أدت مطاردة فائقة السرعة من قبل سيارة تابعة لشرطة ديترويت يوم الأربعاء الماضي، إلى مقتل إثنين من الأطفال وإصابة ثلاثة آخرين بجروح فـي حي من أحياء الجانب الشرقي من مدينة ديترويت بعد أن اصطدمت بهم سيارة كان يقودها مشبوه.
الحادثة الأليمة حدت ببعض المسؤولين ومنظمات المجتمع المدني للدعوة إلى تطبيق سياسات أكثر صرامة فـي إطلاق عمليات مطاردة المشتبهين، فـي حين طالب آخرون بحظر المطاردات السريعة وسط الأحياء السكنية.
وتظهر الاحصاءات الوطنية أن ميشيغن -التي بلغ المعدل الوسطي لحالات الوفاة الناجمة عن مطاردات الشرطة فـيها العام الماضي، قتيلين فـي الشهر- هي واحدة من أكثر الولايات عنفاً ودموية عندما يتعلق الأمر بعدد الاشخاص الذين قتلوا فـي المطاردات. وتختلف قواعد الملاحقات اختلافاً كبيراً بين الأجهزة الأمنية فـي كلٍ من الولاية والمحافظات والبلديات فـي ميشيغن. أما سياسة ديترويت، التي تضع قيوداً على توقيت وكيفية الشروع فـي المطاردات، فهي محددة نسبياً وأكثر انضباطاً بالمقارنة مع شرطة ولاية ميشيغن التي تضع سلطة إطلاق المطاردة وثق تقديرات رجال الشرطة أنفسهم.
حادثة الأربعاء الماضي الدموية كان بطلها سائق هارب من شرطة ديترويت قاد سيارته بسرعة جنونية إلى حيٍ سكني، فطارت سيارته فوق أحد الأرصفة وهبطت على الأرض لتدهس طفلين صغيرين كانا يستقلان دراجتين كهربائيتين من نوع «سكوتر»، ثم انحرفت نحو ثلاثة أطفال آخرين لتصدمهم قبل أنْ تصطدم بمنزل. وقُتل الطفلان على الفور وجرح الثلاثة الآخرون، أحدهم فـي حالة حرجة. وقد ألقي القبض على السائق بعد الحادث الأليم.
وبذلك يرتفع عدد الاشخاص الذين قتلوا فـي ميشيغن من جراء الملاحقات البوليسية الفائقة السرعة إلى ٥٠ شخصاً منذ شهر كانون الثاني (يناير) عام ٢٠١٣، وفقاً لبيانات شرطة ولاية ميشيغن والأرقام التي جمعتها صحيفة «ديترويت فري برس». وفـي معظم الحوادث، كحادثة الأسبوع الماضي فـي ديترويت، عادة ما يكون الضحايا من الأبرياء. ففـي السادس من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، توفـي رجل (٢٥ عاماً) كان يقود سيارته فـي ريدفورد عندما اصطدمت بسيارته سيارةٌ يقودها لص هارب من الشرطة.
وبدورها، انتقدت منظمة «تحالف ديترويت ضد وحشية الشرطة» عدم فرض قيود جدية على المطاردات فـي ديترويت. ودعا الائتلاف فـي بيان لإجراء تغيير فـي سياسات الولاية والسلطات المحلية حول المطاردات السريعة.
وقال البيان فـي تعليقه على حادثة ديترويت الأخيرة «يمكننا القول بأن خطئين اثنين لا يؤلفان صواباً واحداً. إذا كان الخطأ مسؤولية السائق المطارد الذي قاد سيارته بتهور خطير، الا ان الشرطة تتساوى معه فـي السلوك المتهورة والخطر وغير المسؤول بسبب مطاردته فـي حي سكني مكتظ بالسكان».
وتظهر السجلات على مستوى الولاية أنه بينما انخفض عدد الحوادث التي تنطوي على الملاحقات البوليسية فـي العقد الماضي، لكن تلك الحوادث القليلة التي وقعت كانت فـي الغالب مميتة.
