«بمجموعتنا الصغيرة سنواجه قريباً نضال عمرنا، وسوف نبذل أرواحنا لإثبات التزامنا تجاه إلهنا. وسنكون نحن المحاربين الذين سيلحقون أضراراً ويوقعون أرقاماً رهيبة من الضحايا فـي صفوف أعداء أمتنا».
هذه ليست كلمات زعيم «داعش» التكفـيري أبو بكر البغدادي أو أحد الإرهابيين خلال هجمات أيلول (سبتمبر) الإرهابية. هذه دعوة تحريضية أطلقها روبرت دوغارت، التكفـيري «الداعشي الإرهابي» الأميركي المسيحي، الذي اعترف بالتخطيط لشن هجمات على مسجد ومدرسة وكافتيريا للمسلمين فـي مدينة «هانكوك» شمال ولاية مدينة نيويورك، والمعروفة باسم «إسلامبرغ».
روبرت دوغارت، إسمٌ بقي متجاهَلاً كالعادة من قبل وسائل الإعلام الاميركية السائدة حتى إذا أتت إحدى الوسائل تلك على ذكره لم يخطر فـي بالها لمحة واحدة ان تصفه بالإرهابي أو المسبب لجريمة كراهية عنصرية. ذلك ان الجريمة بحق العرب والمسلمين ليست ارهابية بالقاموس الأميركي الإعلامي والعكس صحيح، حتى العدالة الأميركية كانت لينة وطوع يدي هذا الإرهابي المجرم الذي لم يتورع عن الدعوة لسفك الدماء البريئة حتى دماء الاطفال.
دوغارت الكاهن المسيحي المتطرف من ولاية تينيسي، الذي أدار حملة انتخابية فاشلة فـي وقت سابق للحصول على مقعد فـي الكونغرس الاميركي، اعترف بالتخطيط لحرق مبنيين للمسلمين وأبلغ مخبراً سرياً فـي مكتب التحقيقات الفـيدرالي «أف بي آي» أنه مستعد للمشاركة فـي تبادل لإطلاق النار. غير أن أخباره لم تتصدر عناوين الصحف الوطنية. بل إن وسائل الإعلام الرئيسية تغاضت عن تغطية هذه القصة الخطيرة، وحتى مكتب التحقيقات الفـيدرالي لم يعقد مؤتمراً صحافـياً يربت فـيه على أكتاف وكلائه بسبب إحباطهم لهذه المؤامرة الدنيئة. فالحياة مستمرة ولا داعي للشوشرة إلا فـي حال القبض على عربي أو مسلم عندها تقوم الدنيا ولا تقعد. الخطورة فـي الموضوع أن التجاهل لهذه المكيدة يشجع كل تكفـيري أصولي من الأميركيين «الطالبان أو الداعشيين» على تكرار مخطَّط دوغارت وعندها تقع الكارثة.
التجاهل الغريب بل المريب لمؤامرة دوغارت من قبل وسائل الإعلام هو أحدث حلقة فـي سلسلة سيناريوهات محكمة وممنهجة حيث يكون فـيها المسلمون هم المعتدون دائماً وليسوا الضحايا. ولو كان دوغارت ينوي التخطيط لتفجير كنيسة أو كنيس يهودي، لكانت صورته تملأ الصفحات الأولى لجميع الصحف الرائدة فـي البلاد ولأصبح إسمه «هاوسهولد» على كل شفة ولسان.
لكن المؤسف انه قد ألقي القبض على إرهابي تينيسي المتطرف فـي شهر نيسان (أبريل)، وحتى الآن لم يُذكر اسمه فـي «نيويورك تايمز» ناهيك عن شبكة «فوكس نيوز» المهتمة هي وأورايلي بأمن أميركا خوفاً من الإرهاب.
والأدهى ان اعتراف دوغارت نفسه بالتآمر أمام المحكمة الفـيدرالية ، فـي ٢٩ نيسان (أبريل) الماضي لم تعتبره وسائل الاعلام الرئيسية قصة تستحق النشر. بدلاً من ذلك، أخذ الاعلام البديل المتمثل بالمجلات والمدونات الالكترونية على شبكة الانترنت هذا الدور وكان الوحيد الذي نشر هذا الخبر المهم والخطير فـي آن معاً.
