسرة المفجوعة ومساعدتها فـي عملية بلسمة الجراح».
ووفقاً للعائلة والأصدقاء، كان علي معروفاً بمزاجيته وطباعه الحادة. وفـي السابق تم ارسال عناصر شرطة ديربورن إلى المنزل بسبب قضية عنف أسري.
وقد عملت هبة سابقاً فـي محل للحلويات بمدينة ديربورن حيث وصفها زملاؤها السابقون بأنها كانت محبة جداً وأماً رؤوماً.
«كانت شخصية مذهلة ومتواضعة»، كما وصفتها زميلتها السابقة ولاء هاشم التي أضافت «كان لديها قلب ينضح بالدعة وكانت لطيفة مع الجميع، على الرغم من انها فـي أعماقها كانت مجروحة. كانت الحياة والطاقة التي تشع دائماً فـي الغرفة. وكانت جميلة فـي كل شيء، ومن المحزن أنه كان عليها ان تمر بهذه المأساة». وتذكر زملاء العمل السابقون انهم لاحظوا بضع مرات جاءت فـيها هبة للعمل وهي تحمل كدمات على جسدها ووجهها.
وشملت ردود الفعل العامة على الجريمة المزدوجة استياءاً وحزناً عارماً عمَّ كل الجالية، بسبب إضافة وجه هبة الجديد كضحية من ضحايا العنف المنزلي، حيث يبدو ان البحث فـيه ما زال من المحرمات التي سرعان ما يجري التستر والتخفـي فـي الحديث عنه وكشفه كخطر اجتماعي كارثي محيق.
فقد رأى البعض على وسائل التواصل الاجتماعي، انه من غير المريح مناقشة القضية حرصاً على خصوصية العائلة. بينما طالب البعض الآخر بتسليط الضوء عليها واستخدامها كمنبر ومناسبة لتثقيف الجالية حول العنف المنزلي.
«كانت هذه قضية عنف منزلي بامتياز والتي من الواضح انه تم التعامل حيالها بشكل سيئ ويجب ألا تذهب دون أن يلاحظها أحد»، كما قالت إحدى السكان المحليين فاي ليا حمود وأضافت «النساء والرجال يمرون بهذا الوضع كل يوم. أنت لا تدرك كيف يتم إسكات الكثير من الناس فـي جاليتنا. إذا كانت «هذه الجريمة» تعني أي شيء، فإن وفاتها «هبة» فتحت العيون بالنسبة للكثيرين من النساء اللواتي يمررن بالتجربة نفسها».
ويوم الثلاثاء فـي الخامس من أيار (مايو) حضر العشرات من أقارب وأصدقاء الفقيدين إلى المجمع الإسلامي الثقافـي الواقع على شارع شايفر فـي ديربورن، جنازة الدفن المشتركة للزوجين.
ووضع تابوتا علي وهبة جنباً إلى جنب داخل المسجد، حيث قام المعزون بتلاوة سورة الفاتحة على روحيهما وتقديم تعازيهم للعائلتين المفجوعتين. وحسب طلب الأسرة، تم دفن هبة وعلي معاً يوم الأربعاء ٦ أيار (مايو) فـي مقبرة «يونايتد ميموريال غاردنز» الاسلامية فـي بليموث.
وحصلت «صدى الوطن» على تأكيد أن هبة وعلي كانا أبناء عمومة وأيضا عائلتاهما من الجانبين أيضاً هم أقارب بالزواج حيث ان أخت هبة متزوجة من شقيق علي سعد، مما يفسِّر حصول الجنازة المشتركة.
غالبية أسرة هبة المباشرة تعيش فـي سوريا ولبنان. وفقاً للأصدقاء، وكان والدها توفـي عندما كانت صغيرة السن. ثم انتقلت إلى الولايات المتحدة قبل الزواج.
اما أكثرية اعضاء عائلة علي المباشرين فـيعيشون فـي هذه الأثناء فـي ميشيغن وهم تحملوا مسؤوليات ترتيب الجنازة المشتركة للزوجين.
واشتعل الغضب على وسائل التواصل الاجتماعي، إزاء حقيقة أن العائلتين قررتا إقامة جنازة ودفن مشترك. واعرب العديد من الناس عن اعتقادهم «أن دفن الضحية هبة إلى جانب الزوج الذي ارتكب جريمة القتل المتعمَّد بحقها، من شأنه أن يرسل رسالة مغلوطة حول الثقافة والدين».
«هذه المرأة لا تستحق ذلك» أعلن براين على صفحته على الفـيسبوك وكتب أيضاً «يجب أن يكون الجميع حانقين وينبغي على الجالية ان تقوم معاً بمراسم جنازتها ودفنها كما تستحق، لا أن تُدفن بجوار الوحش الذي سلبها حياتها أمام أطفالها».
مستخدم آخر فـي الفـيسبوك ردد هذا الشعور.
«أنا حزينة لأنها لم تتمكن من الهروب منه فـي الحياة، والآن تذهب إلى قبرها معه»، كما اشارت فاي سعد وتابعت قائلة «كان يجب أن تقام صلاة جنازة على الميت ومراسيم دفن هبة على حدة».
وفـي حديث مقتضب مع أحد الأقارب، قال لـ«صدى الوطن» إن الأسرة قررت إقامة جنازة مشتركة بحيث يكون من الأسهل بالنسبة للابنتين اليتيمتين التعامل مع هذه الخسارة الجسيمة. وأثار الحادث أيضاً مزيداً من النقاش حول الانتحار فـي الجالية. فـي العام الماضي، قام العديد من أبناء الجالية العربية الأميركية بانهاء حياتهم الأمر الذي تسبب بالحزن الشديد لأسرهم.
وذكر أقارب علي وهبة لـ«صدى الوطن» أنهم بحاجة الى مزيد من الوقت للتعافـي من هذه المأساة قبل المشاركة فـي إضفاء المزيد من المعلومات حول هبة وأطفالها والحالة النفسية والعقلية لعلي وقت وقوع الحادث.
Leave a Reply