يوم الأربعاء الماضي أطلق مركز التقدم الأميركي «كاب» (CAP) ومقره واشنطن تقريره الثاني عن شبكة مؤلفة من الأفراد والجماعات والمنظمات الحاقدة التي تضمر الكراهية للإسلام والمعروفة باسم شبكة الإسلاموفوبيا والبالغ تمويلها ٥٧ مليون دولار سنوياً، وقد أصدر التقرير بشكل تفاعلي فـي موقع على الإنترنت بالتعاون مع مجلس العلاقات الاميركية الاسلامية «كير» بحيث يمكن تتبع الشبكة من قبل الزائرين.
تقرير المركز أتى بالتزامن مع الضجة التي صاحبت مجزرة شابل هيل والتي ذهب ضحيتها ثلاثة مسلمين من عائلة واحدة برصاصة واحدة فـي الرأس مباشرة لكل منهم، ( ضياء وزوجته يسر وأختها رزان )، وهي الحادثة التي لم تنل اهتمام الإعلام الأميركي حيث صاحبها تعتيم كامل حتى حدثت ثورة فـي مواقع التواصل الاجتماعي وضغط أجبرا وسائل الإعلام الأميركية على تغطيتها والتفاعل معها.
التقرير الأول لـ«كاب» كان فـي عام ٢٠١١ حيث كشف حينها للمرة الأولى عن حجم الشبكة العاملة على تأجيج الإسلاموفوبيا فـي الولايات المتحدة بتمويل قدّره التقرير فـي وقتها بـ ٤٢ مليون دولار، والرقم الحالي يوضح تصاعداً فـي ميزانية الشبكة ومدى إنفاقها على أهدافها، تلك الأهداف التي تتجمع كلها فـي جملة واحدة تتخلص بتهميش المسلمين فـي المجتمع الأميركي ومحاصرتهم وإشاعة الكراهية المطلقة لهم..
ويركز صلب التقرير البحثي على المشكلة المتفاقمة بلا توقف، وهي أن شبكة الإسلاموفوبيا تتطور ويتصاعد أداؤها باستمرار منذ عشر سنوات، مع رواج أكثر لأفكارها وتبني أوسع لأهدافها، من بعض التيارات السياسية، وتحول الخطاب الذي كان يُنظر له على أنه شديد التطرف إلى بدايات سياسة عامة تتسع ببطء!
تعتمد الشبكة على مجموعة واسعة من المنظمات والمتبرعين ورجال الأعمال الذين يقدمون الأموال لدعم أهداف الشبكة، وهذه المنظمات تأخذ الأموال ثم توزعها بشكل مؤسساتي على خبراء وباحثين يعملون كقادة الأوركسترا والذين يخلقون معلومات مضللة وكاذبة عن الإسلام والمسلمين، ثم تُعطى هذه المعلومات المضللة لشبكة أضخم تضم قادة دين من اليمين المتطرف وسياسيين وإعلاميين ونشطاء ليستخدموها بشكل واسع النطاق فـي إقناع الأميركيين بأن الإسلام عبارة عن عقيدة شريرة تتخذ من العنف وسيلة لنشر رسالتها، وليس إقناعهم فحسب، بل وترسيخ قناعتهم بذلك!
ولكننا نعتقد بأن الخطر يستهدف الجميع وليس المسلمين فقط، ولا يظنن أحد من الأقليات الدينية الأخرى وحتى المسيحيين واليهود انهم فـي منأى عن هذا الخطر فالتعصب والعنصرية والحقد هي أمراض العصر وهي تدمر وتجتاح فـي طريقها الجميع وتحرق الأخضر واليابس معاً وقد خبرنا ما يفعل التطرف والتعصب بظهور التكفـيريين فـي الشرق الأوسط والمحافظين الجدد فـي أميركا وجيلهم الهجين الذي يصب جام حقده على المسلمين بعد الفراغ الذي احدثه انهيار الشيوعية حتى اصبح الحقد صناعة وتجارة رائجة تُرصد لها ملايين الدولارات التي يعتاش منها مروجو الفتنة.
وإزاء ذلك فإن لدينا جميعاً دور استراتيجي نؤديه لمنع توسيع شبكة الإسلاموفوبيا والحد من انتشار وبائها، حيث تتطلب معركة الانتصار عليها أكثر من انخراط الجالية الاسلامية لوحدها فـيها. فهناك حركة غير معلنة للحقوق المدنية المسلمة فـي الولايات المتحدة. والتحديات التي تواجه المسلمين الأميركيين اليوم هي موازية لتلك التي واجهت الأميركيين من أصل أفريقي خلال اطلاق شرارة حركة الحقوق المدنية إبان فترة الستينيات. إذ لم يقف الأميركيون السود لوحدهم فـي معركة تقرير المصير والحرية وتحقيق الحقوق الأساسية والكرامة الإنسانية حتى اثمر كفاحهم وأينع، والسبب فـي جزء كبير منه يعود لأن الأميركيين من جميع الخلفـيات والأطياف وقفوا مع قضيتهم العادلة. هذا بالضبط ما يجب ان يقوم به العرب مسلمين ومسيحيين متحدين، بدل المشاكسات والمناكفات والمشاكل الداخلية السمجة مثل الخلاف على جنس الملائكة بينما العدو يحيط بأسوار المدينة.
