ارتكب رجل عنصري أبيض مجزرة رهيبة راح ضحيتها تسعة اشخاص من أصول إفريقية أميركية فـي كنيسة تاريخية بمدينة تشارلستون، فـي ولاية ساوث كارولينا، ليلة الأربعاء الماضية. وكان المشتبه به، روف ديلين، البالغ من العمر ٢١ عاماً، مدفوعاً بمشاعر الحقد والكراهية التي تصدرت بياناته تصريحاته العنصرية خلال قيامه بمذبحة إطلاق النار كما انه شوهد فـي الصورة وهو يرتدي سترة تحمل علم نظام الفصل العنصري فـي جنوب أفريقيا.
جريمة تشارلستون هي عمل شنيع من أعمال الإرهاب. والمجرم يعتنق أفكاراً خبيثة تؤمن بتفوق البيض وقد ترجمها بقتل المدنيين الأبرياء من اللون الآخر. لكن مهما برر عقله الإجرامي فعلته الدنيئة، تبقى مذبحة كنيسة «إمانويل» الأفريقية الأسقفـية الميثودية من أبشع الظواهر المأساوية من حيث التعصب والتخلُّف والعنصرية فـي أميركا، هذه الظواهر التي ما فتئت تنمو وتتصلب وتطرف على مدى السنوات الماضية للأسف الشديد فـي بلد الحرية والتعدّد.
ان استهداف كنائس السود وسيلة ارهابية قديمة استخدمتها الجماعات العنصرية التي تؤمن بتفوق البيض خلال ذروة حركة الحقوق المدنية فـي فترة الستينيات والسبعينيات وقد بدأها إرهابيو «كو كلوكس كلان» بزرع قنبلة قتلت أربع فتيات أميركيات إفريقيات فـي الكنيسة المعمدانية الواقعة على الشارع ١٦ فـي مدينة برمنغهام، بولاية ألاباما عام ١٩٦٣. كما شنت المنظمة الإرهابية التكفـيرية حملة تخريب واسعة وألقت قنابل حارقة على الكنائس الأميركية الأفريقية خلال تلك الحقبة.
وتمكنت الانتصارات القضائية والسياسية وسيادة القانون ونضالات منظمات الحقوق المدنية والتضحيات الكبيرة التي قدمها الأميركيون الأفارقة، من دفع اولئك العنصريين الى هامش المجتمع. ولكن التعصب يعود مجدَّداً اليوم لكي يذر بقرنه فـي هذا البلد.
كما ان صعود وسائل الإعلام المحافظة والخوف من التحولات الديمغرافـية، وهجمات ١١ أيلول (سبتمبر) والحروب التي تلتها وانتخاب رئيس أسود لأول مرة فـي تاريخ الولايات المتحدة، أشعل فتيل التعصب العرقي والديني مجدَّداً ودفعه الى الواجهة. وتُرجِم هذا التعصب بأعمال عنف ضد الملونين.
وليس الاستهداف المنهجي وإطلاق النار على الرجال السود العزل من قبل عناصر الشرطة، الا الدليل الآخر على استمرار وجود خوف غير منطقي من الأقليات وتصويرها على انها بعبع يفتك بالحضارة الأميركية التي لم تكن لتُبنى إلا على سواعد الهنود الحمر والعبيد والمهاجرين من كافة أنحاء العالم.
ولا يجب تجاهل دور وسائل الإعلام المنحازة والسياسيين ذوي الأفق المحدود فـي شحن النفوس وتغذية كراهية الأجانب من أجل اغراضهم الخاصة، فـي الوقت الذي يقع فـيه الملونون ضحايا جرائم الكراهية كل عام تقريباً.
فـي عام ٢٠١٢ قتل داعٍ من دعاة تفوق البيض ستة أشخاص فـي معبد للسيخ بولاية ويسكونسن. وفـي عام ٢٠١٤ أطلق مسلح مناهض للهجرة أكثر من ١٠٠ طلقة باتجاه القنصلية المكسيكية فـي مدينة أوستن بولاية تكساس. فـي شهر شباط (فبراير) من العام نفسه، أعدم متطرف متعصب ثلاثة مسلمين أميركيين عرباً فـي تشابل هيل، بولاية كارولينا الشمالية.
هذه الاعتداءات هي مثال صارخ على الجرائم ذات الدوافع السياسية والعنصرية التي تستهدف الأقليات على مدى السنوات القليلة الماضية فـي طول وعرض البلاد.
لكن فـي كل مرة يسقط فـيها اشخاص ملونون ضحايا للعنف العنصري، تُختلق الأعذار لإخفاء بشاعة الجريمة والعنف وتجنب مواجهة مشكلة الكراهية المدمرة فـي هذا البلد مثل وضع رأس نعامة الأسباب الحقيقية فـي الرمل.
فعندما أطلق المجرم القاتل النار على رؤوس ضياء ويُسر ورزان فـي منزلهم فـي تشابل هيل، هرعت الشرطة ووسائل الاعلام الكبرى بكل قنواتها لتوصيف الجريمة فـي أنها نزاع على أحقية وقوف السيارات.
وبعد اطلاق النار على معبد السيخ، أعلن مذيع «فوكس نيوز» ان «المرض العقلي، جنباً إلى جنب مع نظام الرعاية الصحية النفسية المتهالك، قد يبرزان على أنهما وراء جريمة ويسكونسن».
حتى مطلق النار جزار مذبحة تشارلستون الاخيرة أعطي فرصة الشك عندما قال مذيع «أم أس أنْ بي سي» «نحن لا نعرف حالته العقلية».
ان تحويل الأنظار عن جرائم الكراهية والإرهاب المحلي من خلال تجريد مرتكبيها من دوافعهم الخفـية أمر خطير للغاية، وتجاهل الكراهية يؤدي حتماً إلى تسعيرها لا إلى كبحها.
وبينما تنفق وكالات الاستخبارات الفـيدرالية مليارات الدولارات على مراقبة المسلمين والتجسس عليهم، لا يزال عنف جناح المتطرفـين اليمينيين يتسلل تحت سمع وبصر السلطات.
ان التهديد الإرهابي الذي تشكله المنظمات التي نصبت نفسها إسلامية متطرفة هو تهديد حقيقي، ولكن الافراط فـي التأكيد على انه التهديد الوحيد للأمن والسلام الذي تواجهه أمتنا الأميركية هو خطأ تؤكده وقائع مجزرة يوم الأربعاء.
الكراهية فـي أميركا وصلت إلى حالة مثيرة للقلق ومرحلة الخطر، ويجب ان يبدأ حوار وطني بسرعة لاقتلاع التعصب والكراهية ضد الأجانب. ولكن للأسف تستمر وسائل الإعلام ودهاء السياسيين المنحازين فـي تأجيج نيران الكراهية، ويستمر العنصريون فـي غض النظر عندما ينفجر التعصب إلى عنفٍ مستشرٍ قد لا يوفر أحداً مهما كان لونه أو عرقه او دينه.
عندما تظاهر المتطرفون المسلحون أمام مسجد فـي مدينة فـينكس الشهر الماضي، تمحور النقاش فـي وسائل الاعلام الأميركية حول «حرية المتظاهرين فـي التعبير» وتم تجاهل والتعمية على سلامة وأمان الأميركيين المسلمين الذين يخضعون للترهيب الممنهج.
ولكن السياسيين والاعلاميين المغرضين قد لا يعلمون ان الكراهية لا حدود لها والعنف لن يتوقف عند من يدّعون الانتماء إلى العرب أو المسلمين أو الأقليات، لذا يجب مكافحة كره الأجانب قبل أن يستهلك نسيج مجتمعنا وقبل فوات
الأوان.
من تشابل هيل إلى تشارلستون، الإرهاب هو نفسه وكل محاولات التعمية على عنف دعاة تفوق البيض مع وضع مزاعم المرض العقلي إضافة إلى الدوافع الظرفـية ما هي إلا لتبرير وتسعير حركة التفوق الأبيض. القلق الديموغرافـي وكراهية الأجانب ليس من المشاعر الهامشية فـي أميركا ويجب علينا جميعاً مواجهتها.
تعازينا لإخواننا وأخواتنا الأميركيات من أصول افريقية فالمصاب كبير والألم يعصرنا جميعاً، لاننا نشترك معهم فـي المشاعر وضمان الكرامة الإنسانية على أرضنا الأميركية المشتركة، ونحرص جميعاً فـي الدفاع عن مكتسباتها العظيمة التي أسّس لها الآباء الأوائل كمثالٍ يُحتذى فـي العالم.
Leave a Reply