بعد أن أقر مجلس بلدية ديربورن القراءة الأولية لمقترح يقضي بحظر التدخين بكافة أنواعه فـي جميع المنتزهات العامة فـي المدينة تمهيداً لإقراره بشكل نهائي خلال شهر تموز (يوليو) الجاري، تعالت أصوات الإستياء والغضب فـي أوساط سكان المدينة، لاسيما أبناء الجالية العربية الذين شعروا بأن القرار يستهدفهم بشكل خاص.
السخط والإتهامات بالإستهداف العنصري للعرب، كانا واضحين فـي تعليقات السكان على صفحات التواصل الاجتماعي، لكن يبقى السؤال الأهم: كم من هؤلاء الناشطين الفـيسبوكيين قاموا فعلاً بالإتصال بممثليهم فـي مجلس بلدية ديربورن للتعبير عن رفضهم لمشروع القانون؟
الجواب كالعادة ليس مطمئناً.
إن غياب الإنخراط السياسي الفعّال لأبناء مجتمعنا يحدّ كثيراً من قدرة جاليتنا على التأثير فـي صناعة القرار السياسي. قضايانا تضيع وسط الضجيج، وصدى صراخنا لا يتجاوز أسماع أصدقائنا على صفحات التواصل الإجتماعي، ويبقى صوتنا شبه غائب عن أنظار وآذان المسؤولين وصناع القرار!
إن عدم المشاركة والانخراط فـي العملية السياسية يحد من نفوذنا كجالية ويضيِّع صوتنا فـي برية التجاهل والنسيان. كما أن المضي باللامبالاة يشتت قوانا ويضعف مواقفنا ويجعل أصواتنا تتبدد وسط الصمت العلني والصراخ الفضائي الذي لا يُعتَدّ به إلا إذا وصل الى آذان المعنيين.
المثل يقول لا يضيع حق وراءه مُطالِب. والمُطَالِب هنا ليس بالفـيسبوك وحده أو التويتر، فليس بالإنترنت وحده يحيا الانسان! المطالبة تستدعي مسؤوليات مثل محاورة ومقارعة المسؤولين ومحاججتهم وإقناعهم بالمنطق لكي يحسوا بوجودنا وباهتماماتنا وإلا لن يأبه بنا المسؤولون المنتخبون لأنهم ببساطة لا يعلمون بموقفنا وبالتالي يبنون مواقفهم على أساس قبولنا ورضوخنا للأمر الواقع أو سكوتنا الذي قيل فيه «السكوت علامة الرضا».
لعل اقتراح مرسوم حظر التدخين هو الحلقة الأخيرة فـي سلسلة قرارات المجلس البلدي الجائرة والتي يعتقد أفراد الجالية أنها تستهدف العرب الأميركيين. والأنكى فـي الموضوع أن غالبية الأعضاء هم من العرب الأميركيين حتى لا يكون هناك أدنى شك فـي التمييز أو العنصرية. وقد بتنا نتساءل عن صلة هؤلاء المسؤولين العرب المنتخبين بالواقع المعاش فـي جاليتهم!
وفـي حين أننا لا نستطيع وضع استنتاج نهائي حول نية أعضاء المجلس البلدي الذين اقترحوا المراسيم الظالمة، كما أننا فـي نفس الوقت لا نتغاضى عن آفة التدخين وضرورة مكافحتها فـي أوساط جاليتنا، لكننا نحث القراء ونحضّ أبناء الجالية على أن يشاركوا فـي العملية السياسية وعملية صنع القرار والمراسيم، بغض النظر عن أفكارهم مع أو ضد. المهم ان نتوصل إلى قوانين معاشة وعملية لأننا نحن من سنتأثر بها ونحن من سيعاني من وطأتها إذا كانت ظالمة.
