مريم شهاب
منذ وعيت الدنيا و رأيت الأشياء التي حولي بظواهرها وخفياها، وأنا أتخذ موقف الرفض لكل ما هو سلبي فيها، خاصة الغطرسة التي أربأ بنفسي أن أمارسها بحق الآخرين. وقياساً على ذلك أنصح الإنسان، من ذكر أو أنثى، أن لا يعامل أهله وإخوانه وأقرباءه وجيرانه بقسوة وفظاظة وعنجهية، وأعتبر أن من يتكبر على من حوله ينطوي على نقص فـي انتمائه إلى جنس البشر.
فكونك تمشي على رجلين ولديك ملامح بشرية، لا يجعل منك آدمياً إلا من حيث الشكل.
قمة «الفشخرة والعنطزة» يمارسها مستجدو النعمة، الذين يقفزون من الملاليم إلى الملايين فـيميلون إلى السفاهة والإنفاق البذخي والإنضمام إلى أثرياء الغفلة، الذين «لا يفكون الخط» ولعقدة مرضية فـي نفوسهم، يصرّون على الزواج ببنات العائلات ذوات الوجاهة المتوارثة. فالواحد منهم يريد أن يثبت للآخرين أنه قادر على شراء الوجاهة والمكانة الإجتماعية بماله. هي نفس العقدة التي أعرفها كإنسانة قروية، شهدت الكثير من نظرائي، أبناء جيلي يتزوجون ببنات البلد ثم ما إن ينتقلوا إلى المدينة ويعرفوا «الكريم كراميل والكاتو والآيس كريم»، حتى يحس الواحد منهم بأن بنت البلد لم تعد تليق به ولا بد من زوجة من بنات المدينة التي على قول شاعر الاغنية التي أداها المرحوم وديع الصافـي، «بّدها خدّام، وإلا ع ريش نعام ما بتنام».
المال السهل والعنطزة الكاذبة، جعلت بعض الأهل يقبلون تزويج بناتهم المتعلمات لجَهَلة فقط لأن جيوبهم ثقيلة دون الاكتراث لعقول أصحابها الخفـيفة. منتهى الإذلال للمرأة أن يذكّرها زوجها بانتظام كم دفع فـيها.
عن الفشخرة فـي الجالية هنا حدّث ولا حرج، تسمع أحدهم يقول: رزق الله على أيامنا، «كان بالنا رايق ومرتاح». كان الواحد يكتب رسائل للحي كله وهو فـي الصف الثالث إبتدائي وكانت المدارس توفر لنا التعليم والتربية.
هذا الكلام على طريقة بكاء الشعراء الجاهليين على الأطلال كنوع من الإستهبال. لأنه لم تكن هناك فـي الجاهلية بنايات عالية حتى تكون لها أطلال، حيث كان الأكل فـي البيت بمنطق «من سبق لبق» يعني لو تأخرت قليلاً عن موعد الوجبة فعليك بالصوم والصبر الجميل… ولم يكن جورج قرداحي موجوداً بعد ليعطي «خيارات». الأكل من صنف واحد والكمية محدودة، ولا مجال للدلع وشرب الشاي مع الكعك. يعني كانت قمة الدلع والترف والنعيم أن يكون أهلك قادرين على إطعامك كعكة مع كوب شاي. وكل الآباء من جيلي الذين تجاوزوا الخمسين، لم يعرفوا فـي طفولتهم الكوكا كولا والكاكاو ولا النسكافـيه.
أما اليوم فحفلات التخرج من المدارس على قدمٍ وساق، تضاهي حفلات الخطوبة والأعراس والمناسبات الدينية، وصارت حفلات أعياد الميلاد مناسبات تحييها معظم البيوت، ولم تعد تقتصر تلك الحفلات على الصغار فقط، كما كان الحال قبل حين من الزمن، بل صار من المألوف أن تسمع عن عيد ميلاد ماما وبابا والمدام والمسيو «والبيسي والبوبي» . والطامة الكبرى هي تقليعة «عيد الزواج». «آه يا هبيلة» .
رمضان قادم يا إخوان، فاستعدوا للفشخرة فـي مباريات حفلات الإفطار! من سيقدم أكثر من الأطعمة وفـي أية قاعة وما هي الزينة ومائدة الحلويات؟؟ إنه وقت التباهي والتفاخر الكاذب. لو كلّ منا تذكر كيف كان رمضان بسيطاً وكريماً على الفقراء والمحتاجين لأمسك يده قليلاً وعدّ للعشرة قبل أن تجرّه دوامة الإسراف والعنطزة!!
Leave a Reply