كمال ذبيان
حرّكت جريمة قتل حوالي 30 مواطناً من أبناء طائفة الموحدين الدروز فـي بلدة «قلب لوزة» فـي ريف إدلب شمال سوريا، موضوع الأقليات، فـي ظل تمدد الجماعات الإرهابية التكفـيرية، إذ ما حلّ بالدروز فـي هذه البلدة التي هي واحدة من 18 بلدة يقطنها حوالي 25 ألف مواطن درزي فـي جبل السماق منذ مئات السنين، يُطرح أيضاً على ما سبق وحل بـ«الإيزيديين» فـي العراق والمسيحيين فـي محافظة نينوى وفـي مناطق يسكنها شيعة، لأن تنظيم «داعش» (الدولة الإسلامية فـي العراق والشام) و«جبهة النصرة» ينتميان الى تنظيم «القاعدة» وإن اختلفا «بالتكتيك»، لكنهما فـي الإستراتيجية والأهداف يعملان لإقامة «خلافة إسلامية» وحكمها بـ«الشريعة الإسلامية»، وفـي ظل هذه الخلافة لا مكان لأي إنسان حتى ولو كان على المذهب السّنّي، أن يبقى على قيد الحياة، إذا لم يبايع الخليفة الذي اسمه اليوم «أبوبكر البغدادي»، أو يرحل، وهذا ما يحصل فـي كل أ رض يصل إليها «داعش» فـيعمل قتلاً وتنكيلاً بالآخر المختلف عنه فـي الرأي والعقيدة والممارسة.
جنبلاط يصافح شيوخاً دروز |
ولم تنفع شفاعات النائب وليد جنبلاط مع الجماعات التكفـيرية وتحديداً «جبهة النصرة» فـي حماية الدروز فـي جبل السماق الذي وقع تحت سيطرتها منذ أكثر من عام، مستنداً الى موقفه الرافض للنظام السوري ومعارضته لبقاء الرئيس بشار الأسد، ودعمه للمعارضين له، ودعوته الدروز فـي الجيش والدولة للإنشقاق عن النظام، لا بل مطالبته بمقاتلته لإسقاطه، وهو ما راهن عليه منذ إندلاع الأزمة السورية قبل نحو خمس سنوات.
وإذا كان دروز جبل السماق وقعوا تحت هيمنة «جبهة النصرة»، مع تراجع النظام السوري فـي ريف إدلب وجسر الشغور، فإن الدروز وهم الأكثرية فـي محافظة السويداء، أصبحوا فـي قلب المعركة التي أشعلها المسلحون بوجه الجيش السوري، الذي لم ينشق عنه ضباط وجنود دروز، سوى أعداد قليلة جداً لا يتعدى عددهم العشرات لا بل أن ضباط وأفراد الجيش المنتمين الى طائفة الموحدين أبلوا بلاء حسناً، واستشهد حوالي 1500 ضابط وجندي من محافظة السويداء، كما برز ضباط خاضوا أشرس المعارك فـي أكثرية المحافظات، ومنهم العميد عصام زهرالدين الذي تروى روايات البطولة عنه فـي المعارك التي شارك فـيها فـي الفرقة الرابعة التابعة للحرس الجمهوري، وانبرى النائب جنبلاط فـي أحد تصريحاته الى سفك دمه وتحليل قتله، لأنه يقاتل مع النظام ولم يستجب لا هو ولا غيره من الضباط الدروز لنداءته الى الإنشقاق عن الجيش لإضعافه وإسقاط الأسد.
وصمود الجيش السوري بوجه الحرب الكونية عليه بمشاركة تحالف دولي تقوده أميركا تحت اسم «أصدقاء سوريا»، ثمّ مواجهته بجماعات إسلامية متشددة من أكثر من 80 دولة فـي العالم، أفشل المشاريع الأميركية والعربية والأوروبية التي وُضعت لسوريا لشطبها من الدول التي تشكّل محور المقاومة، وقطعه من وسطه، فـيمنع تواصل طهران مع المقاومة فـي لبنان عبر سوريا التي تعتبر العمق الإستراتيجي للمقاومة، بفضل النظام فـيها الذي مورست عليه ضغوط أميركية لفك ارتباطه بمحور المقاومة، ونقل إليه هذا القرار وزير الخارجية الأميركية كولن باول الذي زاره بعد احتلال العراق عام 2003، وقدّم له طلبات لإغلاق مكاتب حماس وقطع العلاقة مع إيران و«حزب الله» وتسهيل وجود القوات الأميركية فـي العراق، لكن الرئيس السوري رفض هذه الشروط وأعلن استمراره فـي محور المقاومة، الذي تدفع سوريا وشعبها ضريبة الدم بسبب هذا الموقف القومي والوطني.
