علي حرب – «صدى الوطن»
على قاعدة أن «الجميع متساوون تحت القانون» وأن «الزواج حق أساسي لكل الناس»، أقرت المحكمة العليا الأميركية فـي حزيران (يونيو) الماضي زواج المثليين فـي الولايات المتحدة، فـي خطوة جريئة نالت مباركة الإعلام والسياسيين والرئيس باراك أوباما نفسه، إلا أن نتائج وتبعات هذا القرار تبقى مثار جدل ونقاش واسعين فـي أوساط المجتمعات الأميركية المحافظة، ومنها العربية، التي تخشى أن يشكل تشريع زواج المثليين منعطفاً جوهرياً فـي التركيبة الإجتماعية لهذه البلاد خاصة وأنه يمنح المثليين حق تشكيل الأسر التي تعتبر نواة المجتمع.
الجدل الدائر فـي أميركا حول هذه القضية الخلافـية مستمر منذ عقود، وعلى الرغم من الجنوح المحافظ داخل الجالية العربية الأميركية وفـيض التعليقات المعادية للمثليين التي تلت قرار المحكمة العليا، إلاّْ آنَّ نظرة أعمق إلى داخل عرب أميركا تكشف انهم لا يختلفون عن المزاج الأميركي العام المنقسم على نفسه حول هذا الموضوع، مثل أية جماعة أخرى.
الأسرة وقيمها فـي خطر
جون، مهندس عربي مسيحي يعيش فـي واشنطن، رغب فـي عدم الكشف عن اسمه بالكامل، يقول لـ«صدى الوطن» إن قرار المحكمة العليا يُعدّ عملاً «مخجِلاً ومُشيناً». وأضاف جون أن «زواج المثليين هو خطيئة ضد الله. وهذا مكتوب بشكل واضح فـي الكتاب المقدس»، معتبراً أن رفض الزواج المثلي يجب أن يكون الرأي السائد فـي المجتمع «لكن، للأسف، الناس مضللون» حتى أن المؤسسات والشخصيات العامة المعارضة للزواج بين الجنس الواحد، غير قادرة على رفع الصوت ضد قرار المحكمة خشية أن تتهم بـ«رهاب المثليين» (هوموفوبيا) أو أن تكون عرضة لضغوطات المجموعات المؤيدة للمثليين.
وأردف جون الذي وصف نفسه بأنه رجل علماني يؤمن فـي الفصل بين الكنيسة والدولة، إنَّ رفضه لزواج المثليين نابع من «احترامه للحياء العام، وليس بسبب الدين». واستدرك بالقول «الذي تفعله فـي منزلك مهما كان هو شأنك الخاص. وقد وُجدت المثلية الجنسية منذ آلاف السنين، ولكن عرضها واستعراضها فـي الشوارع ومباركتها من قبل الحكومة تشكل إهانة للمجتمع والناس».
المرجع الشيعي عبداللطيف بري، وهو مرشد المجمع الإسلامي الثقافـي فـي ديربورن، أعرب من جانبه عن رفضه القاطع لتشريع زواج المثليين معتبراً أن المجتمع العربي الأميركي يرفض هذا النوع من الزواج «وكذلك كل الأديان الإبراهيمية التي تحرِّم إقامة مثل هذه العلاقات ولهذا كان رد فعل المسلمين والمسيحيين فـي الجالية قد تمثل بإدانة قرار المحكمة العليا».
وتابع الشيخ بري «ان لا لبس فـي النصوص الدينية الإسلامية التي تنهى عن وتحرم وجود علاقات مثلية»، مشيراً الى أنَّ زواج المثليين يهدد القيم العائلية لأن الأسرة هي حجر الزاوية فـي المجتمع والركيزة الأساسية التي تحمل أركان أمتنا. وإذا سمحنا بزواج المثليين، فسنبدأ بتدمير الأسرة، الأمر الذي يهدد نسيج مجتمعنا ويسمح بانتشار الفساد، وهذا سيكون له تأثير سلبي على مستقبل بلدنا».
وأضاف بري أنَّ «زواج المثليين يقوّض أهمية الإنجاب فـي المجتمع. ولا يمكن للبشرية أنْ تستمر إلا من خلال الأسرة»، وقال إن حالات المثلية الجنسية تعود إلى أسباب بيولوجية أو نفسية، داعياً مثليي الجنس للبحث عن العلاج.
من جانبه، صرَّح الشيخ محمد علي إلهي، مرشد دار الحكمة الإسلامية فـي ديربورن هايتس، «إنَّ الإسلام والمسيحية يرفضان زواج المثليين. والمسألة ليست حول كراهية الأفراد. نحن لا نكره أحداً ولكن القضية هي أننا لا نوافق على هذه الأفعال».