فـي عام ٢٠٠٥، كانت هناك ٨٨٧ حادثة سببها مطاردات الشرطة، ولكن توفـي فـيها ١٣ شخصاً فقط. بينما فـي عام ٢٠١٣ كانت هناك ١٦ حالة وفاة فـي ٥٦١ حادثة، وفـي عام ٢٠١٤ كانت هناك ٢٧ حالة وفاة من بين ٥٥٥ حادثة مطاردة فقط. (هذه الإحصاءات لا تبين ما إذا كان الضحايا من رجال الشرطة أو الفارين أو المارة)
مشكلة على الصعيد الوطني
معظم وكالات الشرطة فـي ولاية مشيغن لديها سياسات «تقديرية» تسمح لعناصر الدوريات بتقرير ما إذا كانت المطاردة تستحق المتابعة. وقد صنفت ميشيغن الرابعة فـي اميركا من حيث عدد الوفـيات نتيجة ملاحقات الشرطة، خلف ولايات كاليفورنيا وتكساس وجورجيا، وفقاً للبيانات الصادرة عن إدارة السلامة المرورية على الطرق السريعة. ويقول خبراء انه من المرجح ان تكون هذه الأرقام متواضعة، لأن الوكالات الأمنية توفر بيانات الحوادث المرورية الى الحكومة الفدرالية على أساس طوعي فقط.
فـي العقدين الأخيرين، أنهت العديد من المدن الكبيرة، بما فـي ذلك أورلاندو وميلووكي ولاس فـيغاس، المطاردات العالية السرعة، ما عدا فـي الحالات التي تحدث فـيها جناية عنيفة. مثلاً، مقاطعة لوس أنجلوس لا تسمح للملاحقات فـي حالة المخالفات المرورية. «هذه السياسة خفضت عدد حوادث الوفـيات بنسبة ٩٠ بالمئة»، بحسب الملازم جيمس لاروشيل من شرطة لاس فـيغاس. وقد بدأت الدائرة بتحديد الملاحقات فـي عام ٢٠٠٥ وبما أن معظم الملاحقات تبدأ مع توقف حركة المرور، فإن شرطة لاس فـيغاس تسجل رقم لوحة السيارة، وفـي نهاية المطاف ترسل محققين إلى عنوان السيارة المسجل لإلقاء القبض على المشتبه به. فـي عام ٢٠٠٥، بلغت الملاحقات ٢٥٤ مطاردة، لكن فـي العام الماضي، انخفض العدد إلى ٣٥ فقط.
إلا أن العديد من وكالات إنفاذ القانون الكبيرة فـي ميشيغن ليست لديها مثل هذه القيود. سياسة ولاية ميشيغن حيال مطاردة الشرطة تسمح لعناصرها ببدء الملاحقات حتى فـي حالة مخالفات السير البسيطة، مثل وضع زجاج معتم على السيارة او عدم ارتداء حزام الأمان.
لا حاجة للمطاردات؟
جيف ألبرت، وهو عالم جنائي فـي جامعة ساوث كارولاينا، يدرس عمليات ملاحقات الشرطة لمدة ٣٠ عاماً ويعتبر فـي طليعة الخبراء فـي هذا الشأن. أكد ألبرت ان على كل أقسام الشرطة جعل الملاحقات تقتصر على الجنايات العنيفة فقط.
«لا تمت هذه السياسات الى الواقع بصلة» أوضح ألبرت متابعاً «هناك نوعان من الأساطير الاولى انه دائماً توجد جثة فـي صندوق السيارة. بعبارة أخرى، الموقوفون قد يكونوا ارتكبوا جرائم رهيبة، ولكن بالعادة هؤلاء هم فقط مجرد شباب اعتمدوا خيارات غير موفقة. والأسطورة الثانية، ان وضع قيود على المطاردات سيجعل الجميع يفرون. لكن ليس هناك أي دليل على أن العديد من الناس سيهربون».
ودلل على ذلك انه فـي أورلاندو، ذكرت الشرطة أن عدد فرار المشتبه بهم ١٠٧ من بين ٤٠ ألفاً أوقفتهم بين آذار (مارس) ٢٠٠٤ وشباط (فبراير) ٢٠٠٥. وأضاف ألبرت «الصورة الكبرى هي تحقيق التوازن بين الحاجة للقبض على المشتبه به على الفور، ودرء الخطر عن الجمهور.. وعندما أدرب عناصر الشرطة هؤلاء دائماً أقول لهم تخيلوا ابنتكم تقود سيارتها إلى البيت من العمل، وبينما الشرطة تلاحق شخصاً بسبب عبوره إشارة مرور حمراء يقوم خلال الملاحقة فـيصطدم بالابنة ويتسببب بأذيتها بجروح. عليك جعل الأمور شخصية، لأن الموضوع شخصي بالنسبة للأشخاص الذين يتأذون أو يقتلون».
