علي حرب «صدى الوطن»
إذا تبادر إلى أذهاننا جدلاً أنَّ العالم الافتراضي على الشبكة العنكبوتية هو انعكاس حقيقي لمجتمعنا، هذا يعني أنَّ لدى أميركا مشاكل كبيرة ناجمة عن كراهية الأجانب، ولا سيما التعصُّب ضد المسلمين. فوسائل التواصل الاجتماعي، والتي استحضرت القدرة الكتابية والنصية إلى كل أميركي لديه وسيلة للوصول إلى الإنترنت، تكاد تطفح بالكراهية الموجهة ضد المسلمين.
المواجهة في فينيكس |
كذلك فإنَّ القصص المثيرة للجدل التي تنطوي على قضايا تهم المسلمين غالباً ما تكون مليئة بتعليقات وردود فعل سلبية حول العقيدة الإسلامية وأتباعها ليس أقلها دعوة المسلمين والعرب إلى «العودة لبلدانهم» وحتى تخويفهم من خلال تصريحات تتضمن تهديدات مباشرة.
تغريدة واحدة من مستخدم معادٍ للمسلمين يقول فـيها «إنه يفكر بالذهاب إلى مدينة ديربورن لاستعمالها كحقل رماية» صالت وجالت وانتشرت كالنار على وسائل التواصل الاجتماعي الأسبوع الماضي. «أنتم ودينكم وأصلكم القومي هو الشر بعينه. أنتم لا تنتمون الى هذا البلد» كتب مغرِّد متعصِّب آخر موجِّهاً حقده إلى «صدى الوطن».
وتأتي مثل هذه التصريحات فـي أعقاب المظاهرة المسلَّحة المعادية للمسلمين أمام مسجد فـي «فـينيكس»، بولاية أريزونا، مما أثار مخاوف مشروعة بشأن مخاطر إساءة استخدام حرية التعبير التي يكفلها التعديل الأوَّل للدستور الأميركي.
ومن المفترض أن تكون حرية التعبير التي يمنحها الدستور واحة للأفكار التي يجب أنْ يسقط فـيها خطاب الكراهية ولا يصمد طويلاً . لكن المشاعر المعادية للمسلمين الرائجة فـي البلاد سمحت للخطاب المتعصب ضد المسلمين أن يكون مقبولاً اجتماعياً.
وفـي أحاديثهم إلى «صدى الوطن» حث الناشطون فـي مجال حقوق المسلمين والحقوق المدنية، المسلمين للرد على خطاب الكراهية من خلال بث الصور الإيجابية المغايرة للصور النمطية الخاطئة والسائدة فـي مجتمعاتهم.
ارتفاع حدة الكراهية ضد المهاجرين وخاصة المسلمين
وقال دواود وليد، المدير التنفـيذي لمجلس «العلاقات الإسلامية الأميركية فـي ولاية ميشيغن» (كير) إن التعليقات المتعصبة على الإنترنت لا تمثل أغلبية المجتمع الاميركي ولكنها تدل على أن العنصرية والتعصب آخذة فـي الارتفاع.
وأضاف أن «مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية» (كير) يأخذ على محمل الجد التهديدات على الإنترنت، وإذا كان بعض الناس يشجعون على ارتكاب عمل من أعمال العنف، فإنه يجب أن يتم تبليغ وكالات إنفاذ القانون عنهم.
وطلب وليد إحالة التعليقات المقلقة إلى «كير» أو غيرها من منظمات الحقوق المدنية، والتي يمكن الإبلاغ عنها للجهات المختصة. واستشهد وليد بالمظاهرة المسلَّحة المعادية للمسلمين إمام مسجد فـي فـينكس لتسليط الضوء على أنَّ مفاهيم المتعصبين «متناقضة مع حرية التعبير».
وتابع «لقد وقع النفاق بعينه حول تطبيق التعديل الدستوري الأوَّل والثاني. لقد جاء هؤلاء الناس أمام المسجد للسخرية من الإسلام، وحسب التعديل الدستوري الأوَّل كان لنا الحق لنقول أنَّ الإساءة فـي الكلام إصابتنا فـي الصميم. ولكن مع هذا كان التركيز علينا بحجة أننا لا نحترم حرية التعبير».
