عماد مرمل
بمعزل عن مضمون الحكم الصادر عن المحكمة العسكرية بحق الوزير السابق ميشال سماحة، والذي قضى بسجنه أربع سنوات ونصف السنة بتهمة نقل متفجرات من سوريا، يجدر التوقف عند المحاكمة السياسية العلنية التي جرت للحكم بعد صدوره، وأدت الى التشهير بالقضاء والاساءة الى سمعته.
ومن المفارقات، ان هذه الحملة المنظمة قلبت الادوار، فأصبح القضاء فـي قفص الاتهام وبات عليه ان يدافع عن نفسه، فـيما راح عدد من رجال السياسة يحاكمون القضاة الذين أصدروا الحكم بحق سماحة وصولا الى المطالبة بالغاء المحكمة العسكرية او تعديل أنظمتها بشكل يؤدي عمليا الى تفريغها من الكثير من مضامينها.
وإذا كان مفهوما ان ينخرط بعض السياسيين فـي لعبة المزايدات لحسابات ومصالح ذاتية، فما ليس مقبولا هو ان يتولى بعض الوزراء قيادة الحملة على المحكمة العسكرية وتحريض الشارع عليها، الامر الذي ساهم فـي مضاعفة الاحتقان الداخلي، بينما المطلوب التخفـيف منه فـي هذه المرحلة الحساسة.
والغريب، ان وزير العدل اللواء اشرف ريفـي تصدر الصفوف الامامية للهجوم على القضاء العسكري، بل كان هو من أعطى إشارة البدء فـيه، عندما خرج من جلسة الحكومة ليدلي ببيان شديد اللهجة، نعى فـيه المحكمة العسكرية التي أطلق عليها أقسى الأوصاف، بينما يُفترض بالوزير الذي يحمل مسؤولية åالعدلò ان يكون متزنا ودقيقا فـي كلامه.
وذهب ريفـي أبعد من ذلك عندما طلب إحالة القاضية المدنية الوحيدة فـي هيئة المحكمة العسكرية التي أصدرت الحكم الى التفتيش القضائي، الامر الذي انطوى على تشويه لسمعتها المهنية وتشهير باسمها، فـي حين يؤكد الخبراء القانونيون ان هذه الإحالة ليست من صلاحية وزير العدل.
ان الاعتراض على أي حكم قضائي هو حق مشروع ومكتسب، لكن شرط ان يسلك الاقنية السليمة المنصوص عليها فـي القانون، من دون التسلح بالغوغائية والشعبوية اللتين اتسمت بهما بعض ردود الفعل على قرار المحكمة العسكرية، لان اطلاق العنان للعواطف الشخصية والاحتكام اليها فـي مقاربة القرارات القضائية، من شأنهما إشاعة الفوضى وتهشيم المرجعية الناظمة التي تمنع الانفلات العام.
وعليه، لا يصح تحويل القضاء الى كيس ملاكمة، يتلقى اللكمات والضربات من هنا او هناك، تبعا للمزاج السياسي، بل ان اي رد فعل يجب ان يبقى مندرجا تحت سقف الانتظام العام، كما فعل مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر الذي بادر الى تمييز الحكم المشكو منه، طالبا نقضه واعادة المحاكمة وادانة سماحة وتجريمه بجرم القتل العمد.
أما على المستوى السياسي، فـيبدو واضحا ان هناك فـي لبنان من يسعى الى استثمار ملف سماحة حتى أقصى الحدود الممكنة، وصولا الى توظيفه ضد الرئيس السوري بشار الاسد ومدير مكتب الامن القومي اللواء علي مملوك، انطلاقا مما ورد فـي التسجيلات الصوتية للحوارات بين سماحة ومخبر åفرع المعلوماتò الذي أوقع به ميلاد كفوري، علما ان حلفاء دمشق فـي بيروت يعتبرون ان التسجيلات المسربة مجتزأة ولا تعكس كل الحقيقة، وان الجزء الذي يشير فـيه سماحة الى åالرئيس وعليò، كما ورد فـي أحد المقاطع المنتقاة، لا يُعتد به وليس فـيه ما ينطوي على تورط او إدانة للقيادة السورية.
والغريب ان الحملة على المحكمة العسكرية أتت من قبل فريق يركز فـي أدبياته على ضرورة حماية استقلالية القضاء وعدم تدخل السياسيين فـي شؤونه، تحت شعار شهير سبق لهذا الفريق ان أطلقه وهو åالعبور الى الدولةò، فإذا به يمارس أشد الضغوط على أحد جوانب هذا القضاء متمثلا فـي المحكمة العسكرية التي تعرضت لأعنف هجوم سياسي، كان من أول ضحاياه مبدأ الفصل بين السلطات، فقط لان المحكمة أصدرت حكما لم يعجب البعض!
ان أخطر ما فـي الحملة انها تستبيح حصانة الجسم القضائي الذي يشكل أحد آخر صمامات الامان لدولة مترنحة، وتهدد بجعله عرضة للابتزاز والتهويل كلما صدر عنه حكم، وكأن المطلوب من القضاة ان يتحولوا الى åخياطينò يتولون تفصيل قراراتهم على قياس هذا المزاج او ذاك، تحت طائلة محاسبتهم على المنابر وفـي الشارع.
وإذا كان لا يمكن إنكار حقيقة ان مظاهر الفساد الوظيفـي والولاء السياسي تسربت الى بعض القضاة، فان الاصلاح لا يكون بالتعرض لمؤسسة القضاء ككل، وإنما بمعالجة مكامن الخلل وتنقية هذه المؤسسة من الفاسدين وفق آلياتها المعتمدة، ومن دون اي تدخل سياسي، لان من شأن هذا التدخل ان يزيد الامر تعقيدا.
ومن مخاطر الحملة على المحكمة العسكرية التي يترأسها العميد خليل ابراهيم انها اتخذت فـي جانب منها طابعا مذهبيا، باعتبار ان ابراهيم شيعي، ما جعله عرضة للاتهام من قبل شخصيات فـي 14 آذار بالخضوع لضغوط حزب الله، الى حد ان هناك من اعتبر ان المحكمة تدار عن بُعد من وفـيق صفا(مسؤول وحدة الارتباط فـي الحزب).
فـي المقابل، يشير العارفون الى ان الهيئة التي أصدرت الحكم تتكون من خمسة قضاة، يتوزعون بين واحد شيعي وآخر سني وثلاثة مسيحيين، وان الحكم صدر بالإجماع ما ينفـي عنه اي صبغة مذهبية او سياسية.
ويستغرب هؤلاء كيف ان المعترضين حاليا لاذوا بالصمت عندما أصدرت المحكمة ذاتها أحكاما تُعد مخففة بحق متعاملين مع اسرائيل وموقوفـين آخرين من أمثال الشيخ عمر فستق (السجن لثلاث سنوات ونصف السنة) والارهابي جمال دفتردار (سبع سنوات)، وبالتالي فان هذه الاستسابية تضرب مصداقية الكثير من اولئك الذين يعطون المحكمة العسكرية دروسا فـي النزاهة.
Leave a Reply