ناتاشا دادو – «صدى الوطن»
بعد أربعة أيام حافلة بشهادات الضحايا وذويهم وأصحاب الإختصاص، يتجه القاضي الفدرالي بول بورمان لإصدار حكمه فـي قضية طبيب السرطان فريد فتا صباح يوم الجمعة (مع صدور هذا العدد)، والذي من المتوقع أن يكون حكماً بالسجن مدى الحياة بعد اعتراف فتا بتعمد تقديم تشخيص خاطئ لمئات المرضى وإيهام بعضهم بالإصابة بمرض السرطان رغم كونهم أصحاء تماماً بهدف تحقيق أرباح طائلة. كلف جشع الطبيب فريد فتَّا وعدم احترامه لحياة وقيمة الإنسان، مرضاه أكثر من خسارة حياتهم وتكبيدهم معاناة ومأساة لم يكن هناك داعٍ لهما.
الكثيرون من المرضى فقدوا منازلهم واضطروا إلى اشهار الإفلاس بسبب العلاجات الطبية غير الضرورية التي جعلت المرضى وأسرهم يفقدون إلى الأبد ثقتهم بالمجتمع الطبي.
كان من الصعب على المريض السابق لفتَّا، تيدي هاورد، ان يتمالك عواطفه وهو يتحدث إلى «صدى الوطن» فـي جلسة يوم الثلاثاء الماضي.
وقال هاورد إن الطبيب شخصه خطأً بأنه مصاب بمرض لم يكن أصابه. لكن صحة هاورد ليست هي الشيء الوحيد الذي دمره فتَّا، حيث ظل الضحية يتلقى العلاج الكيماوي لمدة ١٨ شهراً وكان من الصعب عليه الاستمرار فـي العمل فخسر وظيفة كانت توفر له ٦٠ ألف دولار سنوياً. ولأن هاورد لديه أربعة أطفال اضطرت زوجته إلى العمل فـي وظيفتين، فـيما كان الطبيب يدمر حياة أسرته لجني الأرباح.
جلسات النطق بالحكم بدأت يوم الإثنين فـي مبنى المحكمة الفدرالية وسط ديترويت، واستمرت طوال الأسبوع حيث أدلى ٢٢ شخصاً من المرضى السابقين وأسرهم بشهاداتٍ حثت القاضي بورمان بالحكم على فتَّا بالسجن مدى الحياة.
ووصف بعض المرضى أنفسهم بضحايا «محرقة فتَّا» قائلين إنه ارتكب «إبادة طبية جماعية» وكان «سرطاناً فـي المجتمع الطبي».
ويطالب الإدعاء العام الفدرالي بإنزال عقوبة السجن لغاية ١٧٥ عاماً بحق فتا، فـي حين يطالب فريق الدفاع بإبقاء موكلهم وراء القضبان ليس أكثر من ٢٥ عاماً.
وكان فتَّا (٥٠ عاماً)، وهو طبيب الأورام السرطانية، قد اعترف فـي أيلول (سبتمبر) الماضي بأنه مذنب من خلال التشخيص الخاطئ للمرضى وجعلهم يخضعون لعلاجات مفرطة لا لزوم لها، وكل ذلك حتى يتمكن من تحصيل رسوم من برنامج الرعاية الطبية (ميديكير). ووفقاً للحكومة فإن عدد ضحايا «الطبيب الشيطان» بلغ ٥٥٣ مريضاً.
«ان الطبيب الذي كنت أثق به وسلمته حياتي قد غير إلى الأبد وجهة نظري تجاه الطب» قالت باتريشيا هيستر، الذي شخص الدكتور فتَّا مرضها بأنه نوع نادر من سرطان الدم لكن تبيَّن عدم صحة هذا التشخيص.
واستذكرت لورا ستيدفـيلد، ابنة أحد المرضى التي وقعت فريسة فتَّا، حالات هروب منها وتهربه عنها فـي المستشفى لتجنب الإجابة على أسئلتها. حتى أنه فـي احدى المرات طلب من أمها المريضة ان توقف ابنتها عن الاتصال به وطرح الأسئلة عليه. فـي جلسة المحكمة تمكنت ابنة المريضة الضحية من الاستفراد بفتَّا هذه المرَّة لأنه لم يعد قادراً على الهرب.
«فريد فتا، أنا أكرهك. أنت وحش، أنت الشر بعينه. من الواضح أنك جبان لأنك لا تستطيع حتى أنْ تنظر إلى وجهي الآن. لقد عذبت وقتلت والدي. وأتمنى لك أياماً عسيرة. وأتمنى لك ان لا ترى عائلتك. أتمنى لك ليالي بلا نوم»، قالت ابنة المريضة ستيدفـيلد.
وظهر فتَّا فـي المحكمة بتعابير جامدة من دون عاطفة، فلم ينظر إلى الضحايا أو أفراد عائلاتهم خلال شهاداتهم باستثناء ستيدفـيلد لوهلة خاطفة بعد أن وصفته بأنه جبان. وكان يرتدي قميصاً بياقة بيضاء وسترة سوداء. ومن وقت لآخَر خلال الشهادات العاطفـية ظهر فتَّا وهو يكتب بلا مبالاة على نوتة ويقلب بعض الأوراق.
وشكر العديد من المرضى السابقين مكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي) على اعتقال فتَّا فـي عام ٢٠١٣، وأعربوا عن اعتقادهم بأنهم كانوا سيصبحون فـي عداد الأموات لولا تدخُّل الوكالة.
وتم تشخيص ستيف سكيرزيبزاك بمرض السرطان عن طريق فتَّا لكنه لم يكن يحمل المرض. وقال سكيرزيبزاك ان فتَّا بدا له كالنزيه والراعي فاعتقد انه المنقذ له «لكن تبيَّن أنه أفضل كاذب محترف رأيته فـي حياتي».
«بعض الناس هنا قد اختاروا أن يغفروا له، أنا لن اغفر له أبداً، ربما يغفر له الله» شهد أحد المرضى مضيفاً أنه تم تدميره جسديا وعاطفـياً ومالياً وروحياً بسبب فتَّا «وعالم الأطباء هو الآن مكان مخيف بالنسبة لنا».
ويقول المحققون الفدراليون أنه من شهر آب (أغسطس) ٢٠٠٧ إلى تموز (يوليو) ٢٠١٣ أرسلت عيادات فتا فواتير بقيمة ٢٢٥ مليون دولار، حصل على ١٠٩ ملايين منها، وكانت الكثير من الجلسات العلاجية تجري للأشخاص الذين لم يكن لديهم سرطان.
وكان فتا، الذي ظهر باكيا أمام المحكمة فـي الخريف الماضي، قد أقرّ بذنبه نافـياً أن يكون عقد أية صفقة فـي المقابل مع الإدعاء العام لتخفـيف العقوبة. وقال فتا «هذا خياري الشخصي».
وجاءت اعترافات فتا، وهو طبيب من أصل لبناني يدير عدة عيادات لعلاج مرض السرطان فـي ضواحي مدينة ديترويت، صادمة بالنسبة لكثيرين. وقالت المدعي العام الفدرالي لشرق ميشيغن، باربارا ماكويد حينها، أنها ستطالب المحكمة بتوقيع عقوبة السجن مدى الحياة لفتا عقب اعترافه. وأشارت إلى أن فتا حقق أرباحا من تشخيصاته الخاطئة وصلت إلى 35 مليون دولار، واصفة الأمر بـ«أكثر الجرائم التي شهدتها فـي حياتها فظاعة».
Leave a Reply