علي حرب
على بلاطة ضريح، حفرت كلمات الشاعر العربي أبي العلاء المعري لتبقى مزروعة بالحياة «هذا ما جناه علي أبي وما جنيت على أحد». حتى لو لم تكن قد سمعت بالشاعر الكفـيف الفذ، يمكنك معرفة المزيد عن حياته من خلال ضريحه حيث ستعلم سريعاً انه عاش حياة تعيسة ولم ينجب أطفالاً.
أستاذ العلوم السياسية فـي جامعة ميشيغن – ديربورن رون ستوكتون هو من المؤمنين بأن استقراء التاريخ ممكن من خلال المقابر. للتدليل على عدم أحادية المجتمع المسلم، جمع هو وطلابه مئات الصور من شواهد قبور المسلمين فـي جنوب شرقي ميشيغن. وسيتم عرض أربعين من هذه الصور فـي «مكتبة هنري فورد سانتنيال» فـي ديربورن.
«أنا رون ستوكتون، وأنا أحب المقابر» قال الأستاذ فـي محاضرة له حول المعرض يوم الثلاثاء الماضي.
وكان قد بدأ العمل بالمشروع بعد أنْ اطلق ستوكتون كراس «المقابر ١٠١»، كحصة ساعة مدرسية حول المقابر. وقال انه عندما عرضت الحصة فـي المرة الأولى، لم يحضر أي من الطلاب المسلمين هذه الحصة. وبحلول المرة الثالثة والأخيرة، كان هناك خمسة من المسلمين فـي الفصول الدراسية. «يجب أن نجد كل الأماكن فـي جنوب شرقي ميشيغن التي دفن فـيها المسلمون»، ذكر ستوكتون أمام طلابه الذين وصفوا الفكرة بانها رائعة. وحدد أستاذ العلوم السياسية وطلابه الأمكنة المناسبة، وقاموا بتصوير قبور المسلمين فـي المقابر الموجودة فـي مترو ديترويت.
وأكد ستوكتون «إن القبر ليس معبراً عن الموت بل عن الحياة. الضريح هو فرصتك الأخيرة لتقول للناس من انت وما هو مهم بالنسبة لك، وكيف تريد أن تُذكر».
شواهد القبور تعكس تنوع المسلمين فـي جنوب شرقي ميشيغن. الصور البسيطة للمقابر يمكن استخدامها كوسيلة أنثروبولوجية لدراسة ثقافة وجنسية وتاريخ الأفراد المسلمين الذين عاشوا وماتوا فـي ديترويت.
وعن ذلك أشار ستوكتون «إذا كنت تعيش فـي جنوب شرقي ديربورن، ستعتقد أن كل المسلمين هم من العرب الشيعة ومعظمهم من اللبنانيين، ولكن مقابر المسلمين فـي المنطقة تثبت واقعاً مختلفاً».
ويظهر المعرض ان المسلمين المدفونين فـي ديترويت أتوا من جميع أنحاء العالم. من بينهم حسين تشاو فونغ باي وهو مسلم أميركي صيني، وجبريل ماشا الذي ولد فـي لاغوس، نيجيريا. وجاء علي غسافـيريت إلى الولايات المتحدة من ألبانيا فـي أوروبا الشرقية وتوفـي فـي عام ١٩٨٨ فـي سن الـ ٣٧.
«أحصينا أشخاصاً من ٢٠ دولة مختلفة، ولكل بلد ثقافته ولكل فئة دينية أسلوبها الخاص فـي مراسم الدفن وإقامة الأضرحة»، كما أفاد ستوكتون.
وأضاف «أن التنوع يظهر أن القبور هي للمسلمين وليست قبوراً إسلامية، حيث الدين ليس الجانب المحدِّد للقبر أو الشخص الذي دفن فـيه. تجد الكثير من التنوع فـي شواهد القبور بقدر ما كنت تجده فـي الأفراد. فـي شواهد القبور، تجد الفن، تجد التاريخ، تجد السياسة، تجد الفرح، تجد المأساة، تجد الشعر، تجد الدين. انه لمدهش أن تذهب إلى المقبرة وتنظر اليها بشكل منهجي».
بعض المقابر ظهرت فـي المعرض عبارة عن لويحات حجرية متواضعة مع الأسماء والتواريخ. بعضها الآخر نقشت عليها اسماء مع تصوير متطور من الآثار الإسلامية والشخصيات الدينية والشعارات من النوادي الاجتماعية أو صور الموتى.
شاهد قبر المرحوم علي البالغ من العمر ٧ سنوات الذي توفـي فـي عام ١٩٧٧ ضم صورة اثنين من الملائكة وهما راكعان، والتي تظهر عادة على المعالم المسيحية. ووجد سطر منقوش يقول «ويعاني الأطفال الصغار»، وهو سطر من الكتاب المقدس فـي الجزء السفلي من الحجر. ولكن فـي الوسط، كان هناك نقش لكتاب مفتوح يقول «القرآن الكريم».
وأوضح ستوكتون أن العائلات المسلمة فـي الولايات المتحدة قد بدأت الاقتراض من اسلوب ونمط قبور وتقاليد الدفن من جيرانهم المسيحيين.
بعض المقابر تعكس قصص خدمة المسلمين فـي الجيش الأميركي. وتشير بعض شواهد القبور لسنوات الخدمة العسكرية للأموات مع صورهم فـي الزي العسكري. قبر مريم سيمتنار يعرفها بـ«الحبيبة الزوجة والأم والابنة». عاشت مريم من عام ١٩٥٢ إلى عام ٢٠٠٠. ولكن قبل تقديمها كسيدة من العائلة المفجوعة، سلط الضريح الضوء على خدمتها فـي البحرية الأميركية تحت اسمها مباشرةً.
وقال ستوكتون وهو رجل أكاديمي ألف كتاباً عن الجالية المسلمة وعاش بين المسلمين على مدى عقود. «أدركت أنه لا يوجد شيء يسمى الجالية الاسلامية. ان الجالية هي عبارة عن فسيفساء من الطوائف. هناك مجموعة كاملة من الجاليات الإسلامية، وهي متنوعة وتأتي من تاريخ وخلفـيات متعددة».
شبه جزيرة القرم فـي البحر الأسود احتلت عناوين الصحف الدولية العام الماضي بعد أن ضمتها روسيا من أوكرانيا. وقد وردت عدة مقابر للتتار المسلمين من شبه الجزيرة المتنازع عليها فـي المعرض.
ويضم المعرض العديد من الأسماء التي تحمل أخطاءاً إملائية. ويشتبه ستوكتون أن الأخطاء الإملائية هي نتاج لفقر اللغة الإنكليزية لدى أسر الأموات.
وتابع ستوكتون «ان القبور تؤكد على مكان منشأ أموات المسلمين لأن المهاجرين لم يستوعبوا أبداً حقيقة أنهم اضطروا إلى ترك أوطانهم. حتى المهاجرون الذين اندمجوا وأخذوا هوية البلد لا يزالون يشعرون بالخسارة. وهذا يسمى الحزن الصامت من الهجرة».
ومن بين الأضرحة عرض لحد الشيخ حسين خروب، وهو أول إمام فـي ديترويت توفـي فـي عام ١٩٧٣. ووصف خروب على شاهد قبره بأنه زعيم المسلمين فـي أميركا الشمالية.
وقد أعرب مايك خروب حفـيد الإمام الراحل الذي حضر المعرض عن دهشته من رؤية اسم جده فـي المعرض وقال «شعرت بسعادة غامرة لأن مساهمات عائلتي تم الاعتراف بها»..
Leave a Reply