سياسة فعالة ومسؤولة فـي أوكلاند
ولكن بالرغم مما سبق. فإنّ بعض دوائر الشرطة فـي ميشيغن تصرّ على اعتماد المطاردات حتى لأسباب بسيطة، مثل شرطة مقاطعة أوكلاند التي تسمح بمطاردة السائقين لمجرد عدم توقوفهم عند إشارة الوقوف عند التقاطعات (ستوب ساين).
ويقول شريف المقاطعة مايكل بوشارد ان دائرته تعتمد سياسة فعالة ومسؤولة معاً لأنها تتطلب وجود مشرفـين يرصدون عن كثب عملية المطاردة لحظة وقوعها.
وأضاف فـي حديث لصحيفة «ديترويت فري برس» أنه «يتم رصد عناصر الشرطة باستمرار، وإذا كانت الظروف ممكن ان تشكِّل خطراً كبيراً جداً، عندها نقوم بإلغاء المطاردة». وأشار إلى ان الرقابة عنصر حيوي فـي استراتيجية الملاحقة خلال الوقت الحقيقي وهو افضل من القياسات العامة الجاهزة سلفاً بعكس الحلول المحددة تبعاً للحالات المعينة.
ولدى دائرة الشرطة فـي المقاطعة طائرة هليكوبتر، مما يسمح للمشرفـين بإلغاء المطاردات مقابل استمرار الملاحقة من الجو. على سبيل المثال فـي إحدى المطاردات العالية السرعة لصاحب دراجة نارية عبر البلدات الشمالية من المقاطعة، أنهت الشرطة المطاردة فـي حين تبعت الهليكوبتر السائق من الجو حتى التجأ الى بار. وبعد ذلك بقليل وصلت سيارة دورية وألقت القبض عليه.
المصادر:
ديترويت فري برس
وزارة العدل الأميركية
الرابطة الدولية لرؤساء الشرطة
المعهد الوطني للعدالة
مطاردات الشرطة بالأرقام
كشَفَتْ دراسة وطنية من الأشخاص الذين وقعوا ضحايا مطاردات الشرطة لهم ان ٧٥ بالمئة من السائقين الفارين الذين تمت مقابلتهم فـي وقت لاحق، اعترفوا بانهم كانوا سيبطئون من سرعتهم لو كانوا سيشعرون بالأمان من جراء عدم القبض عليهم. الدراسة، الممولة من قبل «المعهد الوطني للعدالة» ونشرت فـي عام ٢٠١٠ من قبل «أف بي آي»، وجدت أيضاً أن الأغلبية الساحقة من الذين يفرون من وجه الشرطة هم من الذكور (٩٤ بالمئة)، وخصوصاً الشباب منهم الذين يبلغ متوسط أعمارهم ٢٦ عاماً. وفـيما يلي أهم ما تبينه الدراسة حول مطاردات الشرطة:
لماذا يهرب المشتبه بهم؟ هناك أسباب متعددة:
– ٣٢ بالمئة بسبب سيارة مسروقة.
– ٢٧ بالمئة فـي حوزتهم رخصة قيادة مع وقف التنفـيذ.
– ٢٧ بالمئة يريدون تجنب الاعتقال بسبب جرائم جديدة، ومذكرات توقيف راهنة.
– ٢١ بالمئة يقودون السيارة فـي حالة سكر أو خدر.
الأسباب الأكثر شيوعاً التي تؤدي
إلى مطاردات بعد توقيف الشرطة للمشتبه:
– مخالفة مرورية
– إحتمال سيارة مسروقة
– سائق تحت تأثير الكحول
ضحايا المطاردات:
– ١٤ بالمئة من عناصر الشرطة
– ٢١ بالمئة من المارة
– ٦٥ بالمئة من المشتبه بهم
Leave a Reply