فاطمة الزين هاشم
كان لتأريخ 12-12-1983 وقعٌ كبير وسعيد ومفرح فـي نفسي حين أنعم الله عليَّ بمولود جميل أسميناه أنا وأبوه (علي)، لم تسعني الدنيا فـي تلك الليلة حين شعرت بأنّ الهلال على أسطح المنازل يشعّ بضوئه ليكتسح تلك الظلمات التي تجمّعت وأخذت تسرح بين منعطفات الأزقّة، فقد شعرت بنور ساطع قد تغلغل فـي قلبي وجسدي ورحت بين تموّجات هستيريا من الفرح المندمج بالبكاء لأعرف معنى السعادة، حيث شاركني أوركسترا النور تلك، زميلاتي وصديقاتي اللواتي أتين للوقوف بجانبي فـي فترة (المخاض) والاطمئنان على المولود ومعرفة ما إذا كان ذكراً أو أنثى، لأن التكنولوجيا لم تكن متوفرة فـي ذلك الوقت مثلما هي عليه الآن والتي باستطاعتها تحديد جنس المولود من حمله فـي الشهر الرابع.
كان لديّ أربع بنات وكنت أحبّهنّ حبا جما، لكن فـي مجتمعنا الذكوري وجود الإبن ضروري لتخليد اسم الأب والعائلة، صديقاتي حملن المولود وأخذن يدورون به على أقسام المستشفى والزغاريد تصدح فـي الممرات حتى أنهن أتين فـي صباح اليوم التالي وحملنه للجرّاح وأجرين له عملية (الختان) دون مشورتي أو الرجوع إليّ.
ذبحت له الخراف وتم توزيع اللحم على الجيران والأحبة وأتته الهدايا من كل حدب وصوب خاصة من زملائي وزميلاتي فـي العمل.
نشأت بيني وبينه علاقة دافئة وثيقة منذ اليوم الأول لولادته وما زالت قائمة حتى هذا اليوم، فحبنا لأولادنا حقيقة كونية واقعة، لكن حبي إلى ولدي علي فاق الحدود منذ صغره وأنا أعتبره رجلاً أتحاور معه وأناقشه، أهتمّ برأيه وأشعره بأهميته لأن من واجبنا أثناء الحوار مع أبنائنا أن نحترم مشاعرهم.
فالحوار ليس لغة منطوقة فقط، بل هو أيضاً مشاعر وأحاسيس يريد أبناؤنا أن يوصلوها إلينا، بعض الآباء يميلون إلى إنكار مشاعر أبنائهم وإقناعهم بأنه لا ينبغي لهم الإنغمار بتلك المشاعر، هذه الأساليب تجعل الأبناء يشعرون بأن والديهم لا يفهمونهم ولا يتقبلونهم على ما هم عليه وبالتالي يتجنبون الحوار معهم.
إن أولادنا فـي أمسّ الحاجة إلينا مهما أبدوا فـي تصرفاتهم من غرابة أو عناد أو غضب، فلنأخذ كل ذلك بعين الاعتبار وبحسن نية فنحن من يربّي، علينا أن نفهم أن التغيير يبدأ من الداخل ونحن مسؤولون عن أي تصرف نقوم به مع أبائنا، كما أن أي ردود فعل سلبية من أبنائنا تجاهنا يقع جزء من المسؤولية علينا جراءها، فلندرك أننا فـي أي موقف يجمعنا بهم وخلال حديثنا معهم أو استماعنا إليهم قد نبتعد عن الحكمة والصواب، لذلك من الأهمية أن نصلح ونعدّل من تصرفاتنا أولاً قبل أن نشير بأصابع الاتهام إليهم، وفـي هذه الحالة نتبين كيف يمكن لنا أن نخفف من مشاكل أبنائنا النفسية عن طريق تعديل تصرفاتنا إزاءهم.
لن أستطيع أن أصف تلك اللحظة التي مررت بها عندما كان إبني على منصة التخرج ونودي على اسمه (الدكتور علي حسن أحمد)، فقد ظهر وهو باسم الثغر وصوب بصره نحوي أثناء لحظة تسلمه شهادة الدكتوراه، كأنه يقول لي هذه لكِ لأنكِ من دفعني وأعطاني القوة وحثني على المثابرة لنيل هذه الشهادة التي تفخر بها كل أم وتشعر بأن الله أكرمها بولدٍ ناجح وبار.
عانقته بعد خروجه من منصة التخرج والدموع تنهمر على وجهي من حرارة الفرح كما أحسست بأن تعبي وصبري أنتجا شابا متعلماً أفخر به أمام العالم.
مبروك لك ولي يا رفـيق قلبي وقرة عيني وإنني أتضرع إلى الله أن يوفقك بعملك وتكون نبراساً للعلم والصدق ومحبة الناس ومساعدتهم. بذلك أكون قد أدّيت الرسالة على أكمل وجه.
Leave a Reply