وأعرب إلهي عن ذهوله من التغيير الجذري فـي الموقف العام حول المثلية الجنسية خلال العقود القليلة الماضية، ومضى إلى القول ضفـي عام ١٩٧٤، كانت العلاقات الجنسية المثلية تعد مرضاً عقلياً لكن الآن أصبح أمراً عادياً جداً. مضيفاً أن العائلة هي أقدم مؤسسة فـي التاريخ البشري، ولطالما كان الغرض من تكوين الأسرة هو إنجاب الأطفال، أما آلآن فالأمور آخذة فـي التغير متسائلاً «ما هو الغرض من الزواج الآن»؟
مثلية النضال فـي الأوساط الليبرالية، يختلف المشهد تماماً
تقول رشا المليكي، وهي ناشطة يمنية أميركية ومؤسسة مشارِكة لمجموعة نسوية باسم «زي الجماعية» (Z Collective) إن قرار المحكمة العليا من شأنه «أنْ يبدأ نقاشاً تحتاجه الجالية العربية الأميركية حول الهوية والميول الجنسية».
«الحديث عن المثلية الجنسية بشكل عام كان من المحرمات، فما بالك بمناقشته داخل مجتمعنا»، وأضافت المليكي، «أنَّ الحديث العلني حول حقوق المثليين على مستوى الشرعية السياسية والاجتماعية سيعمل ببطء وشيئاً فشيئاً على تحويل العقليات التقليدية نحو مفهوم أكثر انفتاحاً».
وادَّعت المليكي أنَّ التعصب يضر بالقيم العائلية، أكثر من زواج المثليين، «بعض الآباء والأمهات يتبرأون من أطفالهم المثليين، مما يهدِّد بتدمير الأسرة». معتبرة أن أكثر ما يبقينا بعيدين عن بعضنا البعض هو «الخوف والجهل». وانبرت إلى القول «ان المثلية الجنسية موجود فـي الشرق الأوسط منذ آلاف السنين، ولكن بعض الناس فـي الجالية يصورونها على أنها بدعة غربية»، معربةً عن استهجانها من «كم الأساطير السائدة حول ثقافة وهوية المثليين جنسياً».
وقالت إن مراجعة النصوص الدينية بعقلية منفتحة أعطتها فرصة لإعادة النظر فـي الموقف الثقافـي العربي حول الميول الجنسية «فالأمور تتطور أسرع من أي وقت مضى، وعلينا أن نكون دائماً على استعداد للتحقيق فـي المعلومات الجديدة بعقل متفتح».
رنا المير، نائبة مدير «الاتحاد الأميركي للحريات المدنية فـي ميشيغن» (أي سي أل يو) ترى من جهتها أنه على الجالية العربية «الدفاع عن المساواة فـي الحقوق وليس الدفاع عن عدم التسامح».
وتقول المير إن المثليين العرب الأميركيين يواجهون تمييزاً مزدوجاًَ، الأول كونهم عرباً والثاني يأتي من داخل الجالية العربية باعتبارهم «شاذين جنسياً».
وأضافت «أنَّ التشجيع والاحتفال بالمساواة لمثليي الجنس يقرب بلدَنا اكثر إلى وعد السعي وراء السعادة والحرية والعدالة للجميع ولكننا ندرك أيضاً أن العمل لم يُنجَز بعد» فـي إشارة الى ضرورة سن قوانين تمنع التمييز ضد المثليين فـي العمل والمجتمع والخدمات. جازمةً بأن جميع الناس يجب أن يُمنحوا فرصاً عادلة لكسب لقمة العيش وإعالة أنفسهم وأسرهم من دون الخوف من الطرد أو الحبس أو الإخلاء أو الاستهداف أو القتل بسبب ميولهم الجنسية.
الفنان الكوميدي الفلسطيني الأميركي عامر زهر أدلى من ناحيته برأيه مشيراً إلى «ان الزواج مؤسسة اجتماعية، مبنية على أساس قرارات شخصية ولا ينبغي أن يكون من شأن الحكومة تحديد من يمكن أن يتزوج من»، مؤكداً وجود تشابه بين المجتمع العربي ومجتمع المثليين.
«كلاهما من الأقليات التي تكافح من أجل أن يُعترف بها كبشر» وأضاف زهر أن المجموعتين الوحيدتين المتبقيتين فـي أميركا اللتين يمكنك أن تقول أي شيءٍ عنهما علناً من دون أنْ تدفع أي ثمن إجتماعي، هما العرب الأميركيون والأميركيون المثليون. نفس النضال من أجل الأنسنة يجمع بيننا وبينهم».