وأضاف أنه لو «مارس المسلمون حقوقهم حسب التعديل الثاني عن طريق حمل بنادق وأسلحة هجومية، مثلما فعلت عصابات راكبي الدراجات النارية فـي مظاهرة فـينيكس، فسيجري تسميتهم حتماً بالمتطرفـين الذين يمارسون العنف والارهاب وسيوضعون بسرعة تحت رقابة الشرطة».
وأكد وليد أنَّ «من المثمر التفاعل مع مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي الذين لديهم سوء فهم عن الإسلام، ولكن إذا كان الشخص يعرض علناً الكراهية مثل القول«تبَّاً للإسلام»، لا ينفع عندها التفاعل معه. وختم بالقول «لا يمكن استمالة من لديه وجهات نظر معادية للأجانب ومتعصب من خلال تغريد مؤلَّف من بضعة حروف». وقالت الناشطة النسائية اليمنية الأميركية رشا المكلاني، التي كانت هدفاً للتعليقات البغيضة على شبكة الإنترنت، انها تشعر بخيبة أمل وبغضب من المحسوبين على البشر عندما تشهد التعصب. واستدركت بالقول إن «من المخيف التفكير معظم الوقت بأنك هدف لغضب على ما يبدو لا حدود له»، وأضافت لطالما وجدت نفسي أفكر بالكاتب (التقدمي الأسود) دوبليو إي بي دو بوا وتساؤله ذي الصلة على نحو متزايد، «كيف تشعر عندما تكون أنت المشكلة؟»، والذي جوابه دائماً حاضر عندي للإجابة وهو «لا يجب أن أشعر بشيء لأنني لست المشكلة».
المكلاني، العضوة فـي «زي الجماعية»، وهي مجموعة نسائية تقدمية عربية مسلمة، وصفت خطاب الكراهية بـ«العنف من خلال العبارات» والتي يمكن أن تؤدي إلى أشكال أخرى من العنف ذاته. وقالت «فـي الولايات المتحدة، غالباً ما تُختَلق الأعذار أو المبررات عند التفوه بخطاب الكراهية من قبل العنصر والفصيل المهيمن، وهو عادة الفرد الأبيض».
وأوضحت «إن التناقض بين التسامح مع ظاهرة الإسلاموفوبيا والتدقيق الملتوي من قبل المحتجين على وحشية الشرطة يبين أن تصنيف النشاط باسم «حرية التعبير» أو «خطاب الكراهية» يعتمد على هوية المتكلم».
وأردفت انها «تختار معاركها بحكمة عند اتخاذ قرار الرد على تصريحات حاقدة على الانترنت» وفـي بعض الأحيان تشعر «بواجب التدخل لمنع الأصوات السلبية من الهيمنة. اذا استخلصت أن الشخص الذي يطلق تصريحات حاقدة غير عقلانية لا يسعى الى الانخراط فعلياً فـي نقاش مثمر وذي مغزى فإني أخطو خطوة إلى الوراء وأستفـيد من وقتي وطاقتي فـي أماكن أخرى أكثر فعالية».
من ناحيته، ذكر ستيفن يوريندا، أحد مؤسسي «جماعة حوار الأديان» المسماة ايضاً بـ«الجسر» وهو تحالف (يهودي-مسيحي- مسلم)، ان مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي المعادين للمسلمين يمثلون جزءاً كبيراً من المجتمع. وأردف «أنا أكره أن أقول ذلك، ولكن العديد من الأميركيين لا يعرفون عن المسلمين، حتى على المستوى الأولي والأساسي».
وأضاف يوريندا «أن تزايد الخوف والاستياء من المسلمين بين المحافظين يتحول إلى ثقافة كراهية شعبية فنحن أمة يحركها الاتجاه والتوجه (تريند)، وفـي نهاية المطاف نحن أمة تتكون من متعددي الولاءات والناس يساهمون فـي تعزيز ثقافة مناهضة المسلمين المنتشرة لتوها على شبكة الإنترنت من دون تفكير وهو اتجاه خطير مرتبط بالخوف».
