فـي الوقت الذي وجدت أنظمة العرب حليفاً جديداً فـي نتنياهو، كبرت حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات من إسرائيل والتي تقودها «حركة مقاطعة إسرائيل»، المعروفة بـ«بي دي أس» ومركزها فرنسا، ليس فقط لأنها تهدد شرعيتها، بل لأنها تشكل تهديدًا لوجودها، وما يزيد من قلقها قرار شبكة «أوليمبيا» الأميركية، وشركة «أورانج» الفرنسية العالمية، وغيرهما من الشركات الانضمام لحملة المقاطعة هذه، الأمر الذي استوجب عقد جلسة للحكومة وأخرى للكنيست، للبحث فـي الوضع الخطير.
الوزير جلعاد أردان، خلص إلى القول أن إسرائيل ستقاطع من يقاطعها، وأنها ستحارب «بي دي أس»، كما عقد اللوبي الإسرائيلي-الأميركي جلسة للبحث فـي تدهور العلاقات الأميركية-الإسرائيلية، التي أصبحت فـي الحضيض، متهماً نتنياهو بأنه يخاطر بأمن إسرائيل، نتيجة لسياسته، وأن حملة المقاطعة حسب المصادر الإسرائيلية خطيرة جدًا، ولها نتائج سياسية واقتصادية سلبية عليها، وهناك مخاوف من قيام شركات كبيرة بمقاطعة إسرائيل. وبدلًا من استخلاص العبر والبحث فـي الأسباب التي أدت إلى هذه المقاطعة، أبلغ نتنياهو وزير خارجية ألمانيا أثناء زيارته الأخيرة فـي الأسبوع الماضي، أن شروط إقامة الدولة الفلسطينية غير متوفرة، وأنه دون سيطرة إسرائيل الأمنية على الضفة الغربية، فلن يكون هناك أي اتفاق سلام مع الفلسطينيين، رافضاً مرة أخرى «مبادرة السلام العربية».
حركة «بي دي أس» لمقاطعة وسحب الاستثمارات من إسرائيل، وفرض العقوبات عليها، تأسست عام ٢٠٠٥ فـي فرنسا، للحث على مقاطعة البضائع والسلع الإسرائيلية، ويقودها الناشط المغربي «سيون أسيدون»، بمشاركة مواطنين من خلفـيات وجنسيات مختلفة، لشرح الأسباب التي لأجلها قامت هذه الحركة وبحملتها الدولية لفرض عقوبات على إسرائيل، والضغط عليها، لإنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية وإلى تفكيك جدار الفصل العنصري وإجبارها على الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني، واحترام حقوق اللاجئين الفلسطينيين فـي العودة إلى ديارهم.
وهناك مقاطعة من قبل شركات أوروبية أخرى، كما طالت المقاطعة الجامعات الإسرائيلية، مما دفع برؤساء هذه الجامعات لطلب المساعدة بوقف المقاطعة الأكاديمية عنها، كما أن مجلات علمية دولية امتنعت عن نشر مقالات وأبحاث إسرائيلية، ويرفض محاضرون وأساتذة أجانب المشاركة فـي مؤتمرات علمية فـي إسرائيل كما يرفض فنانون، مثل روجر واترز، نجم فرقة «بينك فلويد» الشهيرة من زيارة دولة الاحتلال ويحث زملاءه على مقاطعة الحفلات هناك مما أدى لامتناع ٧٠٠ فنان بريطاني عن ذلك . هذه المعارضة الفنية والأكاديمية، اعتبرت فـي إسرائيل كارثة سياسية وعلمية واقتصادية كما أن الزراعة والصناعة الإسرائيليتين أعلنتا تضررهما من موجة التهديدات بالمقاطعة.
الضغوط تنهال على إسرائيل، ووسائل الإعلام الإسرائيلية تحذر من كارثة قادمة، ورئيس الدولة المحتلَّة ريفلين يرى أن إسرائيل تتعرض لتهديد وجودي، ومحكمة الجنايات الدولية تستقبل الدعوة الفلسطينية ضد المستوطنات، ولن تنجح أي حكومة إسرائيلية وأي إعلام إسرائيلي فـي التأثير على الرأي العام العالمي، خاصة الأوروبي، فـي أعقاب السياسة العنصرية التوسعية الإسرائيلية التي شرعت نحو ٥٠ قانوناً عنصرياً ضد الشعب الفلسطيني، وبسبب الممارسات العنصرية داخل وخارج الخط الأخضر.
لكن إسرائيل مازالت تكابر ولا تريد استخلاص العبر من الضغوط العالمية لإنهاء احتلالها، ولا تريد استيعاب وفهم رسالة الحركة العالمية لمقاطعتها، وتكتفـي باتهام الداعين للمقاطعة باللاسامية ضدها، فإذا سبق أن أسقط العالم العربي المقاطعة المعلنة ضد إسرائيل فإن المقاطعة هذه المرة تأتي من قبل الأوروبيين ومن أميركا حامي حمى اسرائيل. غير ان تل أبيب غير مبالية كثيراً فالأنظمة العربية الرجعيَّة يبدو أنها ستتحول إلى الحامي والحليف المقبل للتعويض عن خسارة العالم، وكل ذلك من أجل محاربة عدو إيراني مشترَك.
Leave a Reply