حل شهر رمضان المبارك هذا العام فـي ظروف حرجة تمر بها الشعوب العربية والإسلامية حيث المعاناة القاسية والمريرة من وطأة الإرهاب الذي يستبيح بلدانها، وفـي وقت لا تزال مشاعر العنصرية والكراهية المتأثرة بالصور النمطية السائدة تطاردهم فـي بلدان الإغتراب، وفـي مقدمتها الولايات المتحدة حيث يواجه العرب والمسلمون تحديات صعبة فـي مواجهة تيارات أميركية متعصبة لا تفوّت فرصة إلا وتوجّه سهام انتقاداتها غير المنطقية وافتراءاتها باتجاه المجتمع العربي الأميركي ولاسيما فـي مدينة ديربورن، التي رسخت موقعها خلال العقود الماضية كعاصمة للعرب الأميركيين. لكن -للأسف- ديربورن نفسها باتت تشهد انقسامات عبثية بفعل رياح الفوضى والتشرذم التي تعصف فـي البلدان العربية، الأمر الذي يجعل من مجتمعنا أكثر ضعفاً وهشاشة فـي مواجهة التحديات المشتركة لكل أبناء الجالية. شهر رمضان مناسبة بهيجة واحتفالية ذات قدسية يمكننا الاستفادة منها للاتعاظ من معاني وقيم شهر الله كي نرتفع فوق جراحنا ونحول الشهر الكريم إلى مناسبة للاحتفال بهويتنا كعرب أميركيين ومسلمين.
هذا الشهر ليس مجرد وقت نمتنع فـيه عن الأكل والشرب خلال النهار حسب المقتضيات الشرعية والدينية، بل هو الحاضنة الزمنية للمحية والعطاء والوحدة الوطنية. ينبغي لنا أن نجسد هذه القيم والمبادىء الرمضانية لنعكس الطبيعة الحقيقية لجاليتنا والحضارة التي حملناها معنا الى بلاد العم سام.
لما لا نقوم بتزيين بيوتنا وحدائقنا وواجهات محلاتنا لنعبر عن فخرنا بثقافتنا وهويتنا ونؤكد لمواطنينا الأميركيين حقيقة وعمق حضارتنا التي تشهد منذ آلاف السنين بأننا أنصار الحياة وصناعها.
الأجواء الرمضانية فـي ديربورن ليست جديدة، فالمدينة باتت معروفة لسكان منطقة ديترويت بأنها المدينة التي لا تنام خلال هذا الشهر الفضيل. شوارعها ومحالها تعج بالزبائن حتى ساعات الصباح الأولى، والمقاهي تزدحم بالرواد الساهرين طوال ليالي الشهر الكريم. فلماذا لا ندعو أصدقاءنا غير العرب لحضور موائد الإفطار المتكرِّرة فـي ديربورن وحفلات السحور لكي يشهدوا عن كثب «التجربة الديربورنية»؟ كما نطلب من تجارنا وبلدية المدينة وغرف التجارة ومنظمات المجتمع المدني والجمعيات والنوادي والمؤسسات ترويج وتعزيز أجواء رمضان فـي مدينة ديربورن، فتقاسم افراحنا المجتمع الأميركي عموماً بالإضافة إلى أن ذلك يمكن أنْ يعود بالفوائد الاقتصادية والاجتماعية الواسعة على مجتمعنا، إضافة الى بث رسالة التنوع الثقافـي التي يجسدها العرب فـي منطقة ديترويت بأبهى حللها. وطالما نلاحظ انه خلال مناسبات الحزن والحداد الدينية تسارع المساجد فـي الجالية والمنازل لرفع الأعلام السود، وهذا حق مشروع لا يرقى إليه الشك ويكفله التعديل الأول الدستوري، لكن الآن، حل علينا شهر الفرح والعطاء والتضحية، فاسمحوا لنا بعرض حبورنا وفرحة صائمينا ورفع زينة رمضان ورمزيته فـي جميع أنحاء مدينتنا وجاليتنا.
«ابتسامة دافئة هي لغة اللطف العالمية»، كما يقول الكاتب الأميركي وليام آرثر وورد. عندما نحتفل بشهر رمضان فإننا نبتسم جماعياً كجالية ونبين للمحيطين بنا والمجاورين لنا أننا أميركيون لطفاء، بعكس الصور النمطية البغيضة التي يصورها بنا اعداؤنا. كل رمضان وأنتم بألف خير.
Leave a Reply