واستطرد «أن هناك موقفاً ضد الأجانب عامة فـي البلاد نابع من مفهوم ان الناس الذين يختلفون عنهم يشكلون تهديداً لهم. وقد أصبح التعصب ضد المسلمين الأميركيين أكثر وضوحاً مع النمو المضطرد للجالية الأميركية المسلمة».
وخلص إلى القول «لقد تخلَّى الأميركيون عن عادتهم فـي التعرف على جيرانهم والاعتراف بالآخرين كبشر مثلهم. أيضاً مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي الذين يدلون بتصريحات معادية للمسلمين يجب توجيه تحد لهم بطريقة سليمة ومقنعة لجعلهم يعيدون النظر فـي وجهات نظرهم».
خطاب الكراهية .. والقانون
وقال المحامي نبيه عياد، المدير التنفـيذي لـ«رابطة الحقوق المدنية العربية الأميركية» (آي سي آر آل) ليس هناك «خط واضح تصعد من خلاله التهديدات لتصبح فـي مستوى الجريمة التي يعاقب عليها القانون، وذلك لأن التعديل الأول هو حامي قوي لحرية التعبير». وأضاف أن «الرغبة فـي إيذاءالمسلمين لا يفسِّر بالضرورة على أنه تهديد، من الناحية القانونية. وإذا لم يكن هناك تهديدٌ وشيك وواضح، فإن المحكمة قد تفسره على أنه مجرد بيان من دون أي نوع من الإقدام على فعلٍ ما».
وأوضح «أن التهديد يمكن أن يشكل أساساً للملاحقة القضائية القانونية إذا كان يستهدف أفراداً وأحداثاً ومنظمات محددة». وأضاف «أن التخطيط المادي يمكن أن يعطي وزناً لوظيفة وسائل التواصل الاجتماعي باعتباره مؤامرة قابلة للتنفـيذ الجنائي. مثلاً إذا قال شخص ما انه يود مهاجمة ديربورن وانه اشترى ذخيرة كاملة من الرصاص ويحمل خريطة للمدينة، عندها يُنظر إلى تعليقه على انه تهديد حقيقي».
وتابع «إن تصعيد حدة خطاب الكراهية هو مصدر قلق خصوصاً بسبب وجود أناس مجانين فـي هذا البلد من الذين قد يحاولون إيذاء افراد او مؤسسات الجاليات العربية والإسلامية، معتقدين أنهم يؤدون خدمة لوطنهم». عياد، الذي خدم فـي «هيئة الحقوق المدنية لولاية ميشيغن»، فـي ظل ادارة الحاكمة السابقة جنيفر غرانهولم، أشاد بالدرع الحامي الذي يؤمنه التعديل الدستوري الأول «لأن حرية التعبير تسمح للعرب والمسلمين بمكافحة التعصب من خلال خطاب مضاد خاص بهم».
وقال «يجب أن نتبنى خطاباً أكثر إيجابية عن العرب والمسلمين لتحييد مشاعر الكراهية ضدهم. وبشكل عام، ينبغي أن نتحدث عن الاسهامات الايجابية للعرب والمسلمين الأميركيين للإرتقاء من خلالها إلى مصاف المجتمع، على سبيل المثال كيف أنهم يخدمون فـي الجيش الأميركي ويضعون حياتهم على المحك. فمنهم المهنيون والمهندسون والأطباء والطلاب وجزء وازن من نسيج هذه الأمة العظيمة».
وقالت رنا المير، نائبة مدير «الاتحاد الأميركي للحريات المدنية» (آي سي ال يو) فرع ولاية ميشيغن، إن الاتحاد «يشعر بقلق عميق إزاء موجة المشاعر المعادية للمسلمين فـي جميع أنحاء البلاد». لكنها مع ذلك، كررت دعم اتحاد الحريات المدنية لحرية التعبير.
وتابعت «انها مسألة سياسية ومبدئية بإمتياز، ونحن نعتقد أن أفضل طريقة لمكافحة خطاب الكراهية هي بالخطاب المضاد من دون رقابة الدولة او الأجهزة الأمنية. فالتعديل الأول للدستور يحمي الآراء من مراقبة الحكومة، ولكن لا يحمي هذه الآراء من الانتقادات والاحتجاجات المضادة وحتى الدعوة الى مقاطعة اصحابها». واضافت المير «على سبيل المثال، المذيع راش ليمبو الذي نظمت ضده لسنوات حملة مقاطعة استهدفت رعاة برنامجه الإذاعي. فكان رد الفعل على تعصب راش ليمبو وخطابه العنصري الدعوة الى مقاطعة برنامجه، فهذا بحد ذاته نوع من الخطاب المحمي دستورياً. وخير وسيلة لمكافحة خطاب الكراهية هو الرد عليه بالخطاب الإيجابي».