واليوم يعيد التاريخ النضالي نفسه مع الأميركيين الأفارقة حيث تقف مجموعة متنوعة وواسعة من الأميركيين مع الجالية السوداء ضد وحشية الشرطة، الأمر الذي يجعل الحركة النضالية أقوى وذات مشروعية أكبر.
ومن خلال الانضمام إلى تحالفات وائتلافات بأعداد كبيرة يمكن للأميركيين المسلمين إضعاف ودحر أيديولوجية الخوف من الإسلام، الخطيرة، التي تنمو بسرعة كبيرة فـي أوساط المجتمع الاميركي وتهدد مصير الجاليات والجماعات والعائلات المسلمة.
ومن خلال رصد الأحداث يبدو أنَّ الهجمات ضد المسلمين الأميركيين ستستمر وتتزايد خاصة بعد ظهور «داعش» وغيرها من التنظيمات الإرهابية التكفـيرية التي ترتكب أعمال الإجرام باسم الإسلام. ويسهم عمل الناشطين ضد المسلمين فـي شبكة الإسلاموفوبيا بما فـي ذلك روبرت سبنسر وباميلا غيلر فـي تشكيل تهديدات كبيرة وخطيرة على حياة المسلمين ومجتمعاتهم ومراكزهم من خلال خطاب الكراهية والبغضاء الذي يقطع أكثر من السيف ويقتل أكثر من الرصاص لانه يحرِّض ذوي العقول البسيطة والجاهلة على الفعل الشنيع، مثل تحريض الإرهابي النرويجي المتطرف أندريس بيرينغ بريفـيك والمانيفستو الشهير ضد «الاستعمار الإسلامي لأوروبا».
اللاعبون السياسيون والمنظمات المتطرفة ووسائل الإعلام والمصادقون الكذابون واليمين الديني جمعوا كلهم فـي شبكة الإسلاموفوبيا ويتحملون المسؤولية عن الظلم الأميركي ضد المسلمين كل يوم لكن العتب على الضحية إذا لم تسارع إلى وضع استراتيجية لحماية نفسها من الانقراض.
وليس مستغرباً أدراج شبكة «فوكس نيوز» كعضو من ضمن وسائل الإعلام المغرضة فـي شبكة الإسلاموفوبيا. ففـي عام ٢٠١٢ قام رجل من ولاية إنديانا بإضرام النار فـي مسجد بولاية أوهايو، وقال انه فعل ذلك بعد إحساسه بالغضب العارم من مشاهدة «فوكس نيوز». وقد اجرى معهد بحوث الأديان العام استطلاعاً بين الأميركيين خلصت نتائجه نحو وجود علاقة قوية طردية بين وجود أفكار مسبقة مضللة وخاطئة عن الإسلام والمسلمين وبين مشاهدة «فوكس نيوز» ووجد الاستطلاع أن أغلبية الأميركيين الذين يشاهدون الشبكة التلفزيونية يميل بنسبة كبيرة إلى تصديق ما يقال عن «زحف الشريعة الإسلامية على الولايات المتحدة»، وأن المسلمين «لم يفعلوا شيئاً لمناهضة التطرف»، وأن استخدام سلطة التحقيقات لمواجهة التطرف الإسلامي المزعوم هو فكرة جيدة وملحة!
لقد فقد الكثير من المسلمين الأبرياء حياتهم او ممتلكاتهم بسبب بركان كراهية الإسلام الذي يغذي عقول وقلوب الناس على مدار الساعة. وعلينا التصرف بحكمة، ومعرفة العدو ومخططاته ثم إقامة تحصين ذاتي وتوسيع التحالفات والتواصل مع باقي الفئات وعدم إضاعة الوقت. اته وقت مفصلي فـي التاريخ بالنسبة للمسلمين والعرب الأميركيين، والذين انضموا للنضال العادل مع المسلمين ووقفوا علناً ضد الإسلاموفوبيا هم على الضفة الصحيحة من التاريخ. وهنا يطرح السؤال نفسه: هل يتفق العرب والمسلمون على حقهم ويقفون معاً لمواجهة هذا الخطر الماحق المدعوم من أخطبوط المال والإعلام؟! نأمل ذلك قبل فوات الأوان.
Leave a Reply