مرة أخرى، يُظهر المسؤولون فـي ديربورن هايتس انفتاحاً تجاه الجالية العربية المسلمة.
صحيح أن القرار جاء متأخراً قليلاً وما كان ليصدر لولا الدعوى القضائية التي رفعتها الشابة اللبنانية الأميركية ملاك قازان، إلا أنه جاء ليعكس الروح الإيجابية التي تتعاطى بها إدارة المدينة تجاه الجالية العربية المتنامية فـيها، والتي لا يمكن لأحد أن ينكر دورها الرئيسي فـي الإسهام الأكبر بالازدهار التجاري والعمراني فـي ديربورن هايتس.
الأسبوع الماضي، تم الإعلان عن التوصل الى تسوية بين البلدية وقازان، تعهدت فـيها شرطة ديربورن هايتس بانتهاج سياسة جديدة تجاه النساء المحجبات اللواتي يتم احتجازهن فـي الدائرة.
ووفق التسوية التي تنازلت بموجبها قازان عن الدعوى المقامة فـي المحاكم الفدرالية، سوف تمتنع شرطة ديربورن هايتس عن طلب خلع الحجاب مع السماح بتفتيشه من قبل شرطية أنثى بما لا يتعارض مع المعتقدات الدينية للنساء المسلمات المحجبات (تفاصيل ص ٥).
الإيجابية التي تعاطت بها إدارة المدينة فـي اختيار حلّ التسوية بدل التعنّت والذهاب الى المحاكم، تعكس حقيقة أن المسؤولين فـي البلدية فعلاً يريدون التوصل الى حلول مرضية لجميع الأطراف، وهو حل قابل للتطبيق فـي كافة دوائر الشرطة، فهل يمكن أن نراه متحققاً على أرض الواقع فـي ديربورن مثلاً؟.
انتقت ديربورن هايتس الخيار المناسب عن طريق تغيير سياستها العامة كجزء من التسوية القانونية، فتجنبت معركة قضائية كان من شأنها أن تكبد دافعي الضرائب فـي المدينة أعباءاً مالية طائلة، مع العلم أن جزءاً كبيراً من هؤلاء هم من السكان المسلمين، تماماً كما هو عليه الحال فـي ديربورن.
فهل تسير ديربورن فـي نفس النهج التسووي فـي الدعوى القضائية المقامة ضدها من قبل مها الأدهمي التي أجبرت على نزع حجابها أمام ضباط شرطة ذكور بعد أن اقتيدت إلى الحجز فـي الدائرة بسبب عدم تسديدها رسوم مخالفة سير متأخرة؟.
أم تقرر ديربورن السير فـي الدعوى أمام المحاكم الفدرالية بحجة الدواعي الأمنية الواهية؟
إن إزالة الحجاب ليست ضرورية عند اتخاذ الصورة البوليسية (ماغشات)، لأن النساء المحجبات يرتدينه فـي الأماكن العامة فـي كل وقت ولا ينزعنه، وبالتالي فإن الحجاب لن يغير من مظهرهن وشكلهن الخارجي المعروف بل ربَّما ان شكلهن قد يتبدل بعد نزع الحجاب وهو ما يتنافى مع السبب الأساسي للصورة.
كذلك فإن هواجس ومخاوف الامنيين من امكانية استخدام الحجاب كحبل للخنق، هي بعيدة المنال، ويمكن اعطاء المحجَّبة غطاءاً مؤقتاً من القماش لإخفاء شعرها بدلاً من الحجاب. ويمكن تفتيش شعر المرأة فـي مكان خاص من قبل موظفة أنثى إذا لزم الأمر.
ومما لا شك فـيه، أن اعتماد سياسة مماثلة لتلك التي قررت ديربورن هايتس انتهاجها، لن يكون أمراً مكلفاً ولن يتطلب تسهيلات باهظة الثمن على الإطلاق، كما أنه بالتأكيد لن يتسبب بأية ثغرة أمنية، لكن تحقيق ذلك يحتاج الى إرادة حسنة وروح إيجابية يبدو أنها مفقودة هذه الأيام فـي ديربورن.
تضعضع الثقة هذا ليس فقط بسبب سلسلة القرارات والمقترحات البلدية الأخيرة التي هزّت ثقة الجالية
بإدارة المدينة، بل هناك العديد من المؤشرات الأخرى التي تدل على إهمال واضح للجالية العربية والمسلمة، ليس أقله امتناع رئيس البلدية عن إقامة إفطار رمضاني جامع للعام الثالث على التوالي رغم أن نصف سكان مدينته هم من المسلمين، فـي حين أن رئيس بلدية ديربورن هايتس جعل من الإفطار الرمضاني تقليداً سنوياً، تماماً مثل الرئيس باراك أوباما فـي البيت الأبيض ومن سبقوه.
تحية الى قازان
إنَّ الحرية الدينية، التي يضمنها التعديل الأول للدستور، محمية ويُعمَل بها فـي الأوقات العادية. ولكن المناسبات الصعبة هي التي تختبر قدرة الحكومة على احترام القوانين التي يأمر بها الدستور.
وقد واجهت قازان، وغيرها ممن تحدّين سياسات خلع الحجاب أثناء الحجز، البلطجة من خلال التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي التي باتت فـي كثير من الأحيان مرتعاً للإشاعات والإفتراءات والمعلومات الخاطئة، وحتى بين الأفراد العرب الأميركيين أنفسهم.
بعضهم زعم أن المرأة التي ترتدي الحجاب عليها أن تضع فـي المقام الأول حرصها على الا تعتقل، وهم بهذا يلومون الضحية.
تحية لقازان على شجاعتها فـي التحدث علناً ضد الظلم وعلى إقران أقوالها بالأفعال. لقد طالبت هذه الشابة بحفظ حقوقها المكفولة فـي الدستور الذي وجد ليحمي حريتها كما حريات كل الناس فـي الولايات المتحدة. ولولا إيمان قازان وإصرارها لما حدث هذا التغيير فـي شرطة ديربورن هايتس، ولكانت عمليات نزع الحجاب مستمرة وتطال كل محجبة يتم اعتقالها فـي المدينة.
قازان دليل حي على أن التغيير ممكن بتوفر الإرادة والعزيمة والتصميم..
Leave a Reply