وقف الدروز فـي سوريا كما غيرهم من الشرائح الشعبية، مع الدولة السورية وحاميها الجيش السوري الذي يضم كل فئات الشعب وطوائفه وعكس وحدة وطنية، لأن البديل عنه هي الفوضى واستباحة جماعات تكفـيرية لسوريا، التي من دون حاضنة الدولة الوطنية، لا وجود لهم، وأن البديل عنها «دولة إسلامية» لا مكان فـيها للروافض والمرتدين والمشركين والكفار والملحدين…
فبين الدولة السورية، التي ينعمون فـي ظلها بالأمن والإستقرار، وبين «دولة إسلامية» بقيادة البغدادي، فإن الشعب السوري فـي كل أطيافه إختار الدولة السورية والدروز منهم، لأن النظام بالرغم من أخطاء وارتكابات ومفاسد ضربت به وهزّت كيانه، إلا أنه لا يمكن مساواته بجماعات إرهابية تكفـيرية دمّرت الحضارة الإنسانية، وألغت التعايش وعززت الجاهلية.
وما حصل فـي جبل السماق من مجزرة بحق الشيوخ والنساء والأطفال، لأن أشخاصاً فـي بلدة «قلب لوزة»، وهم مع الدولة السورية، لم يبايعوا «دولة الخليفة البغدادي»، ولا جبهة النصرة وقد لبّى الأهالي ما طُلب منهم لجهة نبش القبور وتحطيم مراقد الأولياء وإشهار إسلامهم وهم مسلمون موحدون لهم طريقتهم بالعبادة ولبسوا الزي الإسلامي، ومع ذلك تمّ ذبح وقتل مواطنين منهم .
وتزامنت المجزرة فـي «قلب لوزة» فـي الشمال السوري، مع تحريك «جبهة النصرة» لجبهة الجنوب السوري بالتقدم نحو اللواء 52 للجيش السوري فـي درعا، والذي يقع على مسافة 12 كلم شرق السويداء، مما أقلق الأهالي الذين طالبوا بتعزيز الجيش لوجوده، وهم لم يشهدوا معارك عسكرية منذ أربع سنوات، إلا بعض الحوادث التي حصلت فـي بعض القرى والبلدات المتاخمة لدرعا التي كان أهلها على خلاف عقاري حول الأراضي مع محافظة السويداء التي لم تسجل فـيها حركة نزوح للأهالي، بل نزح إليها عشرات الآلاف من درعا وريفها كما من دمشق وريفها ومحافظات أخرى، فنعمت بالأمن والهدوء، لكن الجيش السوري لم يعد بإمكانه تغطية كل سوريا، وقد أنهكته الحرب، وبات يتّكل فـي بعض المناطق على متطوعين فـي «الدفاع الوطني» و«اللجان الشعبية»، فـي وقت تراجع الإلتحاق من قبل المواطنين الذين أتموا 18 سنة بالجيش من خلال التجنيد الإلزامي، فقرّر الأسد تخفـيض قواته فـي محافظة السويداء التي تخلّف عن الإلتحاق بالتجنيد فيها حوالي 27 ألف مواطن، وقرّر أن يضع الجميع أمام مسؤولياتهم، كي لا يحل بهم ما حلّ «بقلب لوزة»، كرد على مَن يحرضهم على عدم الإنخراط فـي الجيش كالنائب جنبلاط يعاونه عدد من المشايخ والأفراد الموالين له فـي «جبل الدروز» ومنهم الشيخ وحيد بلعوس الذي قام بتحريض الأهالي وتجييشهم ضد الرئيس بشار الأسد.
وهذا ما حصل، وشعر أهالي محافظة السويداء، بالخطر وقد بات التكفـيريون فـي عقر دارهم، مع حشد الجماعات الإرهابية لحوالي 8 آلاف عنصر هاجموا مقر قيادة اللواء 52 فـي درعا، ثم مطار «الثعلة» العسكري الموجود على أطراف محافظة السويداء، ومع هذين التطورين العسكريين لم يعد أمام الأهالي سوى الإسراع الى التجند فـي الجيش السوري الذي عزز وجوده بكتيبة مدرعة، وسلّح الشباب الذين سمح النظام لأكثرية منهم بالخدمة العسكرية فـي بلداتهم ومدنهم.
إلا أن هناك مَن قرّر أن يستغل مجزرة «قلب لوزة» وسيطرة المسلحين على اللواء 52، وتسريب معلومات عن نقل النظام للمال الموجود فـي فرع المصرف المركزي فـي السويداء، و الآثار من المتحف، مما خلق حالة إرباك رافقها تسريب إعلامي عن انهيارات فـي الجيش السوري، وأن روسيا تخلّت عن الأسد، وإيران تفتش عن صفقة مع أميركا، وترافقت هذه الأجواء التي تمّ تناقلها فـي أن النظام السوري سيسحب الجيش من السويداء ليدافع عن دمشق، فدبّ الرعب فـي صفوف المواطنين فـي السويداء، ليتبيّن لهم، أن حرباً نفسية تخاض لإسقاط السويداء دون مقاومة كما حصل فـي الموصل والأنبار، حيث لعب النائب جنبلاط دوراً سلبياً، إذ أرسل الى مشايخ العقل فـي السويداء وفعالياتها، معلومات تؤكّد لهم أن النظام السوري آيل الى السقوط، وهو فـي نهاية أيامه، وعليهم تسهيل مرور المسلحين وعدم اعتراضهم، لا بل مشاركتهم القتال وطرد الجيش السوري من المدينة، وتجاوب بعض الأفراد مع دعوة جنبلاط، لكن حركتهم فشلت، إذ جرى استيعاب الوضع من قبل مشايخ العقل المؤثرين فـي جبل العرب، وقرروا أن يدافعوا عن أرضهم وكرامتهم تحت راية الجيش الذي قدم مئات آلاف الشهداء والجرحى، وجاء هذا الموقف ليعزز الصمود الشعبي، وتوحيد صفوف المقاتلين فـي «جيش شعبي» سُمي «درع الوطن» بقيادة العميد المتقاعد نايف العاقل، وتمّ تزويده بالسلاح الخفـيف والثقيل، وسقطت ذريعة عدم تسليح المواطنين، لينخرط المقاتلون مباشرة بمعركة الدفاع عن الوطن ضد الجماعات الإرهابية، وقد تنبّه المواطنون الى أن ثمة مؤامرة تحاك، وهي أن «إسرائيل» قررت استغلال ما حصل فـي بلدة «قلب لوزة»، وفـي الإرتباك الذي ظهر فـي السويداء، حيث أعلن رئيس الكيان الصهيوني رينوفـين ريفلين فـي كلمة نقلها التلفزيون أثناء استقباله رئيس أركان القوات الأميركية المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي، أن الدروز فـي فلسطين المحتلة قلقون على أقاربهم فـي سوريا، ولا يمكن أن يُتركوا منفردين ومعرضين للخطر، فبدأت الإشارات الإسرائيلية تصل من القيادة الصهيونية ومن دروز فلسطين، فكبرت القضية، وبات الدروز أمام معضلة الإرتماء فـي أحضان «دولتين دينيتين» «إسرائيل» و«الخلافة الإسلامية»، فقرروا أن يكونوا فـي أحضان الدولة السورية، وإسقاطهم لمشاريع تقسيم تستعاد خرائطها بين فترة وأخرى، وعاد الحديث عن دولة درزية فـي الجولان، كما عن «دولة علوية» فـي الساحل، ليأتي الرد من الدروز فـي لبنان وسوريا عن رفضهم «لدولة درزية» سبق وأن وتصدوا لها فـي العشرينات مع سلطان باشا الأطرش ثمّ فـي الستينات مع كمال جنبلاط، وفـي السبعينات مع النائب جنبلاط وكل القيادات الدرزية، أثناء الإجتياح الإسرائيلي للبنان، ليطل المشروع من جديد، حيث ارتكبت «إسرائيل» المجازر فـي فلسطين وسوريا ولبنان إلخ… لتقدّم نفسها حامية وحاضنة للدروز، فـي وقت هي التي ساهمت فـي التحريض على حرب الجبل فـي لبنان اثناء احتلالها التي شهدت مذابح وعمليات تشريد وتهجير.
إن معركة السويداء، هي معركة بقاء الدولة السورية أو فرطها، لأن الجماعات الإرهابية المدعومة خارجياً، تسعى من السويداء إلى أن تسقط دمشق التي وإن سيطر عليها المسلحون، فإن سوريا تفتح الباب للتقسيم، وعندها قد يتطلّع الدروز الى «كانتون» فـي الجولان وجبل الشيخ، لكن دون حياة، وسيولد ميتاً، لذلك هم يعيشون كما غيرهم من أقليات فـي زمن الحيرة مع خرائط التقسيم.
Leave a Reply