عماد مرمل
تحولت معركة القلمون والسلسلة الشرقية التي يخوضها حزب الله والجيش السوري ضد المجموعات المسلحة الى مادة خلافـية لبنانية، من الفئة الاولى، فـي واحدة من المفارقات الاضافـية التي تنتجها الحياة السياسية فـي لبنان.
وإذا كان قد أصبح مألوفا ان تتنازع الاطراف الداخلية على السلطة والنفوذ والصلاحيات والادوار والحصص، تحت سقف نظام طائفـي يبرع فـي انتاج الهواجس، فان ما ليس مفهوما هو ان يكون هناك انقسام حول مواجهة تُخاض ضد جماعات ارهابية تكفـيرية او متطرفة، تشكل تهديدا مباشرا لكل المكونات اللبنانية، من دون اي تمييز.
لقد دفعت الكيدية والاحقاد البعض الى نوع من التعاطف مع مسلحي «النصرة» و«داعش» فـي جرود القلمون، فقط من باب النكاية بحزب الله وتصفـية الحسابات معه، وهو الامر الذي ظهر بوضوح من خلال طريقة التعامل السياسي والاعلامي لقوى سياسية، تعارض الحزب، مع وقائع المعركة على الارض.
لم تتردد تلك القوى عبر خطابها السياسي فـي توجيه اللوم الى الحزب فـي عز المواجهة العسكرية، واتهامه بالامعان فـي زج لبنان فـي الحريق السوري من أجل حماية نظام بشار الاسد، فـيما كانت التقارير التي تبثها وسائل الاعلام المتعاطفة مع هذا الخطاب تعمد الى تضخيم خسائر الحزب وتحجيم انجازاته الميدانية انطلاقا مما تروج له المجموعات المسلحة.
يتجاهل أصحاب هذا الطرح ان تواجد أعداد كبرى من المسلحين فـي الجرود المتاخمة للحدود يشكل خطرا داهما على لبنان، يمتد من البلدات والقرى المجاورة وصولا الى العمق، سواء عبر السيارات المفخخة التي ضبطت إحداها أثناء السيطرة على موقع للمسلحين او من خلال القصف العشوائي على المناطق البقاعية المحيطة.
وعليه، من البديهي القول ان تنظيف المناطق الجردية من محتليها يندرج فـي إطار حماية الامن القومي اللبناني بالدرجة الاولى، الامر الذي يستفـيد منه جميع اللبنانيين، على اختلاف انتماءاتهم، من دون التنكر لحقيقة ان تطهير جرود القلمون التي لا تبعد كثيرا عن العاصمة السورية يريح ايضا دمشق ويعزز مناعتها.
وعلى اساس هذه القاعدة، قرر حزب الله والجيش السوري تنفـيذ عملية استباقية، كان السيد حسن نصرالله قد ألمح اليها قبل أشهر حين حذر من مرحلة ذوبان الثلج فـي الجرود المرتفعة، بعد انتهاء فصل الشتاء، داعيا الى الاستعداد لها والتحضير المبكر لمواجهتها، وهذا ما فعله الحزب الذي تولى خلال الفترة الماضية تجهيز العدة والعديد للانخراط فـي المعركة الحتمية.
ومن الغرائب اللبنانية ان من يبذل الدم والجهد ويقدم التضحيات والاثمان فـي مواجهة الارهاب هو المتهم فـي وطنيته ولبنانيته، والمطلوب منه ان يدافع عن نفسه ويبرر ما يفعله، فـي حين ان العاجز او المتواطئ او المتورط او المتفرج او المقصر يكون فـي موقع إعطاء الدروس وتوجيه الاتهام.
وهذا النمط من التعاطي ليس مستجدا، او ابن ساعته، ولا يتصل حصرا بملف الازمة السورية وتداعياتها اللبنانية، إذ حتى حين كانت المقاومة تنفذ عمليات ضد الاحتلال الاسرائيلي ظهر من يدعو الى اعتماد الخيار الدبلوماسي لتحرير الارض ويقلل من شأن ما يقوم به المقاومون، وعندما اندلعت حرب تموز 2006، لم يتردد البعض فـي توجيه الانتقادات الى حزب الله واتهامه بخوض مغامرة غير محسوبة، من دون الأخذ بعين الاعتبار أولوية تمتين التماسك الوطني فـي مواجهة العدو.
وإذا كان منتقدو الهجوم الذي يشنه حزب الله على المجموعات السلحة فـي جرود القلمون يعتبرون ان أية مهمة هجومية او دفاعية لحماية لبنان هي من اختصاص الجيش اللبناني وصلاحياته حصرا، فان ما يجهله او يتجاهله هؤلاء هو ان غياب القرار السياسي الموحد والانقسام فـي مجلس الوزراء وضعف القدرات العسكرية ورفض البعض التنسيق مع الجيش السوري.. كلها عوامل لا تسمح للجيش بخوض معركة واسعة كتلك التي بادر اليها حزب الله بالتعاون مع القوات النظامية السورية.
أما من يقول إن حزب الله تجاوز الحدود اللبنانية وفتح معركة فـي القلمون السوري، الامر الذي يفتقد الشرعية الوطنية، فانه يقفز فوق حقيقة ان «داعش» و«النصرة» والدول الاقليمية الراعية للحرب على سوريا هي التي بادرت أولا الى نسف الحدود الجغرافـية بين دول الاقليم، وعبثت بتركة سايكس- بيكو، بحيث أزال التكفـيريون الخط الفاصل بين العراق وسوريا ولبنان، فـيما أعطت بعض الدول نفسها حق التدخل فـي سوريا والسعي الى إسقاط نظام الرئيس الاسد، عبر دعم المجموعات المسلحة بالعتاد العسكري واللوجستي وقيادة حرب سياسية ودبلوماسية ضد هذا النظام.
وأكثر من ذلك، تصر الولايات المتحدة واسرائيل على التعامل مع تحالف ايران- سوريا- حزب الله باعتباره رزمة واحدة او سلة واحدة، كما اتضح من خلال الهجوم الذي نفذته اسرائيل منذ فترة على موكب كان يتحرك فـي الارض السورية، فـي محيط الجولان المحتل، ما أدى يومها الى استشهاد جهاد عماد مغنية وجنرال ايراني.
وإزاء هذه الوقائع، يُطرح السؤال الآتي: لماذا يحق للمحور المعادي لسوريا بكل فروعه ان يتجاوز كل حدود فـي هجومه عليها، بينما لا يحق للمحور المتحالف معها ان يفعل ذلك فـي معرض الدفاع ليس عن سوريا فقط بل عن خيار المقاومة وعواصمه الممتدة من صنعاء الى بيروت مرورا بطهران ودمشق؟
Leave a Reply