واعترفت المير بأن الكلمات فـي بعض الاحيان يمكن أن تسبب الألم، «ولكن لا يمكن الوثوق بالحكومة بمنحها دور تنظيم الخطاب ومراقبته. لقد علمنا التاريخ أن الحكومة هي أكثر عرضة لاستخدام هذه القوة كسيف لملاحقة الأقليات بدل ان تكون درعا لحمايتها». وأوضحت «أن حرية التعبير لا تحمي الأفراد الذين يستخدمون كلمات الترهيب والمضايقة أو التهديد بحق الآخرين. فالتهديدات الحقيقية، سواء فـي شكل مكالمة هاتفـية أو تغريدة، على سبيل المثال، ليست محمية دستورياً».
وختمت بالقول «إن شركات وسائل التواصل الاجتماعي لا تحمل نفس المعايير الحكومية ولديها مبادئ توجيهية تمنع السماح بالخطاب الفتنوي».
«ليست هذه أميركا التي أعرفها»
الأميركيون الذين يحملون وجهات نظر سلبية عن الإسلام أغرقوا وسائل التواصل الاجتماعي بمشاركات تعبر عن آراء حاقدة. كما استخدمت مواقع الفـيسبوك وتويتر من قبل المسلمين وغير المسلمين لمحاربة التعصب.
وفـي حين قام أكثر من ٢٠٠ من المتظاهرين المسلحين بالمسدسات ويلبسون قمصاناً تحمل شعار «تبَّاً للإسلام» أمام مسجد فـي فـينيكس للاحتجاج ضد الإسلام يوم ٢٩ ايار (مايو) الماضي، وبحماية من التعديل الأول للدستور، قامت حملة مضادة على الانترنت بمواجهة التظاهرة العنصرية المسلَّحة بسلاحها – وهو استخدام حرية التعبير الخاصة بها.
فقد انطلقت الحملة المضادة للكراهية بتشجيع من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي وتضمَّنتْ «هاشتاغاً» بعنوان «هذه ليست أميركا التي أعرفها» فـي ردودها على المحتجين. وحصل الشعار على آلاف المشاركين والتغريدات التي تدين التعصب وتشكك فـي وطنية المتظاهرين. وأبرزت بعض المواقف على وسائل التواصل الاجتماعي الدوافع السياسية والمالية الخفـية لاستهداف المسلمين الأميركيين وتعاطفت مع الأسر والأطفال فـي المسجد الذين تعرضوا بلا مبرر للترهيب والكراهية والألفاظ النابية.
وغرَّدت الصحفـية سوزي مايستر قائلةً «أنا متأكدة من ان يسوع لن يجلب ذخيرة حية إلى مسجد. الأفضل لكم رمي السوار الذي تلبسونه فـي معاصمكم والذي يقول «ماذا كان سيفعل يسوع لو كان هنا» هذه ليست أميركا التي أعرفها».
وتم خلق حساب وهمي ساخر على تويتر يحاكي حساب عضو الكونغرس الجمهوري من كاليفورنيا النائب جاك كيمبل يتحدَّث عن الهرطقة باعتبار التظاهرة المسلَّحة شكلاً من أشكال حرية التعبير. وتساءل المغرد الوهمي «تخيلوا لو كان هؤلاء المتظاهرون المسلحون هم من المسلمين الذين تجمعوا خارج الكنيسة الإنجيلية البيضاء أو حفل جوائز أكاديمية موسيقى الريف؟!» .
ولكن مثل أي «هاشتاغ» آخر، استخدم الشعار «ليست هذه أميركا التي أعرفها» أيضاً ضد الغرض المقصود منه حيث وضع فـي بعض حسابات تويتر المعادية للمسلمين والداعمة للتظاهرة العنصرية المسلَّحة.
Leave a Reply