عندما تحرك مجلس البلدية لمنع تحويل الكاراجات لمساحات سكن ومعيشة، اعتبر العديد من أعضاء الجالية أنَّ وراء القرار سبب عنصري عرقي. ونظراً إلى أن معظم الأميركيين من أصول عربية قد قاموا بتحويل كاراجاتهم لغرف معيشة، ساد شعور عام فـي وسط الجالية أن المرسوم يستهدف العرب. ولكن بالرغم من هذا الشعور الطاغي لدى العرب الاميركيين إلا أنهم لم يكونوا هم من حمل لواء معارضة المقترح، بل منظمة مغمورة تدعى «الحملة من أجل الحرية»، وهي مجموعة تحررية، تزعمت المعارضة الشرسة ضد القرار فـي اجتماعات المجلس البلدي، بينما وقف السكان العرب الأميركيون، الذين اعتبروا أنهم هم المستهدفون بالدرجة الأولى، وقوف المتفرجين على ما يحصل حولهم. وبعد ذلك، يصرخ البعض (فـي السر لا العلن) ان المسؤولين البلديين هم منحازون. كيف ذلك وهؤلاء المسؤولون لم يسمعوا أصوات العرب ولا آراءهم؟!
المشكلة ليست فقط على مستوى ديربورن، بل هي ثقافة سائدة بين عموم العرب الأميركيين.
عندما ألقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خطابه الشهير أمام الكونغرس الأميركي فـي شهر آذار (مارس) الماضي متحدياً ومهيناً الرئيس الاميركي، كان المشرعون الديمقراطيون التابعون لميشيغن، بما فـي ذلك النائبة ديبي دنغل والسناتور غاري بيترز، اللذان حملناهما على الأكف فـي الإنتخابات، كانوا فـي مقدمة الحاضرين ضاربين عرض الحائط بآرائنا ومشاعرنا.
أما فـي الضفة المقابلة، وفـي الأيام التي سبقت زيارة نتنياهو، استنفرت الجماعات الموالية لإسرائيل وقامت بالتحشيد فـي جميع أنحاء البلاد وأرسلت رسائل لا تعد ولا تحصى ورسائل بالبريد الإلكتروني عدا عن المكالمات الهاتفـية، كل ذلك لإقناع أعضاء الكونغرس الديمقراطيين بحضور الخطاب رغماً عن إرادة أوباما نفسه وإلا!!. فـي المقابل كم عدد الاشخاص فـي جاليتنا الذين التقطوا سماعة الهاتف للاتصال بمكتب دينغل لحثها على عدم المشاركة فـي إهانة الرئيس أوباما؟ الجواب غير مشجع البتة!
السياسة هي فن تحليل العواقب وحساب الربح والخسارة، حيث المبادئ لا تتحكم بالقرارات. نحن بحاجة إلى إعلام ساستنا عن رأس المال السياسي الذي قد يكسبوه أو يخسروه من خلال اتخاذ القرارات التي تؤثر على مجتمعنا. حتى الممثلون المنتخبون الذين يستجيبون فقط لما تمليه عليهم ضمائرهم قد يتأثرون بالضغوط من جانب ناخبيهم.
فـي «صدى الوطن»، حاولنا أن ننقل هذه الرسالة السياسية للجالية مراراً ومنذ تأسيس جريدتنا. ولكن كما يقول المثل، «اليد الواحدة لا تصفّق». كما نحن فـي حاجة إلى تنوير الأصوات بكل طبقاتها وتنوعاتها لحمل مجلس بلديتنا ولانسنغ وحتى اشنطن نفسها على عدم تخطِّينا والقفز من فوق مصالحنا فـي كل مرة. لذلك فـي المرة القادمة اذا أحسستم بالغضب السياسي حول قضية معينة، لا تعلنوا الحرب عبر وسائل التواصل الاجتماعي فقط، بل اتخذوا خطوة إضافـية وأرسلوا رأيكم عبر البريد الإلكتروني إلى المسؤول المنتخب.
ان الديمقراطية تعني سلطة الشعب. وفـي جمهورية حرة مثل الولايات المتحدة، يحكم المواطنون هذه الجمهورية من خلال ممثليهم المنتخَبين. وإذا لم نقم بمحاولة التأثير على الساسة فـي بلدنا نكون قد اقصينا واستبعدنا أنفسنا من العملية الديمقراطية وسلمنا مصيرنا ومصير أبنائنا لغيرنا.
Leave a Reply