عماد مرمل
شغلت مشاهد الفـيديو التي تصور تعذيب عناصر فـي فرع المعلومات فـي قوى الامن الداخلي لعدد من الموقوفـين الاسلاميين فـي سجن رومية، الراي العام اللبناني والوسط السياسي، بالنظر الى قساوتها الشديدة.
وأظهرت الصور عنصرين أمنيين وهما يتعرضان لبعض الموقوفـين شبه العراة، بالضرب المبرح بواسطة عصا، إضافة الى توجيههما الشتائم والكلام النابي اليهم، فـي احدى غرف السجن، على ان الغريب فـي الامر هو ان تسريب أفلام الفـيديو تم عن طريق «أبطالها» من الأمنيين، ما يدفع الى التساؤل حول مغزى التسريب وسر التوقيت، لاسيما ان التعذيب حصل قبل فترة.
وأحدثت الصور، فور انتشارها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بلبلة واسعة وردود فعل غاضبة، لاسيما فـي بعض الشارع السني الذي انطلقت منه أصوات تدعو الى استقالة وزير الداخلية نهاد المشنوق، بالترافق مع تحركات لمجموعات من الإسلاميين فـي عدد من المناطق، رفعت خلالها أعلاماً لتنظيم «داعش» و«جبهة النصرة».
لقد بدا واضحا فـي الساعات الأولى التي تلت تسريب شريط التعذيب ان هناك من حاول استغلاله واستثماره للتصويب على المشنوق وتهشيم صورته سياسيا. وتصدر لائحة المتهمين فـي هذا المجال زميله فـي الحكومة وتيار المستقبل وزير العدل اشرف ريفـي الذي ذهب البعض الى تحميله مسؤولية تسريب الشريط، فـيما اعتبر آخرون انه بالحد الأدنى سعى الى توظيف ما حصل للنيل من المشنوق وتسجيل نقطة عليه فـي الشارع وداخل «المستقبل».
لكن وزير الداخلية تمكن اولا من احتواء «الضربة الأولى» عبر التدابير التي اتخذها بحق مرتكبي فعل التعذيب والمتواطئين معهم، ثم استطاع ثانيا الانتقال من خط الدفاع الى الهجوم الناعم، تواكبه تغطية من «المدفعية» السياسية البعيدة المدى للرئيس سعد الحريري الذي استشعر بالخطر بعد انفلات الشارع وتمدد ظواهر التطرف فـيه، على حساب نفوذ تيار المستقبل، مستفـيدة من حالة الغليان والاحتقان التي أفرزتها صور تعذيب السجناء.
ولعل اكثر المظاهر وضوحا لنجاة المشنوق من «النيران الصديقة» زيارة نادر الحريري له فـي تأكيد للدعم الذي يحظى به من الرئيس سعد الحريري، تلتها زيارة ريفـي التي أعادت الاعتبار المعنوي الى وزير الداخلية وانطوت على اعتراف بسقوط محاولة إحراجه لإخراجه.
الا ان المفارقة هي ان ريفـي سعى الى التغطية على تراجعه أمام المشنوق برمي قنبلة دخانية تمثلت فـي اتهام حزب الله بالوقوف خلف تسريب الصور، ما دفع البعض الى التساؤل: كيف للحزب ان يخترق فرع المعلومات الذي ينتمي اليه مرتكبو التعذيب، فـيما هذا الفرع المعروف بميله الى «المستقبل» يتبع لوزير الداخلية وكان يشرف عليه حتى الامس القريب ريفـي نفسه عندما كان مديرا للامن الداخلي، عدا عن ان رئيسه حاليا هو العميد عماد عثمان المقرب من «المستقبل»؟
وبعدما انجلى غبار شريط التعذيب فـي سجن رومية، لا بد من التوقف عند النقاط الآتية:
– ان مبدأ التعذيب فـي السجون مرفوض وينطوي على انتهاك لحقوق الانسان، حتى لو كان متهما او مدانا بهذه الجريمة او تلك. وإذا كان بعض الموقوفـين الذين تعرضوا للضرب هم من المتهمين بتنفـيذ أعمال ارهابية، فان معاقبتهم يجب ان تتم وفق الأصول القضائية، مع التشديد على ضرورة إنزال اقصى العقوبات بحقهم بعد إخضاعهم الى المحاكمة.
– ان تسريب الصور الى خارج دائرة مؤسسة قوى الامن والمراجع المعنية، فـي لحظة شديدة الحساسية مذهبيا وسياسيا، كاد يتسبب بحريق فـي الشارع المنفعل والسريع الاشتعال، ما يرتب على جميع المعنيين بهذه القضية السعي الى محاصرة تداعياتها، وليس ضخها بوقود إضافـي.
– ان الحادثة فتحت الباب امام العديد من خصوم المشنوق او «منافسيه» لتصفـية حسابات سياسية وشخصية معه، بدءا من بعض أهل البيت فـي تيار المستقبل، وصولا الى المتربصين به على «الكوع»، ضمن البيئة الاوسع التي ينتمي اليها. وليس خافـيا، ان سلوك المشنوق فـي «الداخلية»، والذي اتسم بالتوازن عموما، أفرز حساسيات حياله داخل التيار ولدى عدد من أوساط الإسلاميين.
– إن مشاهد التعذيب المسربة، وعلى فظاعتها، يجب الا تختزل الجهد الذي بذلته قوى الامن الداخلي مؤخرا لضبط سجن رومية وتفكيك الإمارة التي نشأت فـي قلبه ومن ثم إعادة تأهيل المبنى «ب» ليصبح أكثر انسجاما مع شروط الكرامة الانسانية.
– ان العناصر الامنية المتورطة فـي عملية التعذيب يجب ان تخضع الى محاكمة سريعة، وعقوبات علنية، لان المحاسبة الشفافة تساهم فـي تقليص الارتكابات ورفع منسوب الاحترام لحقوق الإنسان فـي السجون. – ان مراعاة حقوق الموقوفـين من المحكومين او المتهمين يجب ان تترافق مع تشدد فـي تطبيق القانون حتى لا تنشأ من جديد إمارة للإرهابيين فـي سجن رومية أو غيره.
واكد وزير الداخلية نهاد المشنوق لـ«صدى الوطن» انه لن يقبل لا بتجاوزات من المساجين ولا بمخالفات من الامنيين، مشددا على ان المعيار القانوني واحد ويسري على السجناء الإسلامين وغير الإسلامين. وأوضح ان قائد السرية الجديد الذي يشرف على سجن رومية بموجب التشكيلات الاخيرة التي أجراها يتسم بالجدية ويمشي على المسطرة، مشيرا فـي الوقت ذاته الى ان العمل مستمر لتحسين الظروف الانسانية للموقوفـين، وكاشفا عن ان هناك سجنا جديدا بمواصفات ممتازة سيتم الانتهاء من بنائه خلال سنتين.
وقال وزير العدل أشرف ريفـي لـ«صدى الوطن» ان ما حصل فـي سجن رومية ليس مجرد خطأ او انحراف بل جريمة كبرى، مشيرا الى انه لا يستبعد احتمال وجود خلفـيات غير بريئة وراء ارتكاب هذا الفعل المشين وتسريبه.
وأبدى اعتقاده بان الوزير المشنوق كان يقصد رئيس حكومة شمالي سابق ( نجيب ميقاتي) بتحذيره من الاستغلال السياسي لصور التعذيب، لافتا الانتباه الى ان هذه الشخصية وأنصارها سارعوا الى استثمار ما جرى.
وردا على وزير الاعلام السوري عمران الزعبي الذي انتقد وزير العدل، قال: ان وسائل التعذيب خبرناها خلال حقبة الوصاية السورية التي تركت أثرها على بعض العناصر الامنية، وإذا كان الزعبي لا يجروء على الاعتراف بهذه الحقيقة، فنحن لا نخاف من المجاهرة بها. وأوضح ان ملف محاكمة الاسلاميين الموقوفـين فـي سجن رومية قيد المعالجة، مشيرا الى ان ملفات موقوفـي فتح الاسلام ستنجز نهائيا فـي الشهر المقبل.
Leave a Reply