إن هذا التجاهل الصادر عن وسائل الإعلام الرئيسية ما هو إلا تعبيراً عن عدم اهتمامها بحياة وأمن وسلامة المسلمين الأميركيين.
فالمؤامرة الإرهابية التي أحبطت لو وقعت لا قدر الله، لكانت قد أدت إلى إزهاق أرواح بريئة من المسلمين وغير المسلمين. وقد تم التنصت على دوغارت وهو يتواصل مع أفراد من الميليشيات المتشددة فـي ولاية تكساس وكارولينا الشمالية. مدعياً وجود معسكرات تدريب للمتشددين الإسلاميين فـي «إسلامبرغ» وهي فكرة مثيرة للسخرية تروج لها دوماً المواقع اليمينية والمعلقون العنصريون الحاقدون.
ومن المفارقات أن شبكة «فوكس نيوز»، المتخصصة فـي إطلاق الأكاذيب حول وجود خلايا إسلامية وهمية متشددة فـي أميركا، لم تنطق بكلمة واحدة عن هذا المجنون الذي يبدو ان مخططه الجهنَّمي كان مستوحىً من خيوط أكاذيبها.
دوغارت هو إرهابي مجرم ويشكل تهديدا للمجتمع، ولكن رغم ذلك، أُطلق سراحه بسند كفالة ووضع قيد الإقامة الجبرية فـي منزله يعكس أدنى متطلبات الحس القضائي السليم ويحوّله إلى اللاعدالة. كما أنه قد يواجه عقوبة بالسجن تصل فقط إلى خمس سنوات بسبب اتفاق-التسوية القضائي المشين مع الادعاء الذي منحه حكماً مخفَّفاً لم يكن ليحظى به مسلم أو عربي لو انعكس الأمر. ورغم هذا كله، يواجه دوغارت جريمة كراهية، لا تهمة الإرهاب التي يستحقها.
إن تساهل النيابة العامة والمحكمة المريع فـي مؤامرة المشتبه به الإرهابية لن يؤدي إلى خلق رادع فعال لجرائم قد تُرتكب فـي المستقبل. ان إحدى الفوائد الاجتماعية الرئيسية لحبس المجرمين ليس العقاب من أجل العقاب ولكن لخلق مثال للمذنبين الذين تسول لهم أنفسهم ارتكاب جرائمهم، بانهم حتماً سيواجهون مصيراً قاتماً .
دوغارت نصَّب نفسه بنفسه ممثلاً عن المسيحيين، وهم منه براء، ومع هذا فنحن لم نسمع إدانة للمسيحية بسبب فعلة مجرم يدّعي أنه من هذا الدين العظيم كما نرى ونشاهد عندما يُدان الدين الاسلامي كله بسبب تهور أفراد منبوذين! نحن لن نرتكب الخطأ فنلوم دينه أو أصوله الأوروبية عَلى أفعاله الجائرة لأننا نعلم أن المسيحية تبشر بالحب والسلام، والأخطاء التي ترتكب من قبل الأفراد الذين يدعون أنهم مسيحيون وباسم الله، لا يمثلون ٢,٢ مليار مسيحي فـي العالم. ولكن فـي الوقت عينه نتمنى من الغير معاملة المسلمين بالمثل وتطبيق المعايير نفسها على الأديان الأخرى جميعها فلا يؤخذ دين بعينه بجريرة متطرف مذنب او منحرف. وبهذا المعنى فإنَّ المسلمَيْن اللذين حاولا مؤخراً مهاجمة معرض يضم رسوماً كاريكاتورية مسيئة للنبي محمد فـي ولاية تكساس لا يمثلان المسلمين أو الإسلام.
وفـي الوقت نفسه فان سائقي الدراجات فـي تكساس الذين شاركوا فـي تبادل لإطلاق النار مما أودى بحياة تسعة اشخاص فـي حانة بمدينة وايكو فـي ولاية تكساس، لا يمثلون كل الرجال البيض أو كل سائقي الدراجات فـي البلاد. لا أحد يدعي ذلك. ولكن للأسف، فـي أميركا الوقت الحاضر، تنعكس تصرفات أقلية من الأفراد على مجتمعهم بأسره ولكن فقط إذا كانوا من العرب والمسلمين من دون باقي الأديان والأعراق. وهذا ما يتناقض مع مبدأ العدالة.
Leave a Reply