عماد مرمل – «صدى الوطن»
مع استمرار الوقت الضائع، فـي ظل الشغور الرئاسي المتمادي، قرر العماد ميشال عون ان يرمي حجرا فـي المياه الراكدة، تمثل فـي اقتراحه إجراء استطلاع رأي فـي الساحة المسيحية لاختيار الاسمين المارونيين اللذين يحظيان بالدعم الأكبر للوصول الى رئاسة الجمهورية، على ان ينتخب مجلس النواب احدهما، وفق التصور الأولي الذي وضعه عون للاستطلاع، فـي انتظار التوافق مع القوى المسيحية الأخرى على صيغته النهائية، لجهة هوية الشركة او الشركات الاحصائية التي ستنظمه وطبيعة الأسئلة التي ستطرح ونوعية العينة الشعبية التي سيطالها الاستطلاع والآلية العلمية التي ستعتمد فـي اختيار المستطلعين.
اذا تم الاستطلاع يكون عون قد اتى بجعجع وليا للعهد، وقدم له اغلى هدية سياسية.(أرشيفية |
يعتبر المتحمسون لإجراء الاستطلاع انه يعيد المبادرة الى الشعب باعتباره مصدر السلطات، تبعا لما ورد فـي الدستور، وبالتالي فهو يسمح بلبننة الاستحقاق الرئاسي وتحويله الى صناعة وطنية، بعدما اعتادت الطبقة السياسية لعقود من الزمن على استيراد اسم رئيس الجمهورية من الخارج، على متن كلمات سر عابرة للحدود والبحار.
وعلى أساس هذه القاعدة، يجد هؤلاء فـي الاستطلاع فرصة لفك الارتباط بين انتخابات رئاسة الجمهورية وبين الحسابات والمصالح الإقليمية والدولية التي لا تزال حتى الآن تؤخر انتخاب الرئيس، وتجعل هذا الاستحقاق معلقا بقاطرة العلاقات بين واشنطن وطهران والرياض وباريس ودمشق، بحيث يصبح أسير الصراعات أو التفاهمات بين تلك الدول.
كما ان مؤيدي مشروع الاستطلاع يعتقدون ان من شأنه حشر القوى الداخلية التي تبيع المسيحيين – علناً -الكلام المعسول حول الشراكة والمناصفة والعدالة والتوازن فـي توزيع السلطة، إلا أنها فـي الحقيقة تهدم هذه المفاهيم ومعايير بفأس الاستئثار والهيمنة والتهميش والإقصاء، وبالتالي فان الاستطلاع الذي سيفرز الشخصية المسيحية القوية وصاحبة الصفة التمثيلية سيضع الآخرين على المحك وسيبين ما إذا كانوا يريدون بالفعل شريكا مسيحيا حقيقيا فـي السلطة ام يريدون شخصا ضعيفا فـي رئاسة الجمهورية، يبقي الخلل فـي إدارة الحكم على حاله ويكتفـي بان يغطي سطحه الخارجي بقشرة تمويهية.
فـي المقابل، يعتبر المعترضون على استطلاع الرأي ان استحقاقا حساسا ووطنيا كرئاسة الجمهورية، لا تجوز مقاربته بهذه الخفة، ولا يصح اختزاله بعينة من المواطنين يجري الاسئناس برأيها، لافتين الانتباه الى ان كل اللبنانيين، من مسلمين ومسيحيين، معنيون بهذا الاستحقاق، لان الرئيس عند انتخابه يصبح رئيسا لكل الجمهورية ومواطنيها وليس لفئة واحدة، وان تكن هويته مارونية.
ويشير المعترضون، وهم موجودون فـي الوسطين المسيحي والإسلامي، الى ان الاستطلاع غير قابل للصرف السياسي أو الدستوري، ولا يكتسب اي إلزامية، لان مجلس النواب فـي النظام اللبناني هو من ينتخب رئيس الجمهورية، وبالتالي فان استطلاعات الرأي فـي هذه الحال تغدو نوعا من «الهوايات» التي لا تعني إلا أصحابها.
ويقول قطب سياسي ينتمي الى فريق ٨ آذار ان عون ليس محتاجا للاستطلاع كي يثبت انه الزعيم المسيحي الأول، ذلك انه يملك الكتلة النيابية الأكبر على المستوى المسيحي والكتلة الثانية من حيث الحجم على المستوى الوطني بعد كتلة المستقبل النيابية، كما ان البطريرك الماروني السابق نصرالله بطرس صفـير كان قال ذات مرة لقد اصبح للمسيحيين زعيم( قاصدا فـي حينه عون).
ويشير القطب الى ان الرابح من خيار الاستطلاع هو رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، لانه حتى لو احتل المركز الثاني فـي النتائج، فان هذا الاستطلاع سيكرس شرعيته كزعيم ثان للمسيحيين، وهذه المرة باعتراف مباشر من عون، بعدما كان حجم جعجع موضع نقاش.
ويضيف: اذا تم الاستطلاع يكون عون قد اتى بجعجع وليا للعهد، وقدم له اغلى هدية سياسية، وبالتالي فان جعجع سيغدو المرشح الاقوى لرئاسة الجمهورية فـي الانتخابات الرئاسية المفترضة بعد ست سنوات، عملا بالمعيار الذي يكون عون نفسه قد ثبته من خلال استطلاع الرأي.
ويبدو ان الجهة الوحيدة المؤيدة للاستطلاع من دون تحفظ، فـي الساحة المسيحية، هي القوات اللبنانية أما رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية فقد ربط الموافقة عليه بمجموعة شروط سياسية وتقنية، فـيما رفضه حزب الكتائب بوضوح وصراحة لانه يتعارض مع الآلية المعتمدة فـي الدستور لانتخاب رئيس الجمهورية، علما ان قياديا فـي التيار الوطني الحر قدم تفسيرا آخر لهذا الموقف، قائلا: من الطبيعي ان يكون موقف الكتائب سلبيا لان الرئيس امين الجميل لن ينال مركزا متقدما فـي استطلاع الرأي، بل هو يقبع فـي مرتبة متدنية، ضمن ترتيب المرشحين المحتملين الى الرئاسة، وحتى ان هناك مرشحين مستقلين يسبقونه فـي الترتيب، كما أظهرت الدراسات الإحصائية التي تمت فـي السابق بمبادرات خاصة.
Leave a Reply