وأردف زهر أنه «من النفاق أنْ يُحارب العرب الأميركيون التمييز ضدهم، ولكنهم فـي الوقت نفسه يسكتون أو يعارضون حقوق المثليين»، وأضاف أن كلا المجموعتين تتشابكان معاً لأن المجتمع العربي يحتوي أعداداً كبيرة من المثليين «رغم أن معظمهم لا يكشفون عن أنفسهم». وتابع زهر «تقريباً لكل عربي قريب أو صديق مثلي. وعندما نقف ضد المثليين، فإننا تقف ضد حقوق الناس الذين هم على مسافة قريبة جداً منك». وأضاف «نحن كعرب أميركيين، لم نصل لمرحلة النضوج بحيث نُشعِـر إخواننا وأخواتنا من المثليين بأنهم يمكن أنْ يُعلنوا عن أنفسهم ويتم تقبلهم».
غير أن جون من واشنطن نفى أوجه التشابه المطروحة بين نضال الأميركيين العرب والمثليين جنسياً وأوضح «إنَّ وضعنا كعرب أميركيين يختلف بشكل جذري عن مثليي الجنس. بل إنه تشبيه معيب. نحن مجموعة ثقافـية ونحن لا نفعل أي شيء يخدش الحياء ذلك أنَّ المطالبة بالمساواة يجب أنْ تتطلب احتشاماً».
لكن زهر، وهو أيضاً أستاذ فـي القانون بجامعة «ديترويت ميرسي»، يستدرك ليقول انه يمكن للجالية العربية الاستفادة من المبادئ القانونية التي كررتها المحكمة العليا فـي قرار تشريع الزواج المثلي، ولا سيما مسألة المساواة فـي ظل القانون.
من جانبها، استعارت المير شعاراً من داعية الحقوق المدنية القس مارتن لوثر كنغ الإبن، فربطته بنضال المثليين من أجل «حقوقهم» المدنية بكفاح العرب الأميركيين. هذا الشعار هو «الظلم فـي أي مكان هو تهديد للعدالة فـي كل مكان».
المثليون العرب يشعرون بسعادة غامرة
ولفت السعادة الغامرة المثليين العرب الأميركيين أثر إعلان قرار المحكمة العليا، تماماً مثل أقرانهم فـي جميع أنحاء البلاد. ويشمل تصنيف المثليين اللواط والسحاق وذوي الميول المزدوجة إضافة الى المتحولين جنسياً.
وقام العشرات من المثليين ومؤيدوهم بالتعبير عن بهجتهم فـي وسائل التواصل الاجتماعي، مظللين صفحاتهم الشخصية فـي الفـيسبوك بصور مثليي الجنس وشعارهم «قوس قزح».
علاء، وهو مثلي لبناني أميركي ارتأى عدم نشر إسمه الكامل، قال ان قرار المحكمة منحه سعادة هائلة «وهو يعني أننا لم نعد غير قادرين على الزواج الذين نختارهم بوعينا من أجل بناء حياتنا وأسرنا»، ولاحظ «هذا يعني أنه من الآن فصاعداً سيتم التعامل معنا على قدم المساواة مع مواطنينا من غير المثليين، لا كمواطنين من الدرجة الثانية».
وأضاف أن قرار المحكمة قد يجعل «معارضة الأهل الأميركيين للتوجه الجنسي لأولادهم أقل صرامة».
«من أجل القضاء على كراهية المثليين، يجب أن يأتي التغيير من داخل المجتمع»، تفاءل علاء، الذي أعلن عن ميوله اللوطية لأسرته، مشجعاً «باقي المثليين العرب لكي يكشفوا عن ميولهم الجنسية». وارتأى علاء انه «بحلول الزمن، ستتعرف العائلات على جانب آخر من شخصية الأحباء فـي أُسرهم وعلى الرغم من رفضهم لاحتضان هذا الجانب فـي البداية، لكن مع مرور الوقت سوف يراجعون أنفسهم ويصبحون أكثر رأفةً وتفهماً وانفتاحاً».
مثلي آخر هو رالف (اسم مستعار) رأى ان «قرار المحكمة يزيد من اعتزازه بأميركيته».
«أنا ممتن جداً وإلى الأبد بتسمية الولايات المتحدة وطني» أردف رالف، وتابع «بوجود هذا القانون، سأحصل على المساواة فـي الحقوق والحماية بموجب القانون وهذا شيء لم أكن لاحلم به قطّ لو كنت لا أزال أعيش فـي الشرق الأوسط».